الجديد برس
عَبَر الشعب اليمني بجميع أطيافه وطوائفه وطبقاته ومذاهبه يوم الثلاثاء الموافق 19/12/2017م ألف يوم من معاناته الإنسانية المؤلمة. عبرها من خلال شلالات من دماء الشهداء والجرحى، وأمضاها على جسرٍ من آهات الأمهات اللاتي حَزِنَّ لاستشهاد فلذات أكبادهنَّ وَهُم أغلى ما يملكن في هذه الحياة الفانية، البنون، ومن لم يمت منهم بصواريخ آل سعود وآل نهيان، مات جوعاً أو عطشاً بسبب الحصار، أو بسبب المرض لنقصٍ في الدواء والرعاية.
الأرقام التي بين أيدينا (وقد نُشرت في العديد من وسائل الإعلام اليمنية والإقليمية والعالمية) مُخيفةٌ جداً بشأن أعداد الشهداء والجرحى، والأرقام الأخرى من الضحايا الذين نحسبهم شهداء يموتون جرَّاء الأمراض المزمنة الذين تتجاوز أعدادهم الـ 260000 إنسان من مختلف الأعمار، وفق الأرقام المقدمة من الجهات ذات العلاقة في وزارة الصحة وحقوق الانسان؛ إضافةً إلى أن دول العدوان السعودي الإماراتي دمرت ما يقارب:
415 منشأة بين تدمير كلّي وصلت نسبتها 55% من المنشآت الصحية (من مستشفيات، مراكز صحية، ومستوصفات، مجمعات صحية)،
والـ 45 % المتبقية من المنشآت أصبحت شبه مشلولة بسبب نقص الوقود ونقص الأدوية وعدم استلام الأطباء رواتبهم لأكثر من عام، وبسبب تدمير الطرقات والجسور بين المدن والقرى مما تسبب في إعاقة مباشرة لحركة الأطباء والمصابين.
هكذا هي حالة الوضع الصحي في اليمن الذي نتج عنه الاجتياح السريع لجائحة الكوليرا التي تضرَّر منها قرابة 1,000,000 مواطن (مليون مواطن) من مختلف الأعمار، وتوفي من المصابين بهذا الداء أكثر من 2230 مواطن، معظمهم من الأطفال، ونكرر بسبب الوضع الخطير الذي وصلت إليه خدماتنا الصحية، هاجت علينا أمراض عديدة أخرى منها ظهور وباء الدفتيريا الذي أصيبت حتى الآن 15 محافظة أي أكثر من نصف الجمهورية والتي سجلت منها وزارة الصحة ومنظمات الصحة العالمية وأطباء بلا حدود واليونيسيف رسمياً ما يصل إلى 300 حالة، مات منها 34 حالة بسبب عدم وجود اللقاح المخصص لهذا الداء، علماً بأن آخر ظهور لهذا الوباء كان قبل 35 عاما.
الطفولة البريئة أحد أهم محتويات بنك المعلومات العسكرية لدول العدوان:
نعرف مسبقاً بأن الحروب في العالم أجمع لا تفرق بين أحد من ضحاياها، لكن الرأي العام العالمي ودوله المُتحضرة (العالم الحر) قد واصلت غض الطرف لـ 1000 يوم (ألفٍ من الأيام العجاف)، عن رؤية جرائم الحرب التي ارتُكبت، وظلوا يرددون باستحياء كلماتٍ خجولةً بائسة فقيرة عن معاناة أطفال اليمن والشعب اليمني بأسره. ولذلك تمادت دول العدوان في ارتكاب سيل الجرائم الكبيرة بحق اليمن وشعبه الكريم، تلك الجرائم التي كشفتها التقارير الموثقة من وزارة الصحة والسكان والمنظمات الإنسانية المحلية والدولية، وتلك الأرقام المرعبة بشأن ما تعرض له أطفال اليمن تحديداً قد أزاحت الستار عن زيف قناع الحضارة والإنسانية وحقوق الانسان التي تم ترديدها والترويج لها منذ الحرب العالمية الثانية وظهرت في أدبيات مجتمعات دول الغرب الرأسمالي.
كارثة أطفال اليمن بالأرقام:
أولاً:
بدأ برنامج التحصين الطبي للأطفال في اليمن قبل 40 عاماً، وجاء العدوان ببربريته الوحشية ليعيد مستوى الناتج إلى قرابة الصفر، وبسبب ما تعرض له القطاع الصحي من تدمير وحصار.
ثانياً:
تم منع وصول اللقاحات إلى اليمن من خلال إغلاق مطار صنعاء الدولي، والحصار الجزئي لمينائي الصليف والحديدة، علماً بأن هذين المنفذين فقط يخدمان 85% من سكان الجمهورية اليمنية.
ثالثاً:
تعرضت مستشفيات الأطفال والحضانات للأطفال الخُدَّج للإغلاق الكامل والجزئي بسبب القصف المباشر ونقص الوقود وعدم استلام الأطباء رواتبهم لعام كامل ونيف.
رابعاً:
نصف مليون طفل يعانون من نقص في التغذية.
خامساً:
مليون طفل يمني يعانون شكلاً من أشكال سوء التغذية.
سادساً:
ظهور أمراض في الأجنة مع تشوهات خلقية في مُعظم محافظات الجمهورية بسبب القصف الجوي بأسلحة محرمةٍ دوليا.
سابعاً:
كل 10 دقائق يموت طفل يمني بسبب أمراض يمكن تفاديها، لكن بسبب الحصار والعدوان يموت جزءٌ من فلذات شعبٍ كريم.
هذه البيانات والمعلومات هي شهادة دامغة على تواطؤ وصمت الرأي العام العالمي، ووصمة عارٍ تاريخيةٌ في وجه كل العرب والمسلمين الذي صمتوا وأشاحوا وجوههم بعيداً عن رؤية الجريمة بحق أطفال اليمن، فاللعنة لمن غض الطرف كي لا يؤنبه ضميره الغائب النائم، ولعنة أبدية لكل المرتزقة من اليمانيين الذين وطنوا ذواتهم لخدمة دول العدوان السعودي الإماراتي على اليمن العظيم، مِن الذين باعوا بسعرٍ بخس واستلموا ثمناً رخيصاً لدموع وآهات الأمهات ودماء وأشلاء وارواحِ أطفال اليمن، مهما تستَّروا بأغطيةٍ مهترئةٍ، وبعباراتٍ ممزقةِ المعنى، وبحججٍ سياسية واهيةٍ لا قيمة لها أمام كل هذه الضحايا التي خطُّوا بها عنواناً لعمالتهم وارتزاقهم وخيانتهم لليمن العظيم.
أقف هنا، مُكتفياً بعرض الصورة الإنسانية المشروحة المفزعة فحسب، والمُستفزة لذوي الضمائر الحية في العالم، تناولتها بإيجازٍ من خلال استعراض التقارير والبيانات الموثقة، وعملت على عرضها في سياق رأيٍ مكتوبٍ، لعل هناك من هو إنساني حقاً في سُدَّة القرار الإقليمي والدولي، فينتقل من مربع المشاهدين السلبيين إلى مربع قراءة النص بحسٍّ إنساني على نحوٍ يتحول إلى قرارات بوقف المهزلة المأساوية البائسة من القتل الجماعي لشعبٍ كريمٍ حُر تجاوزت حضارته الآلاف من السنين، ولم يقم بالاعتداء على أحد عدا دفاعه عن النفس، وهو على استعداد تام لمد يد السلام القائم على كرامة وحرية واستقلال قراره، والله أعلم منا جميعا.
وفوق كُلِّ ذي عِلمٍ عَلِيم