الجديد برس : رأي
صلاح الدكاك – كاتب صحفي
لم يكن من دواعي سرور مملكة بني سعود ـ ولا ريب ـ أن تندلع تناقضات البيت الخليجي بصورة علنية من جهة، ومن جهة موازية أن يضطر ملك الزهايمر سلمان إلى الشروع في تمكين نجله (الدب الداشر) من مقاليد الملك، قبل أن يُفقس العدوان على اليمن بيوضه المرجوَّة في حضن التحالف الأمريكي السعودي.
جرى كل شيء على نحو سريع وباغتٍ: وجدت قطر نفسها فجأةً فريسةً لكماشة مخالب الإخوة الأعداء.. وجد (محمد بن نايف) نفسه خارج لعبة الملك وخلف قضبان الإقامة الجبرية؛ وأفاق (الدب الداشر محمد بن سلمان) على نفسه ولياً أول للعهد بلا ثانٍ يوشك في غضون بضعة شهور قادمة أن يخلف والده النافق على عرش تغوص قوائمه الأربع في وحل إخفاقات شتى؛ عائلية بينية وداخلية وخارجية.
خطّط بن سلمان للوصول إلى سدة العرش كاستحقاق لحربه على اليمن بدءاً، والتي قَدَّر حسمها في غضون أسابيع، طبقاً لتأكيدات وردت العام الفائت على لسان (كولن باول) وزير خارجية واشنطن الأسبق، إلا أنها طالت لتتجاوز العامين، وفضلاً عن أنها لم تؤتِ أُكلها بما يتوج (المهفوف) بطلاً للحرب ومن ثم ملكاً بلا منازع، ارتدت مخرجاتها المستمرة حتى اللحظة بالضد، فغاصت أقدام المملكة في وحل فقدان الهيبة وانحسار السيطرة على عمقها الجنوبي وعلى مجريات العمليات الميدانية بالعموم في الداخل اليمني، وباتت عاصمتها ومدنها الكبرى في مهب الضربات الباليستية للجيش اليمني واللجان الشعبية.
أما إقليمياً فقد تلاشت فقاعة خلافة داعش العظيمة في العراق، وتكسرت سواطير مشروع تقسيم سوريا، على فولاذ صمود شعبها وجيشها وقيادتها، وأضحى مقاتلو الجيش العربي السوري يتبادلون السجائر والقداحات مع نظرائهم العراقيين على التماس الحدودي بين البلدين، عدا أن محور المقاومة ازداد منعة وصلابة واقتداراً، وصواريخ طهران تضرب غرف عمليات داعش في دير الزور السورية، انطلاقاً من الأراضي الإيرانية، في رسالة جلية مفادها أن محور المقاومة بات مُنتجاً لقواعد الاشتباك على أنقاض المحاذير الأمريكية المهيمنة طيلة السنوات الـ6 الفائتة، على مسرح الاشتباك شمال شرقي سوريا وشرقها.
تلقي كل هذه الإخفاقات بظلالها الثقيلة على حاضر ومستقبل لعبة الحكم في مملكة بني سعود، وتُنضج تناقضاتها البنيوية على نار لاهبة، وتسهم في إصابة اقتصادها الريعي بالكساح أكثر فأكثر.
يتعين على كاهل (الدب الداشر) الغض أن ينهض بهذا الكم من الفواتير مستحقة السداد، وسط محيط عائلي مشحون بالضغائن والمؤامرات، وشارع من الرعايا المثخنين بحراب الضرائب المتفاقمة بتفاقم عجز الموازنة الحكومية والقهر والإقصاء والتهميش وانعدام أفق الرؤية المتفائلة لمستقبل من الاستقرار في ظل مؤشرات أزوف زمن الرخاء الراهنة.
وفيما يتبنى محمد بن سلمان سلَّة الإصلاحات الاقتصادية المتضمنة في ما يسمى (استراتيجية 2030)، ويسوقها بوصفها الرُّقية الناجعة لمعضلات الاقتصاد الريعي للمملكة، ويعادي نظام الثورة الإسلامية في طهران كثابت من ثوابت سياسة الرياض؛ ويسعى لعلاقة وطيدة مفتوحة وفي الضوء مع الكيان الصهيوني، متوسلاً بهذا الثالوث دعم وتأييد واشنطن والغرب والمنظمة الأممية، فإن تحولات مناخ الواقع السياسي الإقليمي والدولي تشير ـ بطبيعة الحال ـ إلى أن هذا الثالوث هو مثلث برمودا الذي سيبتلع المملكة، لا قارب النجاة الذي سيعبر بها الأعاصير إلى بر الأمان.
ليست استراتيجية 2030 سوى اسم الدلع لسلسلة من عمليات التفكيك الناعم لأصول المستعمرة النفطية الريعية، بحسب خبراء. تفكيك يستهدف إعادة بناء الوظيفة والإطار الحامل للوظيفة بما يتماشى مع متغيرات حقبة انحسار المد الامبراطوري الأمريكي، وفشل مجمل أدوات واشنطن الوظيفية الوكيلة في تهيئة مناخ مؤاتٍ لها لاستمرار ومراكمة المزيد من النفوذ في الشرق الأوسط.
ستتغير بالضرورة (علاقات الإنتاج السياسي) إذا جازت التسمية؛ تبعاً لتفكيك بنية العلاقات الاقتصادية القديمة المميزة لمملكة بني سعود منذ نشأتها في ثلاثينيات القرن الفائت.
هكذا فإن الملك الذي بات يأخذ (ضرائب) ولا يعطي (مكرمات وخدمات مجانية)؛ سيقابله في الطرف الآخر للعلاقة الجدلية السياسية المحدثة (مواطن) يعطي ويريد ويطمح في حصة متنامية من كعكة السلطة غير مرغم على أن يغض نظره عنها كالسابق بوصفها حيازة إلهية وقفاً على بني سعود و(آل الشيخ).
في حين أن معاداة إيران من قبل السعودية تزامناً مع انفتاح الغرب عليها وتعاظم وجودها الإقليمي الوازن، لن يفضي إلى عزل إيران كما يتوقع (الدب الداشر)، بل إلى عزل السعودية ذاتها، لا سيما مع انفراط بيت العنكبوت الخليجي أو (مجلس التعاون)، وعوامل أخرى شتى غير مؤاتية لمركب بني سعود.
أما توطيد العلاقة علناً مع الكيان الصهيوني فإنها أشبه بلجوء المأزوم الواهن إلى المأزوم الواهن طمعاً في اكتساب قوة يفتقر إليها كلاهما، وستسفر ـ فحسب ـ عن الإطاحة بالمملكة من سدة (الرمزية الدينية المزعومة) وجلاء طبيعة الاصطفافات لعين الرأي العام العربي والإسلامي لجهة تقوية محور المقاومة وانفساح أفق مؤاتٍ لانضمام مزيد مكونات عربية وإسلامية إليه.
إن إسرائيل هي في أضعف أطوارها اليوم، لكن بني سعود لا يفقهون قوانين حركة التاريخ والظواهر الاجتماعية، ذلك لأنهم محض طفرة دخيلة على التاريخ تتحرك بقوة وجود موجدها وفي فلك مصالحه صعوداً وهبوطاً في المنحنى البياني لحركة المتغيرات الموضوعية والذاتية في المنطقة العربية والعالم.
وثمة محاذير تتعلق بطبيعة نشأة كانتونات البترودولار الخليجية، يغفلها (الدب الداشر – المهفوف) في غمرة شبقه للجلوس على العرش.
بعض أبرز هذه المحاذير يتمثل في أنه ما من نظام أو ملك أو أمير في خليج القار بوسعه ادعاء أنه (نظام أو رجل أمريكا الأول)، الأمر الذي ينبغي معه على (بن سلمان) أن يفطن إلى أن لـ(ولي عهد الإمارات وللإمارات) شبقاً مماثلاً في بلوغ سدة الحظوة الأمريكية، وأمريكا لا تصد أحداً بين المتنافسين تحيزاً لآخر إلا بمقدار ما يبديه هذا أو ذاك من جرأة على التعري العلني والابتذال.
لن يطول بنا الوقت كثيراً حتى نرى احتراب النظيرين الإماراتي – السعودي، على نحو أعتى وأكثر افتضاحاً وكيدية مما هو عليه احترابهما اليوم كحليفين مع قطر (المحظية الأمريكية النافقة).
إن بزوغ فجر يمني – سوري – عراقي – لبناني عربي إسلامي إنساني ناصع وحافل بالكرامة والوجود الوازن، قادم على صهوة قوانين حركة التاريخ المسيَّرة بمشيئة الواحد الأحد.
(ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون).