الجديد برس : رأي
علي المحطوري – محلل سياسي وكاتب صحفي
في كلمته بمناسبة مرور عام على تولي المجلس السياسي الأعلى إدارة شؤون البلاد خلفا للجنة الثورية العليا قطع الرئيس الصماد عهدا بأن يكون إلى جانب الشعب، واعتبره «الـحَكَم»، ووعد «بالمكاشفة»، وأظهر عزما على إصلاح ما يمكن إصلاحه «ولينزعج من ينزعج»!
الرئيس في كلمته -ونظرا لموقعه الأول على هرم السلطة- التزم جانب التورية السياسية بقوله: «لن أكون مظلة لأي تحرك مشبوه يصرف الشعب عن أولوية مواجهة العدوان»، وأردف القول بأنه والأعضاء معه في المجلس السياسي الأعلى «معنيون بإعادة النظر في كل من يقف عثرة في سبيل إصلاح الاختلالات في الدولة»، «وإعادة النظر في برنامج الحكومة وعدم السماح لأي طرف بالمزايدة على أدائها»!
هو عام من تجربة ذلك المجلس قدمت شكلا من أشكال إدارة السلطة في ظل ظروف قاهرة فرضت على أنصارالله -كقوة تمثل طليعة القوى الثورية التحررية في البلد- جانبا من الواقعية السياسية لأن يقبلوا “صادقين” بشراكة مع حزب يجيد “السَّلْبَطة” ويعشق “السلطة” باعتبارها المنشأ الذي نشأ فيها، وصعْبٌ عليه مفارقتها، بل ترْكُها بالنسبة له يمثل موتا كسمكة ليس لها أن تحيا إلا في ماء، على نقيض ما عليه أنصار الله القائم وجودهم على أساس “الكينونة الشعبية” بما تمثل “من عروة وثقى لا انفصام لها” وعنها.. باعتبارها الثابت الأبقى والأقوى في مواجهة عوائد الزمن، وتقلبات الأيام وتحولات الدهر!
صحيح…. من حق المؤتمر أن يتطلع مجددا إلى السلطة، والفرصة قد واتته حينما اتخذ -على حرج – موقف المناهضة للعدوان، والعتبُ عليه أنه ذهب –بدون حرج- خلال عام من الشراكة إلى استنهاض غرائز منتسبيه بشن حملات تشويه على –من يُفترض بهم حلفاء له في السلطة- أكثر مما دفع برجاله وماله نحو الجبهات متناقضا – على نحو فج- مع موقفه المعلن!
بصراحة، لقد كان “إدارة الظهر” عن مواجهة العدوان بشكل عملي هو السلوك الذي طبع أداء المؤتمر خلال عام، وفي الوقت ذاته شكل عائقا أمام “إدارة الدولة” بما يفضي إلى الحد من الفساد ومقارعة المفسدين!
وأنصارالله ليسوا ملائكة منزهين، إنما ولعُهم بالجبهات والقتال شغلهم أن ينظروا بذات القوة والفعالية في “شوؤن الدولة”، ما ترتب على ذلك “راحة بال” للمفسدين والمتمصلحين أن يعيثوا فسادا مطمئنين إلى مرتع بلا راعٍ!
الآن وبعد تجربة عام من الشراكة يقول الرئيس الصماد: «لا نخفي على شعبنا أن القوى السياسية لم يكن واقعها مشجعاً ومساعداً للمجلس السياسي الأعلى بالشكل المطلوب للقيام بدوره، بل حصلت أزمات ومحطات عدة كادت أن تعصف بالمجلس السياسي الأعلى وشلّت من قدرته على أداء مهامه واستغرقت وقتاً وجهداً كبيراً لتجاوزها حرصاً منا على تعزيز عوامل الصمود والحفاظ على تضحيات الشعب.»
الرئيس الصماد هنا قدم للشعب “شكوى” إنما هي في مقلب آخر تعتبر “جرس إنذار للقوى السياسية”، وقد وعد هو نفسُه أن يعززها في قادم المرحلة “بالمكاشفة” أي بمزيد من وضع النقاط على الحروف، وتسمية الأشياء بمسمياتها!
إني أنظر في كلمته بمثابة “ثورة ثالثة”، إنما هذه المرة من أعلى للأسفل تستهدف اجتثاث “غول الفساد” من مؤسسات الدولة!
والمُعوَّلُ على إنجاح تلك الثورة هو وعي الشعب إلى جانب تحلي القوى السياسية بالمسؤولية أيا كانت تبعاتها.
نعم…في تجربة الرئيس الصماد ما يشجع على انعقاد الآمال في تقديم نموذج “السياسي الغيور”، وليس “السياسي المحابي والمداهن”، ﴿ودوا لو تدهن فيدهنون﴾، وقد سبق حين كان مستشارا أن ترك الاستشارة بعد أن محضَ النصح من لا يقدر النصيحة، فأفسح المجال لمعالجة الإشكال بما يستحق الموقف!
تجربةٌ لا يجب أن تغيب عن البال تفاديا لتعكير صفوَ مناخ عام تشكل منذ عام، ولينهض الكل “بعبء الجبهات” و “إدارة الدولة” على نحو من الصدق والمسؤولية، بعيدا عن “المكايدة السياسية”، “والنفعية الضيقة”!
بمعنى آخر، ماذا لو التفت الأنصار إلى الدولة بمثل ما هم عليه من فعالية في الجبهات، وماذا لو أن المؤتمر يتخفف -إن لم يتخلص- من “شبق السلطة” التي أدمن عليها 33 عاما، ويعطي أهميةً لتفعيل الجبهات، ويولي أهمية قصوى لشيء اسمه “الكرامة والسيادة”، فإنهما مطمح ومطمع الشعب اليمني في معركته التحررية التي يلوح له فيها أنه قاب قوسين أو أدنى أن يقطف ثمرة نضال قرون -وليس بضعة عقود أو سنوات معدودة -في مواجهة قوى استعمارية لا تذهب إحداها حتى ترثها الأخرى، ويتنقل اليمن من وصاية تركية إلى بريطانية إلى أمريكية!
وهذه مرحلة أن تقوم لليمن فيها قائمة، أو هي الخسارة إلى يوم القيامة!
ولهذا فالكل مدعو لأن يرتقي إلى مستوى التحدي، وانتهاز الفرصة لتقوية مداميك الدولة بتعزيز القوة القتالية للتصدي للعدوان، وليس الحزبية والفئوية والمناطقية!
ما هو معلوم بداهةً أن أي بلد ليس ملكا لجهةٍ ما حتى يكون عليها وحدها تحمل عبء الدفاع ورفد الجبهات!
البلد للجميع، واليمن لجميع شعبه، والكل مدعو لتعزيز القوة الوطنية لمواجهة عدوان يستهدف محو اليمن من خارطة المنطقة والعالم، ولو تسنى لقوى العدوان أن ترمي اليمن إلى “قعر البحر” لما شنت “الحرب” !
كما أن من يتخذ من الحرب “فُرْجَةً” حتى يهلك فيها خيرةُ الرجال معتقدا أنه بذلك ستخلو له الساحة يوما..فهو واهم، وعليه أن يضع في حسبانه أن “بقيةَ السيف أبقى عددا وأنمى ولدا”!
أمامكم الجيش واللجان الشعبية لا تخذلوهم، فلولا أولئك الأبطال وقفوا في وجه العدوان لما نُفِخت الروح في من صار رميما، ولما كان مجلس سياسي أعلى ولا هم يحزنون..
يا قوما تكسرت نصالهم في حروب ست، اذهبوا إلى رفد الجبهات جميعا بقوة تَصْفُ لكم “دولة” بكرامة وسيادة، وكفى “إدارةً للظهر”!
وإلى الرئيس الصماد أقول:
أيها الرئيس الغيور…إن الشعب معك، وإلى جانبك وهو يرقب ثورتك على الفساد!
والحياء من الإيمان، لكنه ليس من السياسة، “وعصر الذئاب” يتطلب اقتحاما بكل جسارة!