الجديد برس – متابعات اخبارية
رغم أنّ القمّة العربية الأمريكية مخصصة للملوك ورؤساء الدول،حسب ما ارادتها الولايات المتحدة وال سعود، إلا أن السعودية عمدت إلى توجيه دعوة الحضور إلى رئيس مجلس الوزراء اللبناني سعد الحريري، وليس إلى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون.
تساؤلات عدّة طرحت نفسها في الداخل اللبناني بشقيّة المسيحي والإسلامي، حول الظروف والملابسات باعتبار أن الأصول والتقاليد مستقرة على توجيه الدعوة من رئيس الدولة المضيفة لحضور دولة مؤتمر قمة إلى رئيس الدولة المدعوة، على أن يعود القرار إلى الرئيس المَدعو ( العماد عون في هذه الحالة) بالمشاركة شخصيّاً أو إرسال من يمثّله إلى المؤتمر.
وفي حين أرجع البعض الأمر إلى أسباب سعودية خشية تعكير صفوة القمّة وما يخرج من مقرّراتها دعماً أو اعتراضاً، تحدّثت مصادر عن أن الرئيس الاميركي دونالد ترامب هو من طلب حصر دعوة لبنان برئيس حكومته، وربما بسبب مواقف الرئيس ميشال عون الإقليميّة، وتحديداً فيما يتعلّق بالقضيّة الفلسطينية.
لا شكّ أن طريقة توجيه الدعوة إلى لبنان تشكل سابقة خطيرة، إلاّ أنّها لا تتعلّق بالعلاقة الشخصيّة مع عون، فقد حرص الأخير على أن تكون السعودية أول محطة في برنامج زياراته الخارجية، مبدياً حرصه الكبير على علاقة لبنان بالمملكة السعودية. الملك سلمان وأثناء استقباله الرئيس عون أعلن أنّ “السعودية ترغب في المحافظة على العلاقات التاريخية مع لبنان وتطويرها”، فهل هكذا تتطوّر العلاقة بين البلدين؟
إن عدم توجيه الدعوة لعون ولا سيما في مؤتمر قمة إسلامية عربية، حيث يكون رئيس جمهورية لبنان الرئيس العربي المسيحي الوحيد فيها، أسبابها عدّة، أبرزها:
أوّلاً: يعد الدعم الذي تحظى به القضيّة الفلسطينية لدى الرئيس عون أحد أبرز أسباب عدم دعوته إلى القمّة، خاصّة أن القمّة العربية الأخيرة في البحر الميت أثبتت أنّه الرئيس العربي المقاوم الذي جدّد مواقف الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ولاءاته الثلاث في قمّة الخرطوم.
ثانياً: خشية أخرى، تقف خلف هذه الخشية، هي علاقات عون بمحور المقاومة الذي يعدّ إلى جانب القضيّة الفلسطينية أحد أبرز محاور القمّة. فما يشكّل حرجاً للرئيس عون المقاوم، لا يشكل حرجا لرئيس الحكومة، وهو أمر مستغرب وغير قانوني ومنطقي.
ثالثاً: رغم البُعد الجغرافي في المحطات الشرق أوسطية لزيارة ترامب الخارجية الأولى، السعودية والكيان الإسرائيلي، إلا أن الزيارة غير منفصلة من الناحية السياسية، بل يريد ترامب وبدعم سعودي إسرائيلي أن تكون زيارته إلى بيت لحم حيث يلتقي مع عباس ونتنياهو امتداداً للقمة العربيّة الإسلاميّة فيما يتعلّق بتصفية القضيّة الفلسطينية على بساط المفاوضات السياسية التي لا تضمن وقف الاستيطان أثنائها، ولا حقّ العودة بعدها، ولا حتّى حدود العام 1967!
رابعاً: وامتداداً للأسباب السابقة، لا تريد السعودية خروج القمّة بتحفظات ونأي بالنفس، أو رفض مقرّراتها، كما كان يفعل لبنان سابقاً، بل تريد دعم صريح لكافّة مقرّراتها. لو أن السعوديّة لم توجّه الدعوة بالأساس إلى لبنان لكان الأمر أفضل، إلاّ إنها تريد الحصول على دعم سياسي أكبر أمام ضيفها الأمريكي، وخاصّة في ظل الحديث عن مقرّرات ستستهدف حزب الله اللبناني، وبالتالي لايمكن التعويل عليها في ظل غياب أي طرف لبناني، وهذا ما يفسر الإصرار السعودي على على توجيه الدعوة لرئيس الوزراء الذي يحمل الجنسيتين اللبناني والسعوديّة.
خامساً: الحريري وقبيل توجيه الدعو إليه عمد إلى تصعيد مواقفه ضدّ إيران وسوريا والمقاومة، بما يتناسب مع مناخ القمّة التي دُعي إليها بدلاً من الرئيس عون. وهنا يخلج إلى أذهان اللبنانيين وصف الملك السعودي السابق عبدالله بن عبد العزيز المقاومين في العام 2006 بالمغامرين، وهذا التوصيف شكّل يومذاك دعوة صريحة للدول التي تدعم “إسرائيل” في حربها على لبنان، من أجل مواصلة الحرب حتى تصفية المقاومة.
سادساً: إنّ “قلّة الأدب” الدبلوماسي السعودي تجاه لبنان ستنعكس سلباً على الرياض، حيث سيدرك الشعب اللبناني بكافّة أطيافه أن حديث البعض على علاقات سعوديّة- لبنانية شفّافة أمر مجانب للواقع، لأن الرياض تعتمد مبدأ الرشوة في علاقاتها مع الدول، وهذا ما بدا واضحاً من زيارة ترامب نفسه.
كما اعتدنا على الرئيس عون، فإن هذه المواقف لن تغيّر من صلابته في دعم القضيّة الفلسطينية، بل على العكس ستزيده إصراراً في الثبات عليها، فالجنرال يدفع اليوم فاتورة دعمه للقضيّة الفلسطينية.
قد يرى البعض أن الخاسر من التصرّف السعودي هو عون. كلا، بل على العكس تماماً فالقضيّة الفلسطينية هي التي خسرت قبل أيّ طرف آخر، ومن خانته الذاكرة فليراجع موقف الرئيس اللبناني الأسبق إميل لحود ( وللمفارقة جنرال ومسيحي) في قمّة بيروت عام 2002 حيث عطّل مشروعاً سابقاً في تصفية القضيّة الذي كانت تقودها السعوديّة حينها أيضاً، وبدعم أمريكي.
من باب الطرفة، أرجع البعض عدم دعوة عون إلى كونه الرئيس المسيحي الوحيد، متسائلين عن بطولات “أبو إيفانكا الأمريكي” (في إشارة إلى ترامب) تجاه الإسلام!