الجديد برس
وكالة الأنباء الروسية سبوتنيك
كثيراً ما توصف الحرب على اليمن بأنها “حرب منسية”، وعندما لا تتم رؤيتها من خلال نظرة شاملة تعترف بالصورة الكاملة للأحداث فإن هذا يؤدي تلقائياً إلى استنتاجات معينة، فكثيراً ما يتم التركيز على الجانب الجيوسياسي للحرب على اليمن، ولا يبدو الاهتمام بالتاريخ والسياسة الداخلية كافياً.
هذا ما أوضحته صحيفة “الهافينغتون بوست” في مقال حمل عنوان “حرب اليمن بين المصالح الداخلية والخارجية” أشار الكاتب من خلاله إلى أن التكلفة البشرية للحرب على اليمن باهظة جداً وتعني أنه يواجه جيلاً مفقوداً، حيث يموت طفل كل 10 دقائق من سوء التغذية الشديد ونقص المساعدات الطبية، ويبقى السؤال لماذا يُستهدف اليمن؟.
بداية من حيث الموقع يتمتع اليمن بأهمية استراتيجية كبيرة على المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية في منطقة الخليج والجزيرة العربية بشكل خاص، فهو يشرف على باب المندب الذي يربط المحيط الهندي بالبحر الأبيض المتوسط وخاصة بعد افتتاح قناة السويس، الأمر الذي جعله مصدر اهتمام القوى الدولية على مر التاريخ.
حيث يمثل اليمن البوابة الجنوبية لمدخل البحر الأحمر ويتحكم بالممر الذي يصله بالمحيط الهندي، وهو عبر منطقة خليج عدن يحتضن كلاً من البحر الأحمر والمحيط الهندي من الخاصرة، ويتحكم كذلك في طرق الملاحة البحرية المؤدية إلى آسيا، كما أن اليمن وبمساحته الجغرافية وكتلته البشرية يعد عمقاً وامتداداً أمنياً وسياسياً لدول الخليج وأي توتر أمني وعدم استقرار في اليمن يؤثر بالضرورة في أمن واستقرار دول الخليج.
ويشكل باب المندب علامة فارقة في أهمية اليمن الاستراتيجية، وما يجعل الاهتمام بأمنه واستقراره مسألة لا تعني اليمن فحسب، وإنما دول الخليج وربما الدول العربية بصفة عامة.
من جهة أخرى، يشكل اليمن منذ القديم خزاناً للعرب، فانطلاقة العرب الذين يعودون بالنسب إلى قبائل قحطان وعدنان العربية كانت منه والهجرات أيضاً خرجت منه، ناهيك بفضل اليمن الكبير بنشر الدين الإسلامي في جنوب شرق آسيا مثل إندونيسيا وغيرها.
ويعد سد مأرب المائي في اليمن أحد أقدم السدود في العالم معجزة في تاريخ شبه الجزيرة العربية، الأمر الذي يضيف لأهميته التاريخية والاستراتيجية بعداً آخر.
ما لا يختلف عليه اثنان أن اليمن يختلف فكرياً وثقافياً واجتماعياً عن الدول العربية المحيطة به وهو ما يجعله محاصراً دائماً، وهذا ما أكده الباحث الألماني ويرزدوم الذي زار اليمن وألف كتاباً بعنوان «اليمن ثلاثة آلاف سنة من الفن والحضارة», كما أنه الجمهورية الوحيدة في بلدان شبه الجزيرة العربية التي تتألف من ممالك كالسعودية والبحرين وإمارات مثل قطر والإمارات، أضف إلى ذلك ما يتمتع به الشعب اليمني من ذكاء، وعندما أراد العثمانيون احتلاله فشلوا وقتل الكثير منهم حتى سمي بـ مقبرة الأناضول.
قد لا تكون الإشارة إلى أهمية اليمن والاستفسارات حول الحرب عليه من دون غيره بالجديدة، لكن الأخطر يتمثل بسؤال أهم يوجهه اليمن للإدارة الأمريكية بشكل خاص في جو محموم تملؤه الشكوك والتحسبات والأمل في أن تمسح واشنطن الدم عن يديها وتضع يداً «حانية رحيمة» على أطفال يجوعون بالملايين ويعرون ويأكلهم البرد والرعب، فلماذا اليمن؟.
غالباً ما تشير وسائل الإعلام الغربية إلى اليمن بأن إنتاجه من الطاقة قليل، لكن حقيقة الأمر أنه البلد الذي يتربع على احتياطات نفطية وغازية كبيرة جداً، وأن اليمن يقع بجوار باب المندب وهو مركز وممر رئيس للعبور البحري للنفط إذ يمر عبره 3,4 ملايين برميل من النفط يومياً.
يؤكد الكاتب أن الإدارات الأمريكية السابقة كانت تدرك ومنذ أمد بعيد أهمية اليمن وما يختزنه من احتياطات هائلة من النفط، مشيراً إلى برقية سرية للسفير الأمريكي السابق لدى اليمن ستيفن سيش عام 2008 نشرها موقع “ويكيليكس” جاء فيها: إن محافظات شبوة ومأرب والجوف لديها احتياطات من الغاز بكميات كبيرة، أما بالنسبة للنفط فوفقاً لمسح جيولوجي مفصل لشركة (يو إس جي إس) يمتلك اليمن خزانات نفطية بحرية ضخمة، ما يبين أن احتياطات النفط غير المستغلة في اليمن هي أكبر من الاحتياطيات المشتركة لدول الخليج الغنية بالنفط مجتمعة…وهنا يكمن أحد أهم أسرار الحرب على اليمن.
وكشف الكاتب الأمريكي أن المصالح الخاصة في الشرق الأوسط عموماً وفي اليمن خصوصاً هي من دفعت إدارة باراك أوباما والحكومات الأوروبية لقصف اليمنيين تحت شعار “مساعدتهم”، ولعل ذلك هو لغز الفوضى في اليمن والحرب على اليمنيين وغيرهم.