المقالات

عشرون ثورة في أقل من ساعة

الجديد برس : رأي

مالك المداني – كاتب وناشط يمني

حسنا ، عدت إلى منزلي ليلة البارحة متأخرا ومرهقا حد الإعياء
خلعت معطفي ‘الرمادي’ ووشاحي الأسود واستلقيت على فراشي برأس فارغ ورغبة خاوية ، لا ادري مالذي علي عمله لإضاعة ماتبقى لدي من الوقت ،
أو كيف لي أن املوء تلك الساعات الطويلة والمملة التي لطالما تسبق ‘ساعة’ نومي، بشيء ما يساعدني على اجتيازها بسلام ،
عوضا عن التحديق بسقف غرفتي وعد ‘إخفاقاتي’ المتكررة في هذه الحياة الواحدة تلو الأخرى !!
أملا في أن يغلبني النعاس قبل أن أفقد صوابي وأجن قبل حصرها كاملة !!
لذا نظرت لهاتفي كما أفعل دائما قبل أن أنتقل إلى حياتي وحياتكم الإفتراضية !
لكن إحساس ما ، منعني من ذلك وأخبرني أنها فكرة ‘سيئة’
المهاترات كثرت ، والتهم تزايدت ، ضوضاء مزعجة ، فوضى عارمة ، شتائم ، بهائم ، سباب ، بكاء ، ضحك ، مئاسي ، نكات ، طرائف ، سخائف ، حقائق ، زوائف ، من كل شيء وشيء !!
ولا أخفي عليكم ، لم يك ينقصني أن احشر نفسي داخل سوق شعبي مكتظ ومزدحم بكل الأصناف البشرية البعض منهم يستحقون الأحترام ، والبعض الأخر يدفعك للضحك ، منهم الغريب ومنهم العجيب ، فيهم الدنيء وفيهم القذر كثير منهم مجوف وكثير منهم ايضا ممتلىء !
وقتها لم يكن مزاجي مناسبا لإستيعاب كل هذه التناقضات وفلترتها وفرزها كما جرت العادة يوميا !
لذا أخرجت هذه الفكرة من رأسي ،
أشحت بنظري بعيدا عن الهاتف
تفحصت وتمعنت في محيط غرفتي باحثا عن وسيلة ما اقضي بها وقتي الرخيص الممل !
كانت مجرد بضع ثواني ، حتى وقعت عيناي على خزانة الكتب المهملة التي كنت قد نسيت وجودها أصلا !
قمت إليها ، مددت يدي لأحد رفوفها
أخذت كتابا لم أستطع أن اقراء ‘عنوانه’ ،
إلا بعد أن نفخت الغبار من على غلافه !
كان بعنوان ‘أهم ثورات التأريخ المعاصر’ …!
عدت لمكاني ، وبدأت بتقليب صفحاته ، قرأت :
عن الثورة الفرنسية كيف أندلعت عام 1789 وامتدت عشر سنين من الكفاح المسلح وغيره
الهجوم على سجن الباستيل
المسيرة الكبرى نحو البلاط الملكي
إلغاء الملكية
إعدام الملك لويس السادس عشر
خلع نابليون
عودة النظام ملكي مجددا !!
أنتقلت إلى ثورة البلاشفة ‘الروسية’ !
عرفت احداثها ، رأيت نتائجها !
ثم أنتقلت إلى الثورة الأمريكية !
ثم الثورة ‘المجيدة’ الأنجليزية !
ثم ثورة الفتاة التركية !
ثم ثورة غاندي !
ثم ثورة مانديلا !
الثورة الإيرانية !
الثورة الكوبية !
كنت أنتقل من ثورة إلى ثورة أخرى وأثر كل واحدة اكمل قرأتها يزيد إنبهاري وإعجابي بقاداتها واحداثها ومراحلها وتناقضاتها التي كانت تعصف وتموج بجماهيرها واعدائها وكل عناصرها ،
تلذذت بكل سطر قرأته و بغض النظر عن اختلاف التوجهات وتناقض الأهداف وتعارض مبادىء رعاتها مع مبادئي وتوجهي والمشروع الذي أؤمن به ، إلا أن إحترامي لمن فجروا تلك الثورات بمختلف دياناتهم وطوائفهم ، كان يزيد اكثر واكثر إصر كل صفحة أطويها من ذلك الكتاب !
ظللت على حالتي تلك ، اطالع ، أعجب ، أحترم ، اقلب الصفحة ، أنتقل من ثورة إلى ثورة !!
حتى شعرت بالجوع والظماء ! وبدأت معدتي بإصدار أصوات الخواء !
أغلقت الكتاب ورميته بعيدا !!
أدركت حينها أن الجوع لادين ولا ثوابت ولا قيم له !
“كانت ثورة جياع” فجرتها آنذاك !
لايهم ، بعد رميت الكتاب إلى احدى الزوايا المهملة ، نهضت من فراشي ذاهبا إلى المطبخ أبحث عن شيء اسد به رمقي واطفي به نار جوعي !
فتشت هنا وهناك ، ولم اجد شيء !
شربت كوب ماء ، وبدأت بالتفكير مالذي علي فعله ؟!
أم هل اطرق باب الجيران وأخبرهم أنني جائع ؟!
كلا ، يستحيل هذا ، إن قاموا هم باعطائي دون أن اطلب ذلك فلا بأس !
أما أن استجدي منهم كسرة خبز فالموت جوعا أهون لي !
مالحل اذا ؟!
هل أبيع ارضي لقاء الطعام ؟!
لايمكن هذا ، إن بعت أرضي اليوم ربما اشبع عصافير بطني لكني غدا سأجوع واتشرد ايضا !
هذا مستحيل ، قلت في نفسي !!
سأزرع أرضي وأنتظر عطائها وإن تأخر وانام اليوم جائعا ، فلاضرر في ذلك !
في الحقيقة كانت ثورة “كرامة” فجرتها في تلك اللحظة !
ثورة كرامة ، جعلتني أخلد للفراش جائعا لا أملك فتات خبز حتى !
ثورة كرامة وثورة تكافل ، جعلتني أفكر في جيراني وكل من حولي كل يوم قبل أن انام ، هل هم جائعون هل ناموا ببطون خاوية ؟!
لا ادري ، ولكن هناك عزة نفس يمانية توحي اليك بأن الجميع في خير والضرر متخفي خلف تلك الابتسامات !

تفقدوا الناس من حولكم ، واحرصوا على كرامتكم وكرامة من تعرفوهم !