الجديد برس : رأي
صلاح الدكاك
يدرك العالم المنافق أن زمام تعويل اليمنيين على نجدة مفاهيمه وفلسفاته الحقوقية ومُثُله الإنسانية المزعومة؛ يفلت كلياً من قبضة منظماته وهيئاته الأممية، وللحيلولة دون أن يجترح الشارع اليمني الشريف أفقاً عصامياً للخلاص، يعاود العالم المنافق طرح المشاريع والمقترحات الدولية المتعاطفة مع الضحايا والمغرِّرة بهم، بغية تكبيل رقابهم بحبال التعويل مجدداً، لا استنقاذاً لهم من أشداق الجلادين!
للعالم (الحر) إله اسمه السوق، ولهذا الإله الوضيع رسول زنيم اسمه الولايات المتحدة، ومصحف أحابيل اسمه الليبرالية والنيوليبرالية والشرعة الدولية ومنظومة حقوق الإنسان، وكعبة يحج إليها المرابون والدراكيولات والمسوخ اسمها البورصة..
عالم لا تنفك حلقاته آخذة بأطراف بعضها البعض في سلسلة كونية مديدة تهرس رقاب 6 ملايين بشري، في مشهد يبدو خلاله كوكب الأرض بما هو موصول بالسلسلة الرهيبة، أشبه بكرة حديدية بالغة الضخامة تهوي بالبشرية الأسيرة في سديم رقٍّ وهوان بلا نهاية.
ذلك هو – على وجه الدقة – المعنى العميق الموارب خلف مصطلح (القرية الكونية الصغيرة) و(المواطن الكوني) و(الأسرة الدولية الواحدة)، حيث يتحتم على المقهورين المنتمين إليه كرهاً أن يتسولوا العدالة من رأس الأخطبوط في مواجهة جور أذرعته وجبروتهم.. أن يستظلوا بعبودية (الفصل السابع) فراراً من قيظ الاستبداد المحلي.. أن يتمسحوا بحذاء الأصيل الأمريكي اتقاءً لسياط الوكيل السعودي والإماراتي والصهيوني، وأن يتمرهموا ببصاق المدير التنفيذي استشفاءً من أبوال أدواته التنفيذية، ويلوذوا برحمة رب المسلخ طلباً للنجاة من وحشية سواطيره!
على أن الشعب اليمني اليوم لم يعد رأساً ناكصاً في القطيع الكوني، ويأبى أن يصبح رقماً ضمن قائمة أرقام الضحايا المنسيين الذين انقرضوا قبل أن تسعفهم نجدة العالم الحر.
بفوهة بندقيته الثائرة الشريفة المذخرة بالكبرياء والإيمان، يبقر شعبنا اليمني كروش جلاديه المتخمين، لا بـ(لجان تحقيق دولية) في مجازر عدوانٍ كوني يباهي الجلادون بارتكابها عوضاً عن أن يتحرجوا، ويمدهم (العالم الحر) بالسواطير عوضاً عن أن يؤنبهم، وتخصف المنظمات الحقوقية والإنسانية سوآتهم بورق المواثيق والمعاهدات والقوانين الدولية، عوضاً عن أن تضمد جراح الضحايا!
اشترى (شيوخ الروث والبترول) حليب (البقرة الهولندية)، فصعَّرت عنقها المربرب المليس لـ(أطفال اليمن)، وألقمت نياق طويل العمر أثداءها المكتنزة..
كما ينثر عجوز خليجي رُزَم الدولارات على رؤوس وتحت أقدام وفي دلتا نهود مومسات المواخير، فيتقاطر كل معروض اللحوم البيضاء والشقراء والسوداء إلى مخدعه، تتقاطر بلدان (العالم الحر) اليوم إلى مخادع بني سعود ونهيان، وينحني (برج باريس) ليلعق مؤخرة المليك الابن، ويتمدد (تمثال الحرية) مشرعاً فخذيه على فراش المليك الأب المأبون، وتدير أوروبا الليبرالية ظهرها لـ(أرمسترونغ وجاجارين) لتصفق لـ(أول امرأة سعودية تقود سيارة) فاغرة فاه الدهشة والانبهار لجسامة الحدث وبذخ المكرمة الملكية!
فتح (العالم الحر) عيونه على (مأساة بثينة) من قبيل الموديلز والصرعة، ولدى اختطافها الفاضح ووقوعها فريسة لقاتل عائلتها وشعبها، أطبق أجفانه دفعة واحدة، وفتح محافظ نقوده لأموال القاتل..
إن العالم الذي كان يخشى على أطفالنا لسعة بعوض، فيغدق عليهم بملايين الناموسيات، هو ذاته الذي يذخِّر طيران العدوان بملايين القنابل العنقودية والفسفورية والفراغية والنيوترونية، منذ 3 أعوام، ليحند أطفالنا في حفلة شواء هي الأطول والأبشع والأكثر فضائحية بين كل حفلات آكلي لحوم البشر على مر التاريخ.
لن تقع رقاب اليمنيين في أسر حبائل التعويل كما يريد العالم المنافق لها، والذين صوبوا أبصارهم وحبسوا أنفاسهم بانتظار ما سترشح عنه جلسات مجلس الأمن والجمعية العامة وحقوق الإنسان، باتوا يصوبون الأنظار صوب جلسات الذكر والأهبة والتخطيط للهجوم في خنادق رجال الرجال، ويحبسون الأنفاس بانتظار دوي ضربة باليستية تنسف إمارات الزجاج في يم الخليج نسفاً فتذرها قاعاً صفصفاً.
ذلك تعويل شعبنا اليوم، والله غالب على أمره، والآخذ بناصية المجاهدين في سبيله إلى نصر منه وفتح قريب.