الأخبار المحلية

تعرف بالتفاصيل | غزت اليمن في فترة العدوان سلسلة أوبئة حصدت أرواح الآلاف وصواريخ لا ترونها

الجديد برس : لاميديا

تقرير – محمد الحسني 

حالات تجعل الوالدان شيباً، ونساء لسان حالهن (يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً)،  آخرون يستعيذون بالله من قهر الرجال وغلبة الدين وفقدان الصحة، ودنو الأجل؛ في مشهد تراجيدي هو أقرب إلى الخيال منه إلى الواقع، يظهر عشرات المصابين بأمراض وتشوهات وأوبئة، يعتبر العدوان السبب الأول في حدوثها.
منظمات لا تجيد سوى الوعود والتقاط عشرات الصور التي تتزين بها مواقعهم وتقاريرهم للمتاجرة بها، ووسائل إعلامية لا هم لها سوى تبرئة العدوان من المسؤولية، ووضع هذه المشكلة تحت خانة مسميات سياسية.
أكثر من مليون حالة مصابة بوباء الكوليرا، ومئات الإصابات بالسحايا والدفتيريا والسارس، وضُعف في خدمات أغلب المراكز والمنشآت الطبية، انعكس بدوره على الحالة الصحية لمرتاديها، ووضع صحي يحاصر المواطن بين
ثالوث الأمراض السريرية والنفسية والأوبئة، ويضعه ضحية لهذا العدوان.
ما ذنب طفلي..؟
نجونا من الضربة الجوية بأعجوبة، وشعرت حينها بأني ولدت من جديد، انتقلت مع عائلتي إلى العاصمة صنعاء، قادمين من صعدة، يقول مطهر الريمي، أحد العاملين في منطقة رازح (إحدى مناطق محافظة صعدة) إن زوجته ولدت بعد 7 أشهر من الضربة، وأن مولوده ظهرت عليه بعض النتوءات والتشوهات الجسدية. يعلم مطهر أن الكثير من الحالات المشابهة لمولوده ناتجة عن استخدام أسلحة كيميائية محرمة دولياً، تعود نتائجها بالسلب على المواليد، وبصوت حزين أثناء الحديث يقول: (ما ذنب طفلي بهذه الحرب؟).
مطهر الريمي، ومثله العشرات في مناطق تعرضت للقصف العدواني على اليمن، وتبعات استخدام الأسلحة المحرمة دولياً من قبل قوى العدوان.
تقول أخصائية الصحة الإنجابية الدكتورة بشرى الأهدل، إن ظاهرة التشوهات الجينية للأطفال برزت وبشكل مخيف في الآونة الأخيرة، خصوصاً لدى القادمين من محافظات صعدة وحجة والحديدة وتعز، وأن هذه التشوهات تتنوع بين بروز للأعضاء الجسدية أو تشوه لأحد هذه الأعضاء.
وتحدثت الأهدل عن صعوبة الجزم بأن الأسلحة المستخدمة هي المسبب الوحيد لمثل هذه التشوهات، غير أن استخدام الأسلحة الكيميائية في الحرب – حسب قولها – يعد أحد أبرز الأسباب لمثل هذه الحالات، وأن أكثر من 97 % من الحالات الوافدة يشتبه بإصابتها بسبب هذه الأسلحة، كون هذه الحالات قريبة من مناطق القصف.
منظمتا العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، وجهتا في يناير العام الماضي، اتهامات مباشرة للسعودية باستخدام أسلحة محرمة دولياً في حربها على اليمن.
منظمة العفو الدولية قالت في بيان لها إن السعودية ألقت أسلحة كيميائية وقنابل عنقودية انشطارية في إحدى ضرباتها على العاصمة صنعاء، وتوالت التقارير الخاصة بالمنظمة عن استخدام طيران العدوان لهذا النوع من الأسلحة في ضرباته الجوية على اليمن، وحذرت من نتائج هذه الأسلحة على المواطنين.
منظمة هيومن رايتس ووتش هي الأخرى أوضحت في تقرير لها عن استخدام العدوان للأسلحة الكيميائية، مما يعرض حياة آلاف اليمنيين للخطر.
وأوضحت دراسة بحثية أعدتها مجلة الصحة العامة الأمريكية أن هذه الأسلحة تحتوي على مواد تؤدي إلى الإضرار بالأجهزة العضوية للإنسان، وأن استمرار التعرض لمثل هذه المواد قد يؤدي إلى تشوه الأجنة وزيادة حالات الإجهاض وموت الجنين داخل الرحم.
سلسلة الأوبئة
دخلت الأنفلونزا أخيراً ضمن سلسلة الأوبئة التي تصيب اليمنيين لتحصد أرواح الآلاف، حيث أعلنت وزارة الصحة العامة والسكان، عبر المتحدث الرسمي للوزارة عبدالحميد الكحلاني، عن الاشتباه بإصابة أكثر من 100 حالة بأنفلونزا الطيور، وأضاف أن هناك أكثر من 30 حالة تعرضت للوفاة بسبب الأنفلونزا.
في ذات السياق، أعلنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر عن إصابة مليون حالة بالكوليرا خلال العام 2017م، وأعلنت منظمة الصحة العالمية عن تسجيل ما يزيد عن 500 حالة بداء الدفتيريا، منها 66 حالة تعرضت للوفاة.
البيان الرسمي للصليب الأحمر أكد أن عدد الحالات المصابة بالأوبئة في اليمن كبير جداً، وأن العدد صادم، ويعكس معاناة بلد يعاني حرباً وحشية.
وأوضح طارق جاسرفيتش، المتحدث الرسمي باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر، أن محافظتي الحديدة وإب هما أكثر المحافظات تعرضاً للإصابة بالأوبئة، وأن معدل الوفيات تخطى حاجز الـ10 % من إجمالي حالات الإصابة.
الدكتور أحمد السقاف أوضح أن الحصار الجائر على اليمن والحرب العبثية التي تقودها قوى العدوان وحالات المجاعة وحصر دخول الأدوية والمساعدات الطبية في المنظمات خلال فترات متباعدة، أدى إلى انتشار الكثير من الأوبئة والأمراض، وعلى رأسها الكوليرا والسحايا والدفتيريا، ومؤخراً أنفلونزا الطيور.
وبين السقاف أن الحرب على اليمن أدت إلى تعطل وظائف وزارة الصحة والمنشآت الطبية عن العمل، عوضاً عن تعرض بعضها للقصف، وأضاف أن هناك الكثير من الحالات التي لم تصل ولم تسجل في كشوفات مكاتب الصحة، وأن الأعداد أكبر بكثير من المسجلة.
أساطير الجن 
لاتزال أم يونس (48 عاماً) غير مصدقة أن القوة التي دفعتها من غرفتها نحو الصالة كانت قوة بشرية، وإنما خُيل لها أن أساطير الجن والعفاريت التي تلتها يوماً على حفيدها قد دفعتها بتلك القوة الهائلة.
(رأيت الموت أمام عيني)، هكذا علقت باكيةً عندما وصفت ما جرى لها في الـ21 من مارس العام الماضي.
أصبح تحليق طائرات التحالف في سماء العاصمة متزامنًا مع تناول تلك السيدة لأدويتها المهدئة، وعما يصيبها فور سماعها أصوات الانفجارات، فإن الحال يتغير وأنت ترى مسنة تبكي بحرقة الأطفال.
أم يونس والآلاف من المواطنين القابعين ضمن المناطق التي تتعرض للقصف العدواني، أصبحوا مصابين بأمراض مختلفة تنوعت ما بين أمراض نفسية وأخرى سريرية.
وضمن إحصائية مبدئية للعديد من المستشفيات والمراكز الصحية، فإن نسبة المصابين بأمراض مثل التبول اللاإرادي والسكر والقلب والضغط والرهاب، قد ارتفعت خلال فترة العدوان القائمة إلى 200 %، وخصوصاً في محافظات (صنعاء، تعز، مأرب، البيضاء، حجة، عمران، وصعدة).
استقبلنا المئات من الحالات المصابة باعتلال عضلة القلب (Cardiomyopathy) خلال الفترات التي مرت بها المحافظات بالعمليات العسكرية للطيران السعودي، ولاحظنا أن هناك ازدياداً ملحوظاً في عدد المصابين بالمرض بنسبة قد تصل إلى 23? مقارنة بالعامين 2013و2014م.. هذا ما قاله الدكتور بندر المسوري، أخصائي أمراض قلب، وأضاف: الإصابة بمرض اعتلال القلب خاضعة لعدة أسباب، لعل أبرزها الخوف الشديد والصدمات المفاجئة التي يتعرض لها الشخص.
الدكتور أمين الوائلي، أحد العاملين في مستشفى الثورة العام بصنعاء، قال: وصلتنا عشرات الحالات – من ضمنهم أم يونس – المصابة باعتلال عضلة القلب الناتجة عن الصدمات الشديدة والأحداث الكبيرة التي تصيب العضلة بحالة توقف أو اعتلال أو تعطلها جزئيًا عن العمل. أحداث صنعاء متمثلة في انفجار جبلي نقم وعطان، كان لها الدور الكبير في ارتفاع عدد الحالات في العاصمة.
ووفقاً لكشوفات مستشفى الثورة العام بتعز، فإن عدد المصابين بمرض اعتلال القلب بالمحافظة خلال مرحلة المواجهات المسلحة، قد وصل إلى 71 حالة.
أمراض أخرى أصيب بها العديد من المواطنين، وخصوصاً كبار السن، الحاج حاتم (63 عاماً) لا يكاد يبرح مكانه حتى يرافقه صديقه الجديد المتمثل في كيس أدوية، حتى وإن كانت وجهته نحو المسجد، لم ينسَ بعد أنه فقد عائلته دفعة واحدة في قصف متبادل أثناء المواجهات الدائرة بمحافظة تعز.
يرفض الحديث دائماً، فما عساه يقول عن عائلة شكل معها مفردات حياته وبنى مع أفرادها مكنونها الذي لطالما أخبر والديه عنه. رأيت ذلك في عينيه وكأنه يخبرني أنه ليس الأخير، مر من أمامي متجهاً نحو طبيبه الذي يصطف أمامه العديد ممن يحملون كابوس الحاج حاتم.
العشرات في تعز والمئات في صنعاء وعمران وحجة… الخ، أصبحوا ضمن قائمة المصابين بأمراض مثل السكري والضغط والتبول اللاإرادي بسبب العدوان.
في مجمل حديثه حول الأمراض التي تسبب بها العدوان، أوضح الدكتور بندر أن هناك آلاف الحالات التي أصيبت بأمراض الدم والقلب خلال مرحلة العدوان على اليمن.
وبين أن هناك أشخاصاً مصابين بأمراض مثل السكري وضغط الدم من قبل، ولكن بفعل العدوان أصبحت حالتهم أكثر سوءاً.
وعن الحالات التي وصلت المستشفيات خلال مرحلة العدوان، أوضح أنه لا توجد إحصائيات معينة حول عدد المصابين بهذه الأمراض، ولكن هناك إقبالاً شديداً على المستشفيات والمراكز الصحية خلال الفترة الماضية.
هذا ما أثبته منصور حسان، صيدلاني، حيث أشار إلى أن إقبال المواطنين على شراء أدوية مثل (الأسبرين، الأنسولين، وقطر الحديد…) قد ارتفع خمسة أضعاف مقارنة بالفترة التي سبقت العدوان على اليمن. معللًا ذلك بالخوف الشديد الذي يصيب المواطنين جراء أحداث القصف والمواجهات المسلحة التي تتعرض لها المناطق الواقعة تحت خط النار.
يضيف الدكتور حامد القبسي أن الحرب القائمة قد أوقعت العديد في دائرة أمراض القلب والدم، وقال: أغلب الأمراض تكون ناتجة عن تدهور الحالة النفسية للمريض، وتتطور لتنعكس بعد ذلك على الحالة الصحية للمريض.
مراكز السرطان وغسيل الكلى هي الأخرى أصابتها لعنة هذه الحرب، حيث أصبحت أغلب هذه المراكز مهددة بالإغلاق. اللجنة الدولية للصليب الأحمر أعلنت أن آلاف اليمنيين المصابين بالفشل الكلوي مهددون بالوفاة ما لم تمد مراكز الغسيل بالأدوية والأجهزة اللازمة. وأوضحت اللجنة أن 25% من حالات الإصابة بالفشل الكلوي توفيت.
وقد تم إغلاق 4 مراكز للغسيل الكلوي من إجمالي 32 مركزاً، بسبب العدوان ونقص المواد التشغيلية لهذه المراكز. ويعاني أكثر من 4000 مريض بالفشل الكلوي، ويحتاجون إلى جلسات الغسيل بشكل دوري.
فوبيا الحرب 
مبارك (12 عاماً) طفل لم يعد يستطيع الخروج إلى تلك الأزقة والشوارع الرملية بدراجته الهوائية كسابق عهده، مجرد سماعه أصواتاً مشابهة للطائرات الحربية مثل الدراجات النارية والسيارات، كفيل بإصابته بحالة خوف وهستيريا شديدة.
مبارك الآن مصاب بـ(أفيوفوبيا)، وهي حالة خوف شديدة من أصوات الطائرات.
محمد (11 عاماً) هو الآخر أصبحت رؤيته لأي سلاح كفيلة بتحويل هدوئه إلى هستيريا بكاء شديدة بعد إصابته بـ(باليتوفوبيا)، وهي حالة خوف شديدة من الرصاص والسلاح.
حالتان تقول عنهما الدكتور زهرة جميل، أخصائية علم نفس: الأمراض والحالات النفسية هي نتاج واضح لحالة الخوف التي يعيشها المريض.
لدينا أكثر من 150 حالة تصيب الأطفال وكبار السن، حتى الشخوص العاديين، هناك حالات وأنواع مرضية تكون ملازمة للحرب من ضمنها الأكوستيك فوبيا وأفينوفوبيا وباليتوفوبيا وغيرها، كلها ناتجة عن حالات الخوف الشديدة من الحرب ومن أصوات الطائرات الحربية والمدافع والانفجارات.
وتضيف: هناك آلاف المصابين بأمراض نفسية نتيجة الحرب في اليمن، تتنوع تلك التأثيرات ما بين خفيفة تبدأ بالرهاب والخوف الطبيعي، وتتطور تدريجياً حتى تصل إلى مراحل معقدة.
وعن نسبة المصابين بالأمراض النفسية، تعلق الدكتور زهرة بأن الإقبال على مراكز العلاج النفسي في فترات سابقة ضعيف جداً بسبب الثقافة السائدة، ولكن خلال الفترة الراهنة فإن هناك إقبالاً متزايداً على هذه المراكز، وهو ما يعني ارتفاع نسبة الإصابة بهكذا أمراض.
مستشفى الأمل للأمراض النفسية في صنعاء أكد وصول عشرات الحالات يومياً للعلاج بسبب الأمراض النفسية الناتجة عن العدوان، وقال إن هناك أكثر من 70 حالة تزور المستشفى يومياً للعلاج، وأغلب الحالات يتم تشخيصها على أنها حالات فوبيا وتوترات عصبية.
ووفقاً لدراسة أعدتها مؤسسة التنمية والإرشاد الأسري، يقدر عدد المتضررين نفسياً من العدوان بحوالي 5 ملايين و455 ألفاً و348 متضرراً.
القائمة تطول في الأسماء والأمراض الناتجة عن العدوان على اليمن، الذي لم يوفر إنساناً ولا أرضاً، والناجي منه مصاب بأمراض وأوبئة.