الأخبار عربي ودولي

تعطيل الحكومة والمجلس والعهد… وباسيل لن يعتذر: نهاية التسوية

الجديد برس : عربي 

لم يكن ينقص اللبنانيين إلا الفصل الهزلي الذي نشاهده بكل المَلل المصاحب لفكرة نعرف جميعاً تفاصيلها السمجة.
هذا هو لبنان. هذه هي الطبقة السياسية الحاكمة، وهذا هو الجمهور، وهذه هي المعادلات التي تقول لنا، مرة بعد مرة، إن اللبنانيين يحتاجون إلى وصي ينهرهم ويبعد بعضهم عن بعض، وإن الجمهور المتورط في هذه الانقسامات سيظل يدفع ثمن ولاءاته العمياء.

لا حاجة لكثير من الشرح. التسوية السياسية التي حكمت البلاد مع انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية وتأليف حكومة الرئيس سعد الحريري، وجرى تجديدها بعد احتجاز الأخير في السعودية، اهتزّت بعد أزمة «مرسوم الأقدمية»، ثم سقطت بالضربة القاضية التي وجهها لها الخطاب المسرّب للوزير جبران باسيل، الذي وصف فيه الرئيس نبيه بري بـ«البلطجي». كان بري، بحسب مقربين منه، يفتح الباب لاستيعاب الأزمة، معوّلاً على تدخّل لرئيس الجمهورية ميشال عون «يضع حداً لتداعيات ما ارتكبه باسيل».

لا يكتفي باسيل باتقانه اختيار اعدائه، من داخل تياره وخارجه، بل ايضاً احاطة نفسه بهم في وقت واحد (مروان طحطح)

ليست كافية الاحداث المتلاحقة امس كي تنبئ بفتنة او انهيار امني. أفصحت حقاً عن نذير بأحد استحقاقين: تعريض النظام السياسي للسقوط، او المغامرة بالتلاعب بموازين القوى. لأن كليهما ممنوع الآن، وقع الوزير في اكثر من المحظور. في خطيئة

احال الفيديو المسرّب لكلام وزير الخارجية جبران باسيل عن رئيس مجلس النواب نبيه برّي خلاف رئيس الجمهورية ميشال عون وبرّي اقرب الى ازمة وطنية، بعدما اقتصر مذ اندلاعه على كونه ازمة دستورية تتصل بتباين تفسير كل منهما المادة 54 من الدستور وتوقيع وزير المال مرسوم منح اقدمية سنة لضباط. كالنار في الهشيم، اسرع مما توقّع القائل ومما تلقف المقصود، انفجرت مشكلة وطنية كادت تتصف بكيانية بين ما يمثله رئيسا الجمهورية والمجلس كل في موقعيه الدستوري والوطني، وما يمثلانه في طائفة كل منهما.

رفض الرئيس برّي أمام زوّاره الدخول في أي نقاش حول ما سُرب عن باسيل (هيثم الموسوي)

يُقال إن هناك خطأين لا يُمكن غفرانهما عند مناصري حركة أمل: المسّ بالإمام موسى الصدر والتعرّض الشخصي للرئيس نبيه برّي. أما وقد حدث ذلك، فلم يعُد الوقت وقتاً للتساهُل، ولا إظهار فضيلة المبادرة إلى احتواء النيران القديمة – الجديدة المُشتعلة على خط بعبدا – عين التينة. ينسحِب ذلك حتى على أصحاب المراكز في دائرة الرئيس برّي الذين أطلقوا مواقف عالية السقوف قبل الرجوع إلى صاحب الشأن، ومن دون انتظار أي إشارة منه، إذ لم يرُقهم أن «يُعلّم» أحد على «مقام الرئاسة الثانية».
الأكيد أن الفيديو «المُسرَّب» بالصوت والصورة لرئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل، الذي وصف فيه بري بـ«البلطجي» وتوعّد بـ«تكسير رأسه»، ليس سوى نقطة في بحر التحفّظات التي راكمتها الأيام بينه وبين برّي. لكنها النقطة التي فاضت بها الكأس، ولم يعُد الترقيع ينفع للسيطرة على الوضع. وللمرّة الأولى منذ انطلاقة العهد، يبدو البلد على حافة أزمة كبرى تثيرها تحرّكات الشارع، لتُنذر بتفاعلات أكبر للتسريبات التي نسفت أي أمل بعلاقة جيدة بين الطرفين.

لم يخطر ببال لبنانيي ساحل العاج أن يكونوا يوماً شرارة لمعركة ضروس في وطنهم الأم على بعد أكثر من ثلاثة آلاف ميل. فيما كثير منهم لا يفهم اللغة العربية جيداً، كيف يمكنهم أن يستوعبوا أن مؤتمر الطاقة الاغترابية الذي تنظمه وزارة الخارجية والمغتربين، والذي ظنوه التعويض الرسمي عن عقود الإهمال والتناسي الطويلة، تحول إلى قنبلة انفجرت بهم وبالشارع اللبناني.

لعلّ الجرّافة المزنَّرة بالأعلام الخضراء التي نزلت إلى أحد شوارع بيروت أمس كانت الأكثر تعبيراً عن حجم الغضب والغيظ المعتمل في صدور الحركيين تجاه الوزير جبران باسيل، ومن خلفه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون. «انتفض» جمهور حركة أمل لـ«كرامة» رئيس مجلس النواب نبيه برّي، رافعين شعار «البلطجي جبران». تداعى مناصرو «الأستاذ» للنزول في معظم المناطق لقطع الطرقات احتجاجاً على الإهانة التي وجهها إليه باسيل.