المقالات

الرئيس الجارسون

الجديد برس : رأي 

صلاح الدكاك – كاتب صحفي 

كل أرض تقع تحت سيطرة السعودية والإمارات هي – بالنتيجة – تقع تحت سيطرة أمريكا والكيان الصهيوني، تأسيساً على مبدأ (أنت ومالك لأبيك)، على أن علاقة طرفي الرباعية الآنفة تتعدى وشيجة الأبوة والبنوَّة إلى كونها وشيجة (ظل عربي) لـ(جسد استعماري غربي)، وأداة تنفيذية إقليمية لمدير تنفيذي كوني؛ يغمغم مخاطباً إياها من سرير ملكوته في شمال الكرة الأرضية: (أمطري حيث شئتِ فإن خراجك إلينا).
يدرك التنين الأصفر الصيني هذه الحقيقة جيداً، والأربعاء الفائت دشن رسمياً أول قاعدة عسكرية له خارج أراضي جمهورية الصين الشعبية، وتحديداً في جيبوتي، كرد فعل على إنشاء الإمارات قاعدة عسكرية لها في (جزيرة ميون اليمنية) الناتئة في مخنق مضيق باب المندب من الضفة المقابلة لجيبوتي.
حرَّكت واشنطن بيدقها الإماراتي إلى مربع متقدم حساس من رقعة الاشتباك الدولي البارد، فاستشعرت بكين الخطر على (أمنها القومي)، وتسربلت الكاكي، واتسعت أقطار سور الصين لتحضن البحر الأحمر، في الوقت الذي ترى (مصر السيسي) فيه أن أمنها القومي يكمن في مؤازرة العدوان الأمريكي السعودي على اليمن، وتمليك جزيرتي (تيران – صنافير) بمضايقهما لبني سعود، وإدارة الظهر كلياً للنشاط الصهيوني التخريبي المعادي، وتسمية (إيران) كتهديد مباشر لـ(الأمن القومي العربي)، وتقزيم مصر بالانخراط في رباعية استعراض عضلات خليجي أمريكي يستهدف تأديب بيدق خليجي أمريكي ناشز اسمه (قطر) في سجال نظراء لا طائل لمصر من ورائه سوى تكبيلها أكثر مما هي مكبلة اليوم بأصفاد التبعية لمخاوف وأطماع واشنطن خارج مجال فاعليتها العربي وبالضد له.
معضلة عبدالفتاح السيسي أنه يناوئ (الإخوان) كأداة للمشروع الأمريكي، ويقدم نفسه بديلاً لهم كأداة لذات المشروع، ويسعى لبتر اليد القطرية القذرة بتسليم عنق مصر للأيدي السعودية الإماراتية التي تفوقها قذارة، عاجزاً عن تثمين لحظة شعبية مصرية كثيفة وتواقة دفعت به ذات يوم – أو امتطاها – إلى سدة القرار في أرض الكنانة.
ينهض العراق مهيباً ظافراً من رماد عقد ونصف العقد من الاحتلال وتقويض الدولة والذبح والسحل وتقطيع الأوصال والاحتراب البيني المبرمج والمحفوز أمريكياً، بينما يجر (السيسي) مصر ليوسدها وليمة مجانية على مائدة دود البترودولار، وفيما ينفض العراق بسواعد أبنائه وتعاون الأحرار والشرفاء في المنطقة، جاثوم داعش عن تراب الرافدين، تنزلق مصر حثيثاً في مستنقع داعشي وهابي صهيوني ناعم يغذيه النفط ويباركه صندوق النقد الدولي، لتخسر ما تبقى لها من وزن هبت لاستنقاذه في يونيو 2013م من أشداق إخوان أمريكا، وطمحت للمراكمة عليه فاستفرغه عبدالفتاح السيسي ولا يزال يستفرغه على دفعات.
معضلة عبدالفتاح السيسي أنه يدير مصر بروح (الجارسون)، ويعالج معضلاتها الاقتصادية بمنطق (الزبون دائماً على حق)، وأما الزبائن من فصيلة (الغترة والعقال) فـ(البيت بيتك)، وهكذا فإن البلد الذي أشعل جمال عبدالناصر من سدته 20 ثورة تحررية، وأطلق منظمة عدم الانحياز، يتحوَّل شيئاً فشيئاً إلى مجرد كازينو.
وعلى الرغم من أن السيسي يغالي في التشبيب بـ(مصر، والوطنية المصرية)، ويضعها مقدَّمة على كل ما سواها بزعمه، فإن من العسير الاستدلال على ملامح مميزة لسياسة مصرية في ظله، وبالنقيض فإن القاهرة لا تحضر إلا تبعاً لـ(الرياض، وأبوظبي، وتل أبيب) على مستوى أكثر من ملف.
لا مصلحة لمصر من العدوان على اليمن، ومع ذلك فهي عضو في تحالف العدوان الأمريكي السعودي، وتشاطر أمريكا والإمارات والكيان الصهيوني احتلال الجزر اليمنية وإنشاء قواعد عسكرية (مشتركة) معهم، على غرار (جزيرة ميون).
لا مصلحة مصرية في تنمية الكراهية للمقاومة الفلسطينية في الشارع المصري، ووصمها بالإرهاب، لا سيما وقد تكَشَّف من خلال تطبيع القاهرة مع (حماس) أن كل فصيل يبتهل بـ(الدعاء لإسرائيل) تمنحه مصر السيسي غفرانها، بحيث لا يعود إرهابياً في نظرها عدا أولئك الرافضين للتطبيع والماضين في طريق المقاومة، والذين تقارب القاهرة (إرهابهم) من زاوية تهديدهم لأمن إسرائيل، لا لأمن مصر.
أما في الشأن الليبي فيمضي عبدالفتاح السيسي على خطى الإمارات المناوئة لمربع الموالاة الليبي – القطري، مع وضوح أن المسارين يتقاطعان اعتناقاً عند نقطة المسؤولية المباشرة عن تقويض الدولة الليبية، وتحويل بلد عمر المختار إلى مستعمرة فرنسية – أمريكية – إيطالية من جديد.
أكثر من ذلك، فإن الرئيس الجارسون يطل متخماً بالثقة، ومطمئناً إلى وجه الشبه المتوهم بينه وبين عبدالناصر، ليؤكد: (تيران وصنافير مش مصرية، وأنا رجعت الحق لأصحابه عشان أضمن مستقبل مصر واستقرارها..)!
غير أن لمصر مواعيدها وللصعيد بواريدها التي ستقلب طاولة (التنقيط) وسياسة (الوحدة ونص) على قبعة (الكاوبوي والعقال والغترة)، وتعيد لبلد السد العالي هامته الشاهقة وحضوره الريادي الوازن الذي خسف به الرؤساء الجارسونات إلى حضيض (البقشيش).