الجديد برس : رأي
فيصل ابوراس
لم تعد غاية العدوان خافية على أحد، فنظرة متجردة لواقع ما يحصل كفيلة بإجلاء المشهد وإيضاح حجم الاستهداف الممنهج، ويظهر بوضوح كمية ما حاكه ويحيكه الجوار الجائر منذ نشأته لهذا البلد المسلم الجار والمسالم، من دسائس ومؤامرات على مر العقود. وعلى قدر ما يضمره من مكر ويحمله من حقد، جاء عدوانه السافر، الذي لا سابق له في التاريخ، في وحشيته واستهدافه لشعب بأكمله، استهدف البشر والحجر، ولو أمكنه أن يعيده إلى ما قبل التاريخ لن بتأخر. وهذا جلي أمام كل عين ترى، وكل أذن تسمع، وقلب يخشع، وضمير يتحرك.
إن حجم التحديات التي تواجه اليمن يستوجب إعلان النفير واستنهاض الشعب لتحصين الجبهة الداخلية، حفاظاً على مصير الوطن، ودفاعاً عن الكرامة، وإبقائه متماسكاً وقوياً متحداً في مواجهة هذا العدوان السافر والغاشم، وغير المسبوق، وبالتالي قهره ودحره.
ما يشكله هذا العدوان من خطر داهم وتهديد ماحق، لا يقل خطورة عن مستوى التهديد الذي قد يشكله التشرذم وحالة عدم التماسك الداخلي، إذا ما استحكم، بل إن وقعه أشد وأخطر على الوطن والمجتمع، سواء في مواجهته للعدوان أو عند التعامل مع آثاره اللاحقة، من حيث الحد من القدرة على معالجة نتائجه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
بكل المقاييس إن أمرّ الهزائم التي يمكن أن تلحق بشعب، وأشدها كلفة عليه، هي تلك التي تنجم عن الصراع الداخلي بين مكونات الوطن الواحد، حيث غالباً ما تنشأ نتيجة لخلاف وتصارع بين من ينشدون وحدة الصف وتماسك اللحمة الوطنية في كل الظروف، ومن يشدهم الانقسام حتى في أحلك الظروف. ومن شأن هذا الانقسام – إذا ما استحكم – أن يهدد مستقبل الوحدة الوطنية، ويضعف من قوة تماسك الجبهة الداخلية، ليس في زمن العدوان فحسب، بل وبعد أن يتم دحر العدوان، ويتنفس الوطن الصعداء.
ما لم يتم رأب الصدع الحاصل، ستقود حالة الانقسام هذه التي ترافق زمن العدوان، إلى جولات من الصراعات الداخلية، تستمر ولا تتوقف، فتهوي بالوطن إلى مسارات تهدد وحدته وتضعف من تماسك مؤسساته، وبالتالي عدم الحفاظ على لحمة النسيج الاجتماعي. وستتهدده مشاريع الدويلات الطائفية، بمقاس أربابها المحليين، وأهواء من شنوا العدوان لأجل ترسيمها. جميعها مشاريع تثير الريبة، تحاكي في تفاصيلها ومضمونها مرحلة (ملوك الطوائف). دويلات تتناثر جنوباً وشمالاً، هي حقيقة ما يسعى له ويعمل من أجله حكام الرياض وأبوظبي.
أعود وأكرر، ولا أقول أحذر، إن من شأن الانقسام الداخلي أن يهدد تماسك الجبهة الوطنية في مواجهة العدوان وإلحاق الهزيمة به، وسيكون له آثار مزلزلة تهدد سلامة الوطن ومستقبله، ويترك ـ كما أشرت ـ الباب مشرعاً أمام احتمالات استمرار دوامة صراعات عبثية تدور ولا تتوقف.
إن الجميع يواجهون مصيراً وجودياً واحداً، ليس من العقل أن يكون التشرذم خياراً والانقسام متاحاً، مهما ادعى هذا الفريق أو ذاك أنه على حق. آن الوقت الذي يوجب على كل فريق أن يترك مطالبه الضيقة جانباً، وأن يطرح مآخذه ورؤيته الحقيقية بكل صدق، والوقوف صفاً واحداً في الدفاع عن الكرامة والوجود والمصير. ألا يكفي أن نستوعب مما حصل ويحصل أمام أعيننا، لمعرفة أن الجميع مستهدف، ما لم يتم تدارك الأمر، وهذه مسؤولية الجميع بلا استثناء. وعندما ننجو من دائرة الاستهداف يمكننا حينها التفاهم بلغة العقل (الذي ميز الله به الإنسان عن باقي مخلوقاته). لا بد من إعادة الدولة ومؤسساتها والتوجه نحو إفشاء العدل والمساواة والمحبة وروح التسامح..
لن يتحقق الانتصار على العدوان ما لم يتم الترفع عن الصغائر، وتجاوز العصبيات الضيقة بالمعالجات السلمية والحوار حول جميع القضايا والمشكلات التي تواجه اليمنيين، وما أكثرها…
إن دحر العدوان ومواجهة التحديات ودرء المخاطر التي تتهدد الوطن لن يكون إلا من خلال التحام يصل إلى حد الانصهار… وهذا يتطلب إعلان مبادئ وميثاق شرف وطني، والتوافق حول رؤية موحدة ترسخ الثقة، وبذل الغالي والنفيس من أجل الوطن الذي ينشده الجميع، على أساس المواطنة المتساوية.