الجديد برس – مقالات
بعد أن منَّ الله تعالى على نبيه بالانتصارات المتتابعة والفتوحات المتعاقبة لاسيما بعد فتح مكة أرسل رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – صحابته الكرام إلى مناطق الجزيرة العربية يعلمون الناس هدى الإسلام وأمور الدين ويقرؤون عليهم القرآن الكريم ويصلون بهم فرائض الصلوات ويجمعون منهم الزكوات هذا مع العلم أن الكثير من اليمنيين كانوا من أوائل الذين دخلوا الإسلام مثل عمار بن ياسر وأسرته بكاملها وقبيلتي الأوس والخزرج هما قبيلتان يمنيتان سماهم النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – بالأنصار..
لكن انتشار الإسلام في اليمن بشكل عام كان قد أتى بعد أن بعث النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – بعوثه إليها…
وكان من تلك البعوث بعث علي بن أبي طالب وبعث أبو موسى الأشعري ومعاذ بن جبل إلى اليمن..
أما علي بن أبي طالب فقد بعثه النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – إلى اليمن في آخر سنة ثمان للهجرة – ولم تكن سنة عشر كما ذهب البعض وإنما هي سنة عشر بعثه فيها إلى بني مذحج –
فعن البراء بن عازب – رضي الله عنه – قال بعث النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – خالد بن الوليد إلى اليمن يدعوهم إلى الإسلام فلم يجيبوه ، فبعث علياً – عليه السلام – وكنا فيمن عقِّب على علي ثم صفنا صفاً واحداً وتقدم بين أيدينا وقرأ عليهم كتاب رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – فأسلمت همدان جميعاً فكتب إلى رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – بإسلامهم ، فلما قرأ – صلى الله عليه وآله وسلم – الكتاب خرّ ساجداً ثم رفع رأسه فقال : السلام على همدان ( كررها ثلاثاً ) ثم قال : ” نعم الحي همدان .. ماأسرعها إلى النصر وأصبرها على الجهد منهم أبدال وفيهم أوتاد الإسلام..”[انظر كتب التواريخ وصحيح البخاري وسنن البيهقي ]
قلت : في أول جمعة من رجب أجتمع للإمام علي – عليه السلام – مشائخ همدان – آنذاك – وبعد أن أعلنوا إسلامهم على يديه بأجمعهم صلى بهم العصر في المكان المعروف حاليا بجامع علي في سوق الحلقة بصنعاء القديمة..
هذا وبعد أن أسلمت همدان أسلمت جميع القبائل اليمنية..
إن هذا الحديث – الآنف الذكر – له دلالات عظيمة واشارات فخيمة تشير إلى عظمة اليمنيين وما خصهم الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – بنصرهم للإسلام وصبرهم على مصائب ودواهي الأيام والأعوام وذلك في سبيل الحق تعالى .
وهنا نسأل هل كان لهمدان موقف بارز في عهد رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – حتى أنه قال فيهم : ” ما أسرعها إلى النصر واصبرها على الجهد “
الجواب : لم يكن لها أي موقف بارز في عهد رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – والنبي -صلى الله عليه وآله وسلم – ما وصفها هذا الوصف إلا لأنه نظر بنظره الغيبي والمستقبلي إلى ما سيكون منهم ومن أحفادهم وذريتهم من نصرتهم للإسلام وصبرهم على ضيم الأيام ..
فقد كان لهم موقف بارز في عهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب – عليه السلام – حيث نصروه في جميع حروبه لاسيما في يوم صفين ولهذا قال لهم الإمام علي في يوم صفين ” يا معشر همدان أنتم درعي ورمحي ” وقال فيهم – ايضا – : ولو كنت بواباً على باب جنة لقلت لهمدان ادخلوا بسلام ..
وهاهو ذا موقفهم البارز يتجلى بشكل أوسع في عصرنا الحاضر حيث أصبحت همدان ومعها كل القبائل اليمنية تنصر الإسلام وتقدم الآلاف من الشهداء في سبيل الله ونصرة نبيه ودينه ، فأهل اليمن يمثلون الإيمان كله ، ويواجهون الكفر كله ..
وقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عن همدان يعد دليلا واضحا على ماهو واقع ويجري في عصرنا الحاضر
(وما اصبرها على الجهد.) إذ لا يوجد شعب من شعوب الأرض قد صبر هذا الصبر رغم الحصار الجوي والبحري والبري والذي لا يزال مستمرا منذو ما يزيد عن ثلاث سنوات..
وإذا كان النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – قد بعث علياً إلى اليمن ( صنعاء وبعض المناطق ) فإنه _ أيضاً _ بعث إليها معاذاً وأبا موسى الأشعري إلى كل من مخلاف الجند ومخلاف تهامة وذلك في السنة التاسعة للهجرة – قبل حجة الوداع – جاء في الصحيحين عن أبي بردة – رضي الله عنه – قال : بعث النبي أبا موسى ومعاذ بن جبل إلى اليمن وبعث كل واحد منهما على مخلاف … ثم قال 🙁 يسّرا ولا تعسّرا ، وبشّرا ولاتنفّرا ) وفي رواية 🙁 وتطاوعا ولا تختلفا ) وانطلق كل واحد إلى عمله …
وفي الصحاح أن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – أوصى معاذا قائلاً له:(إنك ستأتي قوماً أهل كتاب، فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لاإله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب….
ثم أوصاه قائلاً له : إذا قدمت عليهم فزين الإسلام بعدلك وحلمك، وصفحك وعفوك، وحسن خلقك فإن
الناس ناظرون إليك وقائلون: خيرة رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- فلا يرى لك سقطة يستريب بها أحد في حلمك وعدلك وعلمك فإن الرسل من المرسلين . . . يا معاذ أوصيك بتقوى الله عز وجل وصدق الحديث، ووفاء العهد، وأداء الأمانة، وترك الخيانة، ورحمة اليتيم، وحفظ الجار وكظم الغيظ، ولين الكلام وبذل السلام ولزوم الإمام والتفقه بالقرآن وحب الآخرة والجزع من الحساب وقصر الأمل وحسن العمل وأنهاك أن تشتم مسلماً أو تصدق كاذباً أو تكذب صادقاً أو تعصي إماماً عادلاً وأن تفسد في الأرض…..) إلى غيرها من الوصايا القيمة التي تمثل حقيقة الإسلام وروحه السامية، وعلى المجتمعات- لاسيما المجتمع اليمني- أن يجعل هذه الوصايا نصب عينيه ويسير على ضوئها ويطبق محتواها ويعيد في هذه المناسبة ذكرها..
هذا وكان أبو موسى قد توجه إلى زبيد واستقر بين قومه وفيها أقام المسجد الذي عرف باسم جامع الأشاعر نسبة إلى قومه وأصبح لهذا المسجد دور كبير في نشر نور الإسلام وعلومه إلى يومن هذا
فأهل تهامة هم من قال فيهم الله جل في علاه( يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم )
روى الحاكم أبو عبد الله في ” المستدرك ” بإسناده : أن النبي صلى الله عليه وسلم أشار إلى أبي موسى الأشعري لما نزلت هذه الآية فقال : ( هم قوم هذا ).
وقال فيهم رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – اثناء مجيئ وفدهم إليه :” جَاءَ أَهْلُ الْيَمَنِ هُمْ أَرَقُّ أَفْئِدَةً وَأَضْعَفُ قُلُوبًا، الإِيمَانُ يَمَانٌ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَّةٌ، وَالسَّكِينَةُ فِي أَهْلِ الْغَنَمِ، وَالْفَخْرُ وَالْخُيَلاءُ فِي الْفَدَّادِينَ أَهْلِ الْوَبَرِ، قِبَل مَطْلَعِ الشَّمْسِ “
وأما معاذ بن جبل فقد توجه إلى الجند
وفي ذلك المكان الذي وقف فيه معاذ بن جبل خطيباً بالناس تم- بعد ذلك- تشييده مسجداً ….
واتخذ منه مقراً لإدارة شؤون البلاد والفصل في الخصومات بين الناس.
ومنذ ذلك اليوم واليمنيون في مثل هذا اليوم في كل عام يذهبون إلى مسجد الجند ويحتفلون بهذا اليوم الذي تدفق فيه النور إليهم بواسطة صحابة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-
هذا وكان قدوم معاذ إلى الجند في جمادي الآخرة، واجتمع له الناس في أول جمعة من رجب وخطبهم وبين لهم رسالة الإسلام التي جاء بها سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ..
فدخل الناس في الإسلام أفواجا ببركة دعوة( علي بن أبي طالب ومعاذ بن جبل وابوموسى الاشعري )..
إن جمعة رجب تُعد عيداً عظيماً عند اليمنيين، فتراهم في أواخر جماد الثاني يشدون رحالهم من كل فجَّ وصوبٍ إلى مدينة الجند وذلك ليحيوا أول ليلة جمعة من رجب بالأذكار والصلاة على النبي المختار ، وتتعدد الحلقات، وتتعرض النفوس إلى النفحات، وتتخلل تلك الليلة محاضرات دينية ومدائح نبوية، وموالد مصطفوية…
فتخشع القلوب عند ذكر علاَّم الغيوب، وهكذا يستمرون طوال تلك الليلة إلى الصباح وبعد أن يؤدوا صلاة الفجر يلجأ البعض إلى النوم لبضع ساعات، ومنهم من يستمر في أداء أوراده واستقبال وارداته، والبعض الآخر يذهبون إلى بيوتهم ثم يعودون لأداء صلاة الجمعة في مسجد الجند، كي يسمعوا الخطبة التي يركز فيها الخطيب على عظمة هذا اليوم وعلى وصول معاذ بن جبل إلى مدينة الجند وعلى تجمع الناس في هذا المكان في مثل هذا اليوم ليستمعوا إلى رسالة رسول الله التي حملها معاذ بن جبل وهي الدعوة إلى الإسلام وو……
فبعد هذا ألا يحق لليمنيين أن يحتفلوا بهذا اليوم العظيم ويشكروا الله تعالى على نعمة الإسلام والاستجابة للنبي عليه وآله الصلاة والسلام ؟!
يقول العلامة بهاء الدين الجندي في كتابه( السلوك)[1/82] ما نصه 🙁 ومن ثم ألف الناس إتيان الجند في أول جمعة من رجب يصلون بها الصلاة المشهورة ويشاهد في تلك الليلة بركات ولا تكاد تخلو ليلة الجمعة الأولى من رجب أو يوم خميسها من مطر هذا غالب الزمن )
هذا كلام الجندي المتوفي سنة 732هـ وهذا يدل على أن الاحتفال والذهاب إلى الجند لم يكن وليد اليوم أو الأمس بل منذ عهد الصحابة والتابعين وتابعيهم إلى يومنا هذا..
وأما من يحرمون الذهاب إلى مسجد الجند في تعز أو إلى مسجد الأشاعر في زبيد أو إلى المسجد الكبير بصنعاء في هذه المناسبة ويحرمون زيارة أضرحة الأولياء بحجة الحديث الذي يقول:” لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا ” الحديث
فاستدلالهم بالتحريم باطل، فالمستثنى في الحديث موجود وأداة الاستثناء – أيضاً- موجودة، والمستثنى منه غير موجود يعنى محذوف فلا بد أن يكون المستثنى منه من جنس المستثنى عند تقديره، فلا يصح أن نقدره بالقبور حتى نحرم الذهاب لزيارة أضرحة الأولياء بل نقدره بالمساجد لأنها من جنس المستثنى فيكون الحديث لا تشد الرحال – للمساجد – إلا إلى ثلاثة مساجد….
وبهذا يكون المعنى بأن من أراد الفضل العميم والأجر العظيم فعليه بزيارة ثلاثة المساجد هذه المذكورة في الحديث وأما غيرها فهي متساوية في الأجر ليس لها أجر الثلاثة .
فهكذا يُفهم الحديث- إذا صح- وإلا سيكون معناه بحسب فهم المانعين بأنه يحرم علينا أن نشد رحالنا إلى أي مسجد غير الثلاثة المذكوره بل ويحرم علينا أن نسافر في قضاء حاجاتنا وزيارة أرحامنا والتنقل في بلداننا و……إلخ
وكذلك ما ذهب إليه المانعون مخالفاً للقرآن الكريم الذي أمرنا أن نسير في الأرض ونمشي في مناكبها، وأما من يقول بأن الذهاب إلى مسجد الجند أو الأشاعر او الجامع الكبير لإحياء تلك المناسبة بدعة ضلالة فنقول له إن بدعة الضلالة هي استحداث أمر ما يرفضه الذوق ويستنكره العرف ولا يقبله العقل وليس له أصل في الشريعة ولا يدخل في أي أمر عمومي …
أما إحياء ليلة جمعة رجب والاحتفال بيومها فهي داخلة في عموم قوله تعالى:(ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب) وقوله تعالى:(قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون)
فالآية الأولى تشير إلى أن تعظيم شعائر الله تعد من التقوى ، والشعائر هي معالم الدين-كما قال المفسرون- وإذا كانت مناسك الحج تسمى بالشعائر فإنما لكونها علامات للتوحيد والدين الحنيف، وكل ما هو شعيرة لدين الله فإن تعظيمه مما يقرب إلى الله ولاشك بأن مسجد الجند ومسجد الأشاعر والجامع الكبير الذين أشرق نور الإسلام منهم من أبرز علامات دين الله تعالى وتخليد هذه المناسبة فيهم مما يقرب إلى الله تعالى .
وأما الآية الثانية فهي تأمرنا بأن نفرح بفضل الله وبرحمته المهداه، نعم فلقد تفضل الله علينا بالإسلام ورحمنا بنبيه عليه وآله الصلاة والسلام فأخرجنا من الجهالة الجهلاء إلى الأنوار واللألاء، فيحق لجميع اليمنيين أن يفرحوا بيوم جمعة رجب ويقيموا في تلك المسجاجد الاحتفالات الدينية والمحاضرات المحمدية ويربوا أجيالهم على ذلك حتى يعرفوا عظمة ما هنالك ومن أراد التوسع في حقيقة البدعة والرد على المانعين في الاحتفالات الدينية فليرجع إلى بحثنا الموسوم بـ(مشرةعية الإحتفال بمولد المصطفى – صلى الله عليه وآله وسلم- ) فهو بحث نفيس توسعنا فيه بالرد على المخالفين
وأخيرا أقول لكل يمني كل سنة وأنتم طيبون