الجديد برس : العربي
عدن – إصلاح صلاح
منذ إشراقة الصباح الأولى، يقف العشرات من الشباب في محافظة عدن على أرصفة الشوارع وفي بقعة لا يفارقونها لساعات طويلة. إن صادف أحد المارة ورغب في اصطحابهم للعمل، تظهر عليهم معالم الصحّة، ولكن تبدو على وجوههم المعروقه حوادث الأيام، التي حُفرت بآيات بارعة… حالة من اليأس أصبحت تعم العاطلين عن العمل، بعدما وجدوا أنفسهم اليوم أمام شبح البطالة من جديد، بعد مرور ثلاثة أعوام من الحرب التي أدّت إلى تعطيل النشاط الاقتصادي، ولا تزال تتفاقم يوماً بعد آخر نتيجة عدم الاستقرار الأمني وتباطؤ عجلة التنمية، وعزوف المستثمرين عن إقامة مشاريع استثمارية جديدة، وهنا تتعالى التحذيرات من الدور الذي يجب أن تلعبه الدولة حتى لا تتفاقم المشكلة، ويصبح من الصعب السيطرة عليها، فهل تتنبه الحكومة إلى تصاعد هذه المشكلة وتكثف الجهود لحلها؟
البطالة.. من مخلفات الحرب!
يقول مدير عام الشؤون الاجتماعية والعمل في محافظة عدن، أيوب أبوبكر، لـ«العربي»: «تركت الحرب الكثير من المآسي والآثار السلبية بالذات على الطبقة العاملة، من خلال تسريح عدد كبير من العمالة المحلية والأجنبية، التي كانت موجودة والمرتبطة بالمنشآت الخاصة بالمحافظة، ما أثّر على ذوي وأسر تلك العمالة المحلية، فالبعض حصل على ما يستحقه من قانون العمل، والبعض الآخر لم يحصل على حقه القانوني».
ويؤكد أبوبكر أن نسبة البطالة ارتفعت بعد الحرب بمعدل 40%، مشيراً إلى أن القطاع الخاص كان يساعد في التخفيف من مستوى البطالة، خاصة في القطاعات التي لم تتمكن الدولة من استيعاب العمالة المحلية فيها.
يكمل حديثه: «اليوم بعد مرور 3 سنوات من الانتصار وعودة الحياة الطبيعية في المحافظة، نشعر في وزارتنا أن الأمور بدأت تتحسن مع عودة العمالة الأجنبية للعمل في إطار المحافظة أو المناطق المجاورة، ونحن بدورنا نسهل لهم الإجراءات، لكن ما زالت عملية استيعاب العمالة المحلية ضعيفة وهي بحاجه إلى استثمارات كبيرة جداً».
35% من المنشآت أُغلقت
ويؤكد اقتصاديون أن نحو 35% من المنشآت العاملة في مجال الخدمات، كوكالات السياحة والفنادق والمستشفيات الخاصة والمدارس، و27% من المنشآت الإنتاجية و20% من المنشآت التجارية أغلقت أبوابها، وهذا أدّى بدوره إلى آثار سلبية مباشرة على أكثر من 4.5 ملايين عامل بدرجات متفاوتة.
يقول أحد الشباب: «نحن خريجون من عام 2001م، نعاني من انعدام فرص العمل، وسبب تواجدي في هذا المكان البحث عن الرزق، نشتغل يوم وثلاث أيام نوقف، لا توجد درجات وظيفية بكثرة، بسبب الوضع المتدهور في المدينة، كما أن الدولة من دون كفاءة كافية، ولا يوجد من يساعدنا في الخروج من هذه الأوضاع، لذا لجأنا لعمال الحراج».
ويفسر الارتفاع المخيف في نسبة بطالة الشباب اليمني أساساً بالتدهور الأمني والسياسي الذي تعيشه البلاد، وتعطل عمل مؤسسات الدولة وتوقف الاستثمارات وتدهور العملة المحلية.
مؤشرات تتصاعد
وباتت مؤشرات الفقر ومعدلات البطالة تتصاعد بشكل قياسي، والخطر يزيد خاصة مع عدم وجود أي شبكة حماية فاعلة لحماية المواطن العادي، الذي ليس له مصدر دخل في المقام الأول، وكذلك الموظف الذي بات راتبه لا يساوي شيئاً مع ارتفاع أسعار كل المواد الاستهلاكية الضرورية وغير الضرورية. كما ساهم الوضع العام باليمن في احتقان الشباب، وعزّز المخاوف من التحاق بعضهم بالمنظمات المتطرفة، وخاصة تنظيم «القاعدة» الذي يحاول استقطاب الشباب اليائس والذي يعاني من الفقر والبطالة لفترة طويلة.
هذا ما أكدّه الشاب ياسر: «نعاني من ضيقة المعيشة، تخرجنا من الكليات وما لقينا شغل ولا وظيفة مع الغلا الفاحش، لمن نمد أيدينا؟ ونتوجه ونشتكي لمن؟ هناك من ضاقت عليه الحياة ويأس ولجأ لتنظيم القاعدة بحجة أن الدولة لم توفر له الحياة المستقرة، بعدما كابد في توفير مصاريف حياته الجامعية».
نذر بكارثة
وهناك مستوى آخر للبطالة، مستوى يتجاوز الأوضاع المحلية، فالإجراءات الحكومية المتشدّدة والمتعسفة ضد العمالة في دول الخليج، تُنذر بكارثة كبيرة في المستقبل القريب، وتُهدّد مئات الآلاف من العمال اليمنيين بفقدان مصادر دخلهم، وبعودتهم إلى الداخل اليمني، في ظل أوضاع اقتصادية في منتهى السوء، وهذا يعني إحالتهم إلى بطالة مستدامة!