المقالات

غياب المجتمع الدولي عن المشهد اليمني

الجديد برس : رأي

مروة الدعبول – كاتبة سورية 

يحدث أن تمر حادثة صغيرة في بلد ما, وفجأة تقوم الدنيا ولا تقعد, وتنهمر تحليلات وإدانات واحتجاجات شعبية ووقفات تضامنية أو حتى انعقاد جلسات دولية لمناقشة الأمر..
أما في اليمن التي تعيش حرباً حقيقية منذ قرابة 3 سنوات, تشنها عليها قوى ظلامية متمثلة بالسعودية وحلفائها، مدعومة ومغطاة من رأس الشر الأكبر, الولايات المتحدة الأمريكية، لا نجد شيئاً من هذا القبيل، اللهم إلا بعض المواقف والإدانات الخجولة من هنا وهناك؛ فلِمَ يحضر المجتمع الدولي بقوة في بعض القضايا، ويغيب عنها تماماً في اليمن؟!
في اليمن وفيات ومرضى وشهداء وكوليرا تضرب ومجاعات تفتك وغيابات بالجملة لأبسط أشكال وأساسيات الحياة، سببها الفوضى التي تشهدها البلاد بعد العدوان الذي تشنه قوى ظلامية مستعربة ضدها.. فلِمَ كل هذا التجاهل الدولي؟!
قد لا نجد جواباً شافياً حتماً قبل تحليل المشهد كاملاً.. فما الذي حلّ بالبلد؟!
لقد سئم اليمنيون حالة التبعية والظلم والاضطهاد، فأعلنوا الثورة على هذه الحالة في أعقاب ثورتي مصر وتونس عام 2011؛ ولكن كالعادة صادر الانتهازيون هذه الثورة، وتربصوا بها إلى أن حرفوها عن مسارها الصحيح، فما كان من حركة أنصار الله الشعبية إلا أن تنتفض لتصحيح مسارها وإعادة هذه الثورة التي خطفها الإخوان المسلمون والخليج، إلى الرحم الذي خرجت منه.. حركة (أنصار الله)هذه الحركة الوطنية التي أثبتت أنها حركة يمانية الرؤية والممارسة، تنبذ المذهبية، تؤمن بيمن قوي مزدهر لا يعرف التبعية.
هذا ما لم يرق للسعودية التي جن جنونها, فشنت حرباً غير مسبوقة في تاريخها الأسود، ورغم أن إسرائيل موجودة في المنطقة منذ أكثر من 60 عاماً تدنس مقدسات المسلمين يومياً, فلم تحرك السعودية ساكناً، ولم ترمها حتى بحجر، وهي التي تدعي -أي السعودية – أنها حاملة لواء الإسلام والمسلمين.
أعلنت السعودية بداية عاصفة الحزم زوراً وبهتاناً، ساعية إلى تدمير بلدٍ عظيم ضارب في جذور التاريخ، ولقتل شعبه الذي تمتد جذوره الحضارية لأكثر من 4 آلاف عام, مدعية أنه يهدد أمنها…
لقد أثبتت السعودية عبر تاريخها السوداوي أنها لا تملك أن تبقى بجوار شعب حر يأبى الخضوع، ولا يمكنها التعايش مع من تتعارض مصالحه مع مصالحها، وهذا ما نراه من حال الدول الخليجية المجاورة، والتي تكن الولاء لنظام بني سعود.
استغل بنو سعود غياب الدول العربية الكبيرة المؤثرة في القرار العربي, وانتهازية أصحاب القرار في بعض الدول الأخرى.
فسوريا والعراق منشغلتان بالحرب الدائرة على أرضهما، والأردن وبعض دول الخليج كما نعرف, قرارهم يخرج من القصر الملكي السعودي، ودول المغرب بعيدة كل البعد عن المشهد.. أما مصر فيبدو أن قياداتها فضلت دنياها على آخرتها، واختارت المشاركة بهذه العدوان الظالم…
إذن، هنا قد نقول لابد من اللجوء إلى المجتمع الدولي عله ينصف هذا الشعب المظلوم.. ولكننا إلى حد الآن لم نرَ أي تدخل يستحق الذكر، أو إنصافاً بحق شعب بائس يسقط شبابه وأطفاله يومياً ضحايا للسادية السعودية ومن خلفها..
قد نرى بيانات وتصريحات خجولة من بعض المنظمات الدولية والإنسانية، ولكن اتخاذ موقف جدي حيال الأمر يبدو للآن صعب المنال؛ إذ كيف سنرى موقفاً حقيقياً يوقف السعودية عند حدها إذا كان المجتمع الدولي ذاته مازال يقبع تحت الهيمنة الامريكية التي تسعى جاهدة إلى زعزعة استقرار الأوضاع الداخلية في بلدان العالم، حيث إنها الفرصة الوحيدة لها في الحفاظ على تفوقها، وهذا ما شهدناه إزاء موقفها في سوريا والعراق..
فالحرب في اليمن هي حرب السعودية وبما أن السعودية كانت ومازالت أداة وخاتماً بيد أميركا، وطالما كان اليمن يرفض هيمنة السعودية وسطوتها, فمن الطبيعي أن تحافظ الولايات المتحدة على سلامة أداتها ويدها اليمنى في تدمير دول المنطقة.. وهذا يفسر لنا سبب التعتيم الكامل على قضية اليمن، وخجل المجتمع الدولي من إدانة العدوان السعودي ولو بكلمة.
لذلك يكون التعويل الآن على الشعب اليمني، فهو الأقدر على رد هذا العدوان بكافة أشكاله؛ هو وحده القادر على الصمود في وجه السعودية، وعلى انتشال نفسه من ظلمها، فلطالما كانت الحرية لا تعطى ولا توهب، بل تنتزع انتزاعاً.
فالصمود الآن والوحدة بين الفرقاء اليمنيين هو الذي سيوقف هذه النار المستعرة؛ وسيضع السعودية و(حربها الخاسرة) بلا شك على حافة الهاوية؛ ولو أننا بدأنا نلمس آثار هذا الصمود مؤخراً، فزيارة سلمان إلى موسكو وما تلاها من تصريحات لوزير خارجيته عادل الجبير بشأن الحل السياسي في اليمن، ليس إلا محاولة من السعودية لانتشال نفسها بأقل الخسائر من المستنقع اليمني الذي زجت نفسها به، معتقدة بقدرتها على إخضاع الشعب اليمني تحت جناحها، متناسية أن هذا الشعب شعب حي وحر عبر التاريخ، لا يعرف معنى للخضوع.
وهذه البداية في انعطاف الموقف السعودي يعود الفضل فيه إلى صمود الشعب اليمني وحده، هذا الشعب الذي أصبح بإمكانه أن يعطي العالم دروساً في (الصمود)، تشهد عليه حضارته الضاربة في عمق التاريخ، فمن صمد آلاف السنوات، وبنى حضارات، لن تدمرهُ ريحٌ همجية بدوية لا تعرف إلا الخيمة والناقة وسباق الإبل، والشجرة التي صدت بجذعها المتين أعتى الرياح، لن تقتلعها عاصفة من هذا القبيل حتى لو انحنت قليلاً.
هذه هي اليمن بلاد سبأ وبلقيس، لن تهزمها جماعة اعترفت بحق المرأة بالقيادة قبل يومين.
أما المجتمع الدولي فيبقى وهماً وكذبة كبيرة لا يمكن لأي بلد يعشق الحرية أن يعول عليه في الوقت الحاضر، ولا حتى في المستقبل القريب.