المقالات

تطبيع أم تهويد في الأردن…؟ وطنٌ يُباع ويُشترى

الجديد برس : رأي 

د. م. سفيان التل

عندما كنا أطفالا في المدارس كنا نتعلم الشعر، وأحيانا لم نكن نستوعب أو نتصور ما كنا نتعلمه ونردده وننشده عن بيع الوطن:
وطنٌ يُباع ويُشترى ونصيح فليحيى الوطنْ
ومن قصيدة أخرى:
ومن فتحَ البلادَ بدونِ حربٍ يهونُ عليه تسليم البلادِ
تعودنا أن نكرر هذا الأبيات من الشعر إلى أن بدأنا نعيشها ونعاصرها ونشاهدها بأم أعيننا ونلمسها على ارض الواقع، في هذا الزمن الرديء. ولكننا تعلمنا أبيات أخرى عن الوطن مثل:
ولي وطنٌ آليتُ آلا أبيعهٌ ولا أرى غيري له الدهرَ مالكا
فهل صرنا وأصبحت امتنا بحاجة لمثل هذه المواقف. وجاء شوقي وهو منفي في جنان الأندلس ليقول لنا:
وطني لو شُغلتُ بالخلدِ عنه نازعتني إليه بالخدِ نفسي
بعد هذه المقدمة الشعرية العاطفية اسمحوا لي أن أقدم إليكم بدون عواطف وبدون انفعال وبدون حماس بعض الحقائق والأرقام الهادئة الباردة ولكنها الصادمة. وأسألكم بعدها هل نحن ما زلنا في مرحلة التطبيع أم أننا تجاوزناها إلى مرحلة بيع الأوطان، ودخلنا في مرحلة التهويد.
سأحدثكم عن ثلاثة محاور:
المحور الأول تعرفونه جميعا ولكنه للتذكير فقط
وبمرور سريع أود أن أذكركم بما تم بيعه باسم الخصخصة لشركات أجنبية، وبالتأكيد لا أحد يستطيع أن ينفي سيطرة الصهيونية عليها، ومنها:
• شركة مناجم الفوسفات.
• شركة البوتاس العربية.
• شركة الاسمنت.
• شركة اُمنية.
• شركة الكهرباء.
• ميناء العقبة وأراضي العقبة وشواطئها.
• شركة الاتصالات.
• الملكية الأردنية وتشمل مجمعات الصيانة، محركات الطائرات، وتموين الطائرات ومركز التدريب والأسواق الحرة واكاديمية الطيران.
• غابات دبين.
ويجدر بنا التذكير بأن البيوعات تمت بأسعارزهيدة وغير حقيقية تثير السخرية.
ومما شمله البيع والتأجيرأيضا:
• سلطة المياه الأردنية.
• مؤسسة سكة حديد العقبة (لمدة 25 عام).
• مؤسسة النقل العام.
• مطار الملكة علياء.
• فتدق الاردن وحمامات ماعين.
كذلك فقد بيعت أسهم الحكومة في الشركات والمؤسسات التالية:
– الشركة العربية الدولية للفنادق، الأردنية لتجهيز الدواجن، المؤسسة الصحفية الأردنية.
– ومن البنوك بنك الإسكان وبنك القاهرة عمان وبنك الصادرات والتمويل وبنك الإنماء الصناعي.
– ومن المصانع مصنع رب البندورة في الاغوار، ومصانع الاجواخ الأردنية، والخزف والدباغة، والورق والكرتون. واعذروني إذا سهوت عن أي صفقة أخرى.
المحور الثاني
وقد تم في هذا المحور إخراج المشاريع العملاقة القادمة، والتي سيتم تنفيذها على الأرض الأردنية،لصالح الكيان الصهيوني حيث تم إخراجها من سيطرة الدولة أو الحكومة، لوضعها تحت سيطرة مؤسسة جديدة يحق لإسرائيل المشاركة فيها، تمهيدا للسيطرة عليها وذلك بموجب تشريع تم لهذا الغرض.
وقد اقر البرلمان (المزور) السابق قانون صندوق الاستثمار لهذا الغرض،وأصر على عدم استثناء الكيان الصهيوني من المشاركة في هذا الصندوق. كما منحه حق احتكار المشاريع العملاقة التالية:
– مشاريع سكك الحديد.
– مشاريع أنبوب النفط (والغاز).
– مشاريع الطاقة وتشمل المفاعلات النووية.
– مشاريع النقل.
– مشاريع الثروة المعدنية.
– مشاريع الربط الكهربائي.
– البنية التحتية لبعض المشاريع.
– ايه مشاريع أخرى يحددها مجلس الوزراء.
ومنح هذا الصندوق إعفاءاتمن الرسوم والجمارك والضرائب وضرائب الدخل.كما منح حصانة قانونية تضمن له فسادا لانهائيا في هذه المشاريع. حيث لا تخضع جميع هذه المشاريع لرقابة ديوان المحاسبة ولا لمدير الشركات.
والأخطر من هذا انه تم تعطيل الدستور لصالح هذا الصندوق وقانونه.وأعطاه الحق باستملاك الأملاك الخاصة. وكذلك أعطاه الحقبالتصرف بأملاك الخزينة. وتشمل أملاك الخزينةأكثر من 90% من مساحة الأردن،وهي أراضي البادية والصحراء والحراج وما فيها من ثروات كالنفط والغاز والنحاس والسليكا واليورانيوم والماء والهواء ……..الخ
هذا ما سيتم تسليمه للكيان الصهيوني مستقبلا.
أما ما تم تسليمه ويجري التعتيم عليه فهو في المحور الثالث.
المحور الثالث
بيع أراضي البتراء لليهود
بداية لا بد من نشير إلى ادعاءات بعض علماء اللاهوت من اليهود أنالبتراء هي مدينة اللجوء الحصينة لهم في أخر الزمان قبل قيام الساعة، حيث سيهرب اليهود من القدس ماشين على الإقدامباتجاه البتراء. وذلك حسبما جاء في سفر (لوقا 21: 20-24) عن تدمير القدس وسبي اليهود على يد الأعداء. كما بالغ بعظهم بالادعاء أنهم هم من بنو البتراء.
ولتتعرفوا على تفاصيل الطريقة التي اشترى اليهود بها أراضي البتراء وبتواطؤ حكومي وبرلماني وبنكي، فعليكم أن تعودوا إلى كتابي:”الهيمنة الصهيونية على الأردن” الفصل الثاني: تحت عنوان الذين باعوا البتراء صفحة 57
أما اليوم فسوف أوجز لكم شيئا بسيطا مما يسمح به المقام:
نصت المادة 22 من قانون سلطة إقليم البتراء التنموي رقم 15 لعام 2009 على ما يلي:
“حضر التصرف بأراضي المحمية والمواقع الاثرية التي تقع خارج حدود المحمية سواء بالبيع او التأجير او التفويض او الاستثمار او باي صورة أخرى الى أي جهة عامة اوخاصة او شخص طبيعي او معنوي سواء كان أردنياأو غير أردني”.
وقد عدلت هذه المادة بمادة تسمحبتأجير الأراضي ولم يرد فيها أي نص يستثنيالتأجير للإسرائيليين او يمنع البيع لهم، حيث حاول قلة من النواب ذلك ولم يفلحوا،وجاءت المادة كما يلي:
“يتم تنظيم تأجير الأموال غير المنقولة في الإقليم لغير الأردنيين والأشخاص المعنيين بموجب نظام يصدر لهذه الغاية”
ومن الواضح ان النظام يصور عادة من مجلس الوزراء ولا يحتاج لموافقة برلمانية، ويمكن ان يتضمن التأجير لمدة 99 سنة.
أما كيف تم بيع الأراضي في البتراء:
فقد ظهرت قضية بيع الأراضي في البتراء عام 2011 حيث كان هناك تاجر واحد وسيط يزاول مهنة بيع الأراضي لمجهولين علنا. وفي عام 2015 أصبح عدد الوسطاء أو السماسرة 8 يزاولوا مهمة الوساطة في البيع الآجل، بأسعار مبالغ فيها تتراوح ما بين 25% الى 100% من قيمة الأرض الحقيقية، على ان يتم الدفع بعد أربعة أشهر من تاريخ البيع، وقد كانت الشيكات تصرف بمواعيدها دون أي مشكلة ولم يعد للبنوك أي من هذه الشيكات المؤجلة.
كانت دفاتر الشيكات تنقل للوسطاء من البنوك بالصناديق، وصرف مئات الملايين لهؤلاء الوسطاء. أما ما يجب أنتعرفونه عن الوسطاء فقد قالأحدهم عن نفسه وفي مقابلة منشورة:
“عملت طاهيا لثلاث سنوات، ثم سائق قلاب لسنتين، ثم في محل لبيع وشراء الأراضي،والآن اشتغلبالملايين، وان 90 % من أبناء البلد منتفعين مني.
استُجوبت حكومة النسور في البرلمان عن الموضوع وعن مصدر الأموال، وكان ينفي دائماوجودأي شبهة، وكذلك فعل محافظ البنك المركزي.
حدثني صديق من البتراء طلبت منه متابعة الموضوع، انه من خلال متابعة الأرقام المتسلسلة في دفاتر الشيكات المصروفة لوسيط واحد كانت قد وصلت خلال عامين الى137600شيك، وكلها صرفت حسب الأصول.
– اماكيف تتم عملية الشراء فحسب معلومات من الداخل ومن المتعاملين يتم مسح للشخص المرشح لهذه المهنة، وبعد الموافقة عليه يوقع على وثيقة من 59 صفحة باللغة الإنجليزية، وبها ثلاث ورقات بيضاء يوقع عليها دون العلم بما سيكتب بهالاحقا، ويُعطى بعد ذلك ربع مليون لتحسين الحال، ثم يفتح له حساب ويودع به عشرين مليون تصرف بتعليمات من قبل الجهة الممولة.
– كانت بعض المقابلات لبيع وشراء الأراضي تتم مع اشباح مغطاة الوجوه كما يحدث في الأفلام وكما يتقنع جنود ما يسمى بمكافحة الشغب.
– في عام 2015 توقف وسطاء البيع الاجل عن صرف الشيكات الآجلة، وذلك بعد قرابة أربعة سنوات على صرفها بانتظام عند استحقاقها، وكانت اعدادها مذهلة، حتى قيل ان عدد الشيكات الراجعة وصلت الى 250 ألف شيك على وجه التقريب. وقدرت الشيكات التي توقف تاجر واحد عن صرفها ب 28مليون دينار.
– عندما توقف تجار البيع الآجل عن الدفع أجبرت الحكومة على التدخل، وعمدت الى تقزيم المشكلة من بيع أراضي الوطن الى جهة مجهولة، الى مشكلة شيكات مرتجعة او مؤجلة، قدرت قيمتها ب 75 مليون دينار بينما قدرت هيئة مكافحة الفساد الرقم ب 35 مليون دينار.
– فإذا كانت هذه الملايين غير المدفوعة التي اكتشفت في اقل من عام واحد، فكم تكون الملايين التي دفعت خلال سنوات البيع المسكوت عنها.
– هل كانت الحكومة والبنوك متواطئة في العملية؟ ولم لم تسال الحكومة عن مصدر الملايين التي ضخت لشراء أراضي البتراء. علما انه وبناء على تعليمات الولايات المتحدة الامريكية تقوم البنوك والحكومة الاردنية بالتدقيق والموافقة على كل التحويلات المالية الداخلة والخارجة من الأردن وبعد معرفة المرسل والمستقبل والهدف من التحويل.
– والسؤال المهم جدا للحكومة اننا نعرف أسماء كل الذين باعوا الأراضي ولكن الحكومة لم تطلعنا أبداعلى اسم واحد من المشترين. وهنا آمل من بعض النواب الاحرار توجيه سؤال للحكومة عن الاشخاص الذين سجلت لهم الأراضي، سواء كانوا أسماء حقيقية او اعتبارية او شركات.
– قامت بعد ذلك في البتراء حالة من الفوضى والهرج والمرج، وتمت عدة اعتصامات في المنطقة، وأعلنت حالة العصيان المدني،وأحرقت بعض المحلات،وأطلقت النيران على أخرى وأوقفت سلطة الإقليم أفواجالسياح مؤقتا.
– حولت الحكومة المشكلة الى هيئة مكافحة الفساد عام 2016 وما زالت القضية هناك. ولكن حتى اليوم لم تخبرنا أي جهة رسمية أردنية عن أسماء وهويات الذين اشتروا أراضي البتراء.
لمزيد من التفاصيل هناك أكثر من خمسين صفحة حول الموضوع يمكن العودة إليها في كتابي”الهيمنة الصهيونية على الأردن”.
بعد كل هذا اترك لكم الجواب على السؤال هل هذا تطبيعا أم تهويدا.