الجديد برس – متابعات
هناك سيناريوهان خلال الأسابيع القريبة. الأول هو أن تفلح سطوة قطر الإعلامية والاقتصادية على الساحة الدولية في إنقاذها من السيطرة السعودية. والثاني دخول قوات درع الصحراء” التابعة لمجلس التعاون الخليجي قطر وطرد الحاكم، بدعوى “حماية المصالح العربية ومصالح الإسلام السني”.
على مدى عشرات السنين أظهرت دول الخليج جبهة موحدة تجاه الخارج في مختلف المجالات، وبشكل خاص لجهة كل ما يرتبط بقدرتها على الصمود في وجه التهديدات الخارجية وضد التطرف العربي في خمسينيات وستينيات القرن العشرين، وضد إيران الثورة منذ عام 1979، وضد تحدي الإرهاب الإسلاموي في القرن الحالي. ومع ذلك فإن الإمارات الصغيرة (مثل الكويت والبحرين والإمارات المتحدة) كانت تخشى التهديد الحقيقي على وجودها المستقل – أي المملكة السعودية الكبرى.
لقد حاولت السعودية مرات عديدة احتلال الإمارات الصغيرة، أو على الأقل إخضاعها لسلطانها، وذلك خلال العقود الأولى من القرن العشرين. وقد حالت بريطانيا دون ذلك من خلال التهديدات العسكرية الصريحة في بعض الأحيان. وعندما أعلن البريطانيون عام 1968 عن نيتهم الانسحاب من كل مستعمراتهم شرقي قناة السويس ناشدتها الإمارات الامتناع عن ذلك لأنها تخشى أن تستغل السعودية الفرصة لتسيطر عليها. واستجاب البريطانيون لذلك وظلوا في الخليج سنوات عدة أخرى ساعدوا خلالها هذه الإمارات في ترتيب أمورها خلال فترة انتقالية، وبشكل خاص في تحصين استقلاليتها في وجه التهديد السعودي.
إمارة قطر، التي يبلغ إجمالي عدد سكانها حوالى 250 ألف نسمة، كانت تخشى دائماً جارتها السعودية أكثر من خشيتها من إيران. وقد اتهمها الكاتب السعودي داوود الشريان قبل عامين بأنها تنوي “خلق توازن بين علاقاتها مع إيران وبين عضويتها في مجلس التعاون الخليجي” من خلال دعوتها إلى “إشراك إيران في الحفاظ على أمن المنطقة بوصفها الدولة الأعظم والأقوى فيها”. وهذه التهمة، والكثير غيرها، التي وُجهت للسياسة القطرية المستقلة تسببت بتوتر دائم في علاقاتها مع بقية دول الخليج والسعودية في مقدمتها.
إن الدعم القطري لـ “الأخوان المسلمين” ولحركة حماس، الذين يعانون الإقصاء جراء الكراهية لهما في كل من مصر والسعودية، أضاف المزيد من التوتر القائم بين قطر وبين غالبية الدول العربية تقريباً. كما أن الانتقادات الدائمة التي توجهها شبكة الجزيرة القطرية ضد الأنظمة في العالم العربي، بما في ذلك الكاريكاتير الأخير ضد سلمان ملك السعودية، أدت إلى تدهور العلاقات المتوترة أصلاً.
ويبدو أن الاستقلالية السياسية القطرية هي وسيلة دفاعية في وجه السعودية. والاستثمارات الضخمة في شبكة الجزيرة واستثمارات “هيئة قطر للاستثمار” في مؤسسة لاغارديغ الإعلامية الفرنسية واستضافة المونديال عام 2022، يبدو أن كل هذه الاستثمارات التي وصلت كلفتها مليارات الدولارات، تشكل محاولات للحصول على ضمانة دولية ضد أية تهديدات محتملة على استقلال قطر. وقد كان لدى هذه الإمارة الصغيرة ما يكفي من أسباب تجعلها تشعر بالتهديد. ففي عام 2011 هرعت السعودية لحماية النظام في البحرين ضد الاضطرابات التي اندلعت في الحي الشيعي، وقد فسرت قطر ذلك على أنه محاولة للسيطرة على البحرين. وفي الشهر الماضي قال الشيخ تميم، حاكم قطر، إن قاعدة سلاح الجو الأميركي في قطر هي الوحيدة التي تحول بينها وبين دول جارة لها تتطلع للسيطرة عليها. وعلى الرغم من أن قطر قد أصدرت بيان تكذيب عاجلاً فإنه لم يكن هناك شك حول من هو المقصود بذلك.
إن الإعلان الدراماتيكي عن قطع العلاقات بين السعودية ومصر ودولة الإمارات والبحرين وبين إمارة قطر، الذي يشتمل على قطع طرق المواصلات وطرد القوات القطرية من التحالف العربي الذي يقاتل في اليمن واتهام قطر بدعم التنظيمات الإرهابية في السعودية. وبطبيعة الحال إعادة تصنيفها بوصفها تتعاون مع “العدو الشيعي – الإيراني” هو إعلان غير مسبوق في الخليج. ويبدو أن قطر قد فشلت في فهم الواقع الإقليمي، وأن سياستها المستقلة، والتي هي مثار خلاف، قد انقلبت عليها.
هناك سيناريوهان خلال الأسابيع القريبة. الأول هو أن تفلح سطوة قطر الإعلامية والاقتصادية على الساحة الدولية في إنقاذها من السيطرة السعودية. فعدم الاستقرار في قطر قد يؤدي إلى ارتفاع حاد وسريع في أسعار الغاز والنفط، ولا يوجد لدول عظمى مثل الولايات المتحدة الأميركية والصين، وحتى إيران، مصلحة في ذلك. وعلاوة على ذلك فإن السعودية متورطة في ساحات صراع كثيرة في الشرق الأوسط وهي لن تسارع في استخدام جيشها من أجل إسقاط العائلة الحاكمة في قطر. وبكلمات أخرى فإن من شأن الرهان القطري أن ينجح.
أما في السيناريو الثاني فإن قوات “درع الصحراء” التابعة لمجلس التعاون الخليجي ستدخل قطر وتطرد الحاكم، وربما تطرد كل عائلته، وذلك بدعوى “حماية المصالح العربية ومصالح الإسلام السني”. وستعلن القوات أن قطر كانت تحت “احتلال فعلي” من قبل إيران، وأنه يجب أن يُنظر إلى هذه العملية على أنها تحرير وليست احتلالاً.
الميادين – ترجمة: مرعي حطيني
المصدر: منتدى التفكير الإقليمي