الأخبار المحلية

بالصورة : المرأة التي طاردها علي عبدالله صالح واليدومي وزوار الفجر” قصــة الرفيقــة ناديــة “

الجديد برس : لا 

لا أستطيع أن أتصور أن هذه المرأة التي أتحدث إليها الآن هي ذاتها التي واجهت الظلم والنظام القمعي، واعتقلت وأنجبت ابنها البكر حسام في السجن، عام 1982م.. إنها وجه من أوجه اليمن الخالدة، وستظل حكاية نكتبها بكل انتصار نحققه، تعتبر من أهم رموز مواجهة الظلم، مؤمنة بقدرتها على الاستشراف وتجاوز اللحظة بكل ما تعرضت له من اعتقال وسجن، إلا أنها ظلت حية وفاعلة في الحياة اليومية شامخة بعزة وكرامة وكبرياء.. يمكنني شخصياً أن أعتبرها من أعظم نساء اليمن، لقد جسدت ذلك التطلع إلى العدالة والمساواة باعتباره بداهة لا يمكن للتاريخ نفسه أن يتجاوزها تحت أي ظرف أو تبرير.. سأدون وباعتزاز كبير أنها علمتنا التحديق في الشمس والوقوف الشامخ ضد الظلم وقلاع الهيمنة المتآكلة والتي ولت إلى غير رجعة بسبب خيانتها للشعب والوطن.. المناضلة نجاة سلام ستبقى وشماً على الذاكرة وأيقونة ثابتة يتوارثها الأجيال بنضالها وشجاعتها.. تعجز الألسن عن قول أشياء كثيرة سوى شكراً نجاة سلام..
حاورها / عبدالرقيب المجيدي 
ـ في البداية لو تتحدثين على أهم محطة من محطات تجربتك السياسية؟
هذه التجربة كانت في أواخر السبعينيات، وكنت عضواً في الحزب الاشتراكي في القطاع النسائي، وكان نشاطاً صعباً جداً، لكونه عملاً سرياً مجرماً لدى السلطة، وكنا نتحرك بصعوبة، وعانينا كثيراً، فكان الجواسيس حينها في كل مكان، وعندما كنا طالبات كان يوجد بيننا جواسيس، فعندما أخذوا زوجي علي نعمان المقطري إلى السجن، أخذوا أهله وأهلي إلى السجن، وظلوا ما يقارب سنة محاصرين للحارة وبرقابة شديدة، واقتحموا البيوت ومنها بيتنا، ونهبوا كل شيء منها، وحبسوا إخواني وأبي وأصهاري، وبقينا في رعب لمدة عام، وكان ذلك في 1982م.
ـ كم مرة تم اعتقالك؟
مرة واحدة، وحينها كنت حاملاً، وقضيت شهرين في السجن، واعتقلوا في ذلك الوقت الكثير من البنات والناشطات، وتعرضن للتعذيب، أما أنا فلم أعذب لأنني كنت حاملاً. وكان آخر اقتحام الساعة الثانية بعد منتصف الليل، وهرب زوجي علي نعمان والمجموعة الموجودون في البيت، من إحدى النوافذ، وبقيت أنا وزميلة، وأخذونا وربطوا على أعيننا، وأخذونا إلى الأمن السياسي بحدة، وحقق معنا القمش والصرمي، وكذلك محرم، وبعد التحقيق معي لم يجدوا مني أي جواب، وأخذوني في تلك الليلة إلى السجن المركزي، وكان هناك العديد من المسجونات، كان قد تم أخذهن إلى السجن، وكانت بينهم بنت لا زالت عروسة، وضربوها بالبيادات (ودعسوها)، ونزفت، وقد وضعت في السجن، وبعدها بأسبوعين أخرجوني، وذهبت إلى بيت خالي، ووضعوني تحت الإقامة الجبرية ما يقارب 3 أشهر، وقد أخرجوني بعدما قبضوا على زوجي علي نعمان، ودخل إلى السجن وهو مصاب بالرصاص، وكان ينزف بعدما تمت مطاردته.
ـ كعضو في الحزب الاشتراكي اليمني لأكثر من 4 عقود، ما خلاصة ما توصلت إليه؟
كنا نعتبر الحزب شيئاً كبيراً، وكنا نأمل أن يحقق شيئاً للوطن وللكادحين، ويحل مشاكل الناس، ولكنه لم ينجح، لأن علي صالح والسلطة عملوا على تفريخه، وشراء الكثير منهم بعد الوحدة، وخرج زوجي علي نعمان من السجن بعدما قضى فترة 7 سنوات، وخرج بنفس الحماس، وبعضهم اتهموه بأنه لم يكن في السجن، فخرج، وكان يتوقع أن يعمل شيئاً لهذا الحزب، وسيكون له دور، لكن القيادات الوطنية والحقيقية في الحزب تمت محاربتها من قبل السلطة.
ـ ما هو الاسم التنظيمي لكِ؟
(نادية)، وزوجي علي نعمان كان اسمه (محمد).
ـ كيف انخرطت في العمل الحزبي؟
كان هناك بعض من الزميلات مثل بنات يحيى بهران، وكان يحيى بهران وزيراً للإعلام بعد الثورة، وكنت أحب الاطلاع ومعرفة الجديد.
ـ باعتباركِ اشتراكية.. ماذا يعني لكِ تاريخ 21 أيلول؟
في البداية 21 أيلول لم نكن مقتنعين بأنه سيحقق شيئاً، لكن 21 أيلول أثبت أنه ثورة جاءت لتقضي على ركائز الفساد والمشائخ وأصحاب النفوذ التي كانت تعمل ضد الوطن والشعب ولمصلحة السعودية، وكنا نفكر كيف يمكن القضاء على هؤلاء مثل بيت الأحمر وغيرهم، وكيف تتخلص اليمن من هؤلاء الفاسدين والمسيطرين على كل شيء في هذا البلد، حتى جاءت ثورة 21 أيلول، وقضت عليهم جميعاً.
أيلول أعادت الاعتبار لليمنيين وأعادت تخليق الشعب من جديد وأعادت الكرامة والعزة والانتماء الحقيقي للوطن والهوية الوطنية.
ـ بعد هذا الكفاح والنضال يقال بأنكِ ليس لديكِ وظيفة حكومية..
كنت موظفة في البنك المركزي، وعندما قبضوا على زوجي فصلوني من عملي، وكان ذلك عام 1981م، وفي تلك الفترة كنا مطاردين في كل مكان، وكان محمد اليدومي متخصصاً ومراقباً لعلي نعمان، وكان أقذر وأوسخ يد حارب الشباب، وكان يراقب البيوت.
ـ ما الذي يستفزك؟
يستفزني الذين لم يقتنعوا بثورة 21 أيلول، ويستفزني الواقفون مع العدوان، والذين يقدمون مبررات للعدوان، ويبررون كل المجازر التي يرتكبها ضد هذا الشعب.
 
ـ ما أبرز الأحداث الخطرة التي تعرضتِ لها؟
كان هناك أحد الزملاء تتم مراقبته فدخل عندنا البيت، وقمت بإغلاق الباب، وبعدها كان هناك شخص يدق الباب، فقلت له من أنت فقال أنا نصر، فكان المتواجدون عندنا في البيت من الزملاء، قاموا بجمع الأوراق، وخرجوا من فتحة كانت في المطبخ فوق التنور، لم أعرف كيف خرجوا منها، فبقيت أنا وزميلتان وشخص آخر، وبالأخير دقوا الباب بقوة وكسروه ودخلوا البيت، لم يجدوا أحداً، وسألوني من أنتِ، لكني تنكرت وقلت أننا أتينا من القرية. كما كان هنالك شخص يدعى الصبري وضربوه ضرباً شديداً، وكان هناك طائرة هيلوكبتر، وقبل اقتحام المنزل قاموا بإطلاق الرصاص علينا من النوافذ، وكنا نهرب من غرفة إلى غرفة خوفاً من الرصاص.
لم يعرف الناس كيف كان علي عبدالله صالح يقتحم البيوت، كيف كان يرعب الناس ويسحب النساء ويتم (دعسهن) بالبيادات، وهناك بعض النساء ما زلن على قيد الحياة، مثل مريم باقتويم من الحديدة، ونبيلة المقطري والمحامية نادية خليفة، والكثير من النساء اللواتي طوردن وعذبن أبشع العذاب، ومنهم من قتلن تحت التعذيب والبعض أحرقن أحياء مثل البطلة الشهيدة قبول الورد.
وفي 94م كنا ساكنين في جولة 45، وقبل الحرب خرج الكثير من مقر الحزب الاشتراكي، وبقي علي نعمان ومجموعة، فبدأت الحرب، وكنا نسمع المضادات، وقد كنا ساكنين في بيت تابع لمصرية تنتمي للإخوان المسلمين، وكانت متزوجة على شخص من يريم، وكانت لها مشاريع مع محمد عبدالله صالح شقيق الرئيس علي عبدالله صالح، وكانت جاسوسة علينا، ونحن لم نكن نعرف ذلك، وقد تم استدراجنا إلى هذا البيت عبر واحد من الأقارب، وأغرونا بالبيت، وفي اليوم الرابع سمعنا إطلاق نار خارج البيت، وكان ذلك بعد المغرب، وكنت أظن أن علي نعمان قد أتى هو ومجموعة من أصدقائه، وقاموا بالاشتباك مع بعض العسكر، لكن لم يكن ذلك، فدخل بعض العسكر البيت، وقاموا بتفتيشه، وكان هناك بلاغ من المصرية صاحبة البيت بأنه يوجد عندنا صواريخ، فكان هناك بعض (الجواني) تحت السرير فيها كتب وجرائد، وكانوا يقومون بإخراجها إلى الدرج، وفتحها وإخراج الكتب منها، ثم بعد ذلك سمعنا إطلاق نار، وخرج العسكر وتركوا (الجواني) والأوراق، ليعرفوا ما يحدث بالخارج. والشيء الذي حصل ولم يكن أحد يتوقعه أن صاحب البيت جاء من المسجد، فاعترضه اثنان من العسكر، وقالا له من أنت، فقال من أنتم ومن أتى بكم، وأخبرهم بأنه صاحب البيت، فقاموا بإطلاق النار عليه وبقروا بطنه، وزوجته صاحت بصوت عالٍ (مش هو يا أولاد الكلب)، طبعاً زوجته هي التي استدعت العسكر لعلي نعمان، ليقبضوا عليه، وكان زوجها لم يعرف شيئاً مما يحصل، ثم أسعفوا زوجها، ونزل أحد أولادها وكان اسمه بلال، وكان يصيح علينا ويشتم، وكان يريد أن يدخل ليطلق علينا النار، لكن الجيران منعوه من الدخول إلينا.
ـ كلمة أخيرة..
نتمنى من المجلس السياسي والحكومة أن يحلوا مشاكل الناس، خصوصاً في الجانب الاقتصادي، وبقدر الإمكان، وبشفافية، يجب أن يوضحوا للناس، ويجب أن توفر الحكومة للناس الشيء المتاح، ونتمنى من الناس أن يفهموا الواقع، وأن يتكاتفوا ضد هذا العدوان، وعلينا أن نقف إلى جانب القيادة الثورية، لأننا آمنا بأنها جاءت لتغير، وهناك أشياء كثيرة فهمناها ولمسناها.. وأقول للمرتزقة الجدد الذين هربوا، ما هو الشيء الذي سيضيفونه، وكانوا خلال 3 سنوات يقولون بأنهم ضد العدوان، وكانوا يقولون بأن المرتزقة الذين خرجوا ليسوا منتمين لهذا الوطن. لست أدري ما الذي سيضيفونه، ولكنهم سيندمون بعد ذلك على عمالتهم وارتزاقهم، مثل هذا المرتزق فضل القوسي الذي خرج من صنعاء، والآن هو في نهم (جالس يشوف صنعاء بالناظور، يشتي يدخل صنعاء)، هذه نهاية المهزلة.
وأريد الإشارة إلى أن موقف صالح الذي أعلنه من العدوان في البداية احترمناه وتجاوزنا الماضي باعتبار الوضع الذي تعيشه البلد، ولم نكن حاقدين على الرغم مما حدث لنا. لكن الرجل أصر على خيانة البلد وقتل الشعب.
ورسالتي إلى الشرفاء من المؤتمر ألا ينجروا وراء الذين باعوا أنفسهم ودينهم وبلدهم لتحالف العدوان، وأن يتوقفوا عن النظر باستعلاء على هذا الشعب ويكونوا على دراية بأنهم لن يجدوا غير هذا الوطن مأوىً حقيقياً لهم.