الجديد برس : رأي
أبوبكر عبدالله
بعيدا عن الأمم المتحدة وذرائع القرارات الدولية خرجت زيارة محمد بن سلمان إلى بريطانيا بصيغة اتفاقات وتعهدات تجاوزت هذه المرة الكواليس الدبلوماسية إلى صيغة بيان مشترك كشف بجلاء أوراق الداعمين الدوليين للعدوان وفي الطليعة لندن التي وجدت نفسها مضطرة لإعلان منح العدو السعودي الضوء الأخضر للمضي بعدوانه على اليمن مدعوما بما يكفي من الذخائر والحصانة ناهيك عن دعمه سياسيا ودبلوماسيا لعرقلة الجهود الجديدة للأمم المتحدة في ملف التسوية.
بلغة سياسية مرتبكة أفصح البيان البريطاني السعودي المشترك عن اتفاق الجانبين على أهمية الحل السياسي للأزمة اليمنية غير أنه استبق الجهود الأممية الحل السياسي بحشرها في نفق مسدود بإعلان لندن رسميا دعم الشروط السعودية للحل السياسي والمتمثلة بالمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني وقرار مجلس الأمن 2216 السيئ الصيت.
لم يكن ذلك كل شيء فالموقف البريطاني المتضمن في البيان منح النظام السعودي وقودا للاستمرار في العدوان على اليمن إلى مالا نهاية بعدما وضع قاطرة الحل السياسي ليس في مسار إعادة الشرعية الزائفة للفار هادي بل في المسار الذي” ينهي التهديدات الأمنية للسعودية وينهي تهديدات الملاحة الدولية والدعم الإيراني للمليشيات وانسحاب العناصر الإيرانية وحزب الله من اليمن”!!!
على أن الصياغة الحرفية للبيان المشترك حاولت إظهار دعم لندن والرياض للحل السياسي وتعهدهما بحلحلة المشكلات الإنسانية الكارثية الناشئة جراء العدوان والحصار، إلا أن محتواه ظهر ملغوما بتوجهات بدت متعارضة مع الموقف الدولي المتشكل في أروقة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الرافض للخيار العسكري وللتدابير التي تتخذها دول العدوان في الحصار بذريعة الحظر على تهريب الأسلحة فضلا عما تضمنه من توجهات بريطانية بتبني الحرب والسلام السعوديين دون أي تحفظ.
هذا القدر من الإفصاح عن الدور البريطاني في العدوان على اليمن هو الأول من نوعه على كل حال وحمل في طياته مؤشرات كشفت ثقل الأعباء التي يتكبدها التحالف السعودي، وهو أيضا لم يأت دون مقابل بعدما تكللت زيارة ابن سلمان بتوقيع عقد لبيع الرياض 48 مقاتلة من طراز ” تايفون” في خطوات أطاحت كليا بذرائع دعم لندن للحل السياسي وأكدت بالمقابل مضيها في دعم العدوان وتحديها التقارير الدولية التي أكدت أن العدوان على اليمن خلف أسوأ كارثة إنسانية كما خلف سجلا ثقيلا من جرائم الحرب والانتهاكات السافرة للقانون الدولي الإنساني.
طالما حاولت بريطانيا الممسكة بملف الأزمة اليمنية وصاحبة القلم المخولة في مجلس الأمن لصوغ القرارات الأممية بشأنه إخفاء دورها السلبي في دعم العدوان السعودي سواء الدعم العسكري المباشر أو الدبلوماسي في الأمم المتحدة والمحافل الدولية، وطالما كانت اللاعب الأول في ماراثونات منح العدوان الحصانة حيال الكارثة الإنسانية التي خلفها في هذا البلد الفقير، غير أن بيانها المشترك المعلن أمس كشف الجانب المظلم دفعة واحدة بعد إعلانه صراحة استمرار الدعم البريطاني للعدوان دبلوماسيا وسياسيا وعسكريا.
ما ينبغي الإشارة إليه أن البنود التي أوردها البيان البريطاني السعودي المشترك في الجانب الإنساني بإعلانه العمل مع شركاء دوليين في آلية تتيح دفع مرتبات الموظفين المتوقفة منذ عام ونصف والمضي بآليات تضمن تدفق السلع والمساعدات الإنسانية عبر الموانئ إلى كافة المناطق اليمنية لم يكن سوى استجابة خجولة لضغوط القوى السياسية والمدنية ونشطاء حقوق الإنسان وبعض أعضاء مجلس العموم البريطاني الذين انخرطوا في حملة دولية مناهضة للعدوان وتطالب بوقف الدعم البريطاني له.
ورغم ذلك لم يخف هذا التوجه حال الإرباك لدى حكومة تريزا ماي في محاولاتها اليائسة لتسجيل حضور في الجهود الإنسانية الأوروبية التي شرعت فعلا بتحريك هذا الملف ووضعه مادة رئيسية في مشاورات ملف الأزمة اليمنية.