تبخر سريعا انقلاب الثلاثة أيام الذي قاده الرئيس السابق علي عبد الله صالح، رئيس حزب المؤتمر الشعبي العام، على الاتفاق السياسي الذي وقعه مع حركة أنصار الله، ونتج عنه مجلس رئاسي وحكومة إنقاذ، وبمقتل صالح، انتهت المواجهات التي شهدتها صنعاء ثلاثة أيام متواصلة، غير أن الحدث الذي خلف هدوءا محليا ترك تداعيات إقليمية ودولية، وأنتج مواقف جديدة وخطابا مختلفا يستثمر مقتل صالح ويستدر عواطف أنصاره لصناعة هوة عداء داخل جبهة الداخل اليمنية.
هدوء محلي.. وغارات انتقامية
كان وقع إعلان مقتل زعيم حزب المؤتمر الشعبي العام، الرئيس السابق علي عبد الله صالح، عبر بيان الداخلية اليمنية، قويا في الأوساط السياسية والإعلامية إقليميا ودوليا، بخلاف الداخل اليمني الذي رأى في الحدث حسما سريعا للمواجهات، واعتبره إنقاذا لليمن من حرب أهلية كانت ستسقط صنعاء والمحافظات الواقعة تحت سيطرتها في جحيم لا ينتهي، لاسيما أنها كانت ستفتح ثغرة للعدوان ليفكك الجبهة الداخلية التي تعيق اختراق الجبهة الميدانية.
وبالقدر الذي تعاطي الخطاب الإعلامي والرسمي الخليجي مع مقتل صالح بانفعالية عالية، تعامل أنصار الله مع الحدث بهدوء عبر المواقف الرسمية التي يمثلها المجلس السياسي الأعلى والحكومة، إضافة إلى خطاب هادئ ألقاه زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، عشية الحدث، ركز فيه على خلفيات الانقلاب والمخطط الذي يقف وراءه العدوان السعودي، مبديا استياءه من وصول الأمور مع الرئيس السابق إلى هذا المآل.
الحوثي الذي وصف مقتل صالح بأنه وأد للفتنة، أكد أن تحالف العدوان خسر آخر أوراقه، مستعرضا دلائل على أن زعيم المؤتمر حرك ميليشياته بناء على تنسيق مسبق مع دول التحالف، ولفت إلى أنه لا مشكلة لأنصار الله مع المؤتمر الشعبي العام وجمهوره الذي قال إنه شريك في مواجهة العدوان وإدارة الدولة.
من جهته، أصدر رئيس المجلس السياسي بصنعاء، صالح الصماد، بيانا تطمينياً وجهه للشعب اليمني عام ولقيادات وأعضاء حزب المؤتمر الشعبي العام بشكل خاص، أوضح خلاله حيثيات مقتل رئيس المؤتمر وعدد من القيادات المقربة منه وانتهاء المواجهات التي بدأت السبت الماضي في العاصمة صنعاء وامتدت إلى بعض المحافظات.
وبنفس القدر الذي حذر من أي محاولات لإقلاق الأمن أو الانتقام من أي طرف، وجه الصماد بإعداد الإجراءات اللازمة للعفو العام عن المغرر بهم في الأحداث الأخيرة، مبديا الشكر لقيادات المؤتمر التي رفضت الانجرار وراء الفتنة، مؤكدا الاستمرار مع الحزب في العملية السياسية وإثرائها لما فيه مصلحة البلد وتعزيز الصمود لمواجهة العدوان الغاشم وكافة التحديات، حسب البيان.
البيان الذي وجه الشكر للقوات الأمنية والقبائل وحكماء اليمن على “ما بذل من جهود خلال الساعات الماضية لاحتواء موقف الغدر والخيانة ومحاولة المتاجرة بتضحيات اليمن وشعبه ومستقبله”، أكد للعالم وللشعب والبعثات الدبلوماسية والمنظمات انتهاء العملية الأمنية الخاطفة وعودة السلم والأمن إلى العاصمة.
وفي رد فعل وصف بالانتقامي المنفعل، شن طيران تحالف العدوان الذي تقوده السعودية والإمارات أكثر من سبع غارات استهدفت القصر الجمهوري وسط العاصمة صنعاء، وبحسب مراقبين، فإن القصر التاريخي الذي لم يتعرض له العدوان منذ بدايته عام 2015، أصيب بغارات عنيفة عشية مقتل صالح، ما يفهم منه أن التحالف فقد الأمل في إعادة الشرعية الموالية له إلى السلطة في صنعاء بعد خسارة آخر أوراقه.
وبينما لا يزال الجدل دائرا بخصوص دفن جثة صالح ومصير بعض أفراد أسرته الذين اعتقلوا، شن طيران التحالف في الليلة التالية، أكثر من خمس غارات على منزل زعيم المؤتمر علي عبد الله صالح، الذي قتل أثناء محاولة الهرب إلى مأرب صباح الاثنين الماضي، وقالت مصادر محلية بصنعاء إن الغارات التي هزت العاصمة ليلة الثلاثاء، دكت منزل صالح، معتبرة الهدف من ذلك القصف، الحيلولة دون استفادة أنصار الله من المخزون العسكري والمالي الذي بداخله.
دعوات أممية لوقف العنف
على وقع الحدث، تتالت المواقف الدولية والإقليمية الداعية إلى وضع حد للتصعيد والعنف في اليمن، وبين موقف أدان مقتل صالح وآخر اكتفى ببيان نعي، عقد مجلس الأمن جلسة سرية عاجلة لمناقشة المستجدات في اليمن على خلفية مقتل رئيس حزب المؤتمر الشعبي العام وفشل انقلابه.
وفيما كانت الأنظار تترقب ما ستخرج به الجلسة، خيب بيانها الذي نشرته إذاعة الأمم المتحدة مساء أمس الأربعاء التوقعات خاصة فيما يخص جزئية مقتل الرئيس السابق علي عبد الله صالح، مكتفيا بالدعوة إلى نزع فتيل التوتر وإعادة العملية السياسية.
وقال البيان الصحفي الذي قرأه رئيس المجلس، السفير الياباني كورو بيشو، بعد مشاورات مغلقة حول اليمن “أعرب أعضاء مجلس الأمن الدولي عن القلق البالغ إزاء التصعيد الحاد للعنف في اليمن، وجددوا دعمهم للمبعوث الخاص للأمم المتحدة إسماعيل ولد الشيخ أحمد”، كما جدد الأعضاء دعوة جميع الأطراف إلى نزع فتيل التوتر وإعادة الالتزام والانخراط بدون شروط في العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة من أجل التوصل إلى اتفاق دائم لوقف إطلاق النار.
وفي حين اكتفى أعضاء مجلس الأمن بمجرد “الإعراب عن قلقهم البالغ بشأن الوضع الإنساني الصعب والمتدهور في اليمن”، أدانوا بشدة إطلاق القذائف على السعودية، وشددوا على أهمية الالتزام بحظر الأسلحة المفروض بموجب قرار المجلس رقم 2216، الموقف الذي اعتبره مصدر سياسي يمني غير متوازن ومنحاز إلى المملكة التي يتجاهل تماما مجازرها شبه اليومية بحق المدنيين.
كما أشار البيان إلى أن المجلس كان أصدر القرار 2216 في عام 2015 لفرض عقوبات على الأفراد الذين يقوضون الاستقرار في اليمن، وهي إشارة خيبت توقعات كانت تنتظر رفع العقوبات على صالح ونجله بعد حادثة مقتله.
وكانت الجلسة شهدت إحاطة أدلى بها المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ، أشار خلالها إلى أن التطورات الأخيرة كانت خطيرة والتي انتهت بمقتل صالح، وعبر عن تأييده لدعوة منسق الشؤون الإنسانية إلى وقفة إنسانية لمكافحة القتال من أجل السماح للمدنيين بإعادة تخزين الغذاء والماء والدواء، مشددا على الحاجة إلى تسوية عن طريق التفاوض.
اللافت أن إحاطة المبعوث الأممي إلى اليمن هذه المرة، أكدت أنه “لا يوجد حل عسكري للصراع في اليمن وأن عملية السلام الشاملة, بما فيها جميع الأطراف في اليمن, يمكن أن تحقق حلا سلميا ومجديا ومستداما لشعب اليمن”.
ودعا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، الأحد الماضي، التحالف السعودي وأطراف الصراع إلى وقف الحرب في اليمن وإنهاء الحصار بشكل فوري والسماح بدخول جميع الواردات، وبحسب “رويترز”، فإن غوتيريس دعا الأطراف المتحاربة في اليمن على وقف جميع الهجمات البرية والجوية، ودعا إلى استئناف جميع الواردات التجارية إلى البلاد.
من جهته، قال المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ، إن الحاجة للحل السياسي ملحة أكثر من أي وقت مضى، جاء ذلك عقب إعلان خبر مقتل رئيس المؤتمر علي عبد الله صالح إثر فشل انقلابه على الاتفاق مع أنصار الله وإعلانه تأييد التحالف.
الخليج: الحل الوحيد في اليمن «سياسي»
على المستوى الإقليمي، تغيرت لغة الخطاب الإعلامي تجاه علي عبد الله صالح بعد مقتله مباشرة، وأفادت مصادر مطلعة أن توجيهات ملكية سعودية وأخرى إماراتية صدرت بإيقاف نعت صالح بالرئيس المخلوع واستبدالها بالرئيس السابق بالتزامن مع الاشتباكات، غير أن توجيهات أخرى صدرت بنعته بالرئيس الشهيد ومنحه الألقاب القومية والوطنية، وهو ما التزم به خطاب خصوم صالح (هادي والإصلاح وحلفائهم) الذين أصدروا بيانات نعي وصفته بالزعيم الخالد.
على مقربة من ذلك، دعت دول مجلس التعاون الخليجي أول أمس، جماعة أنصار الله للعودة إلى المفاوضات للوصول إلى الحل السياسي للأزمة اليمنية، وخلال القمة الخليجية التي استضافته الكويت في الدورة الـ38 للمجلس الأعلى الخليجي، أكد أمير الكويت أن الحل في اليمن سياسي.
وبعد إشادة مقتضبة بدور التحالف، أضاف أمير الكويت “نؤكد هنا أن الحل الوحيد لهذه الأزمة سياسي وندعو في هذا الصدد جماعة الحوثي إلى الامتثال لنداء المجتمع الدولي في الوصول إلى حل سياسي لهذه الأزمة بالحوار الجاد وفق المرجعيات الثلاثة – المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية – قرارات مجلس الأمن ولاسيما القرار 2216 ومخرجات الحوار الوطني”.
وفي سياق تبدل مواقف دول تحالف العدوان تجاه صالح، أعلن ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان أمس الأربعاء، أنه قدم التعازي لنجل علي عبد الله صالح في مقرّ إقامته في الإمارات، بعد يومين على مقتل والده في صنعاء، ونشر محمد بن زايد على حسابه على موقع “تويتر” صورة تجمعه بأحمد علي عبدالله صالح خلال زيارته مقر إقامته في أبوظبي.
فيما ظهرت تساؤلات على سطح المشهد السياسي المحلي والإقليمي حول نية تحالف العدوان الذي تتزعمه السعودية والإمارات بخصوص استثمار نجل صالح وأقاربه في الخارج لحشد مؤيدين في الداخل للقتال إلى جانب خصومهم المتمثلين في هادي وحزب الإصلاح.