المقالات

حصاد الخيبة فـي الجنوب المحتل بعد ثلاث سنوات من الفشل

الجديد برس : رأي

حصدت دول العدوان السعودي الإماراتي الأمريكي على اليمن خيبات وهزائم استراتيجية خلال السنوات الثلاث الماضية، بفضل صمود شعبنا اليمني والقوى الوطنية التي تقاوم العدوان دفاعاً عن السيادة والاستقلال.
لم يكن أسلوب قوى العدوان متجانساً في الاستعانة بالجماعات الإرهابية في المحافظات الجنوبية المحتلة تحت مُسمّى (المقاومة الشعبية)، فقد اتجهت الإمارات إلى التعامل مع الجماعات السلفية الجهادية، فيما تعاملت السعودية مع (القاعدة) و(داعش) و(أنصار الشريعة)، ما أدّى إلى تغوّل هذه الجماعات في بعض المدن والمحافظات الرئيسية وخاصة عدن وحضرموت وأبين وتعز.
كان واضحاً أن المستفيد الأكبر من العدوان على اليمن هو الجماعات الإرهابية. ولم يُخفِ وزراء خارجية بعض الدول الكبرى وبعض وكالات الأنباء الغربية والصحف الأمريكية التعبير عن مشاعر القلق لانتشار وتنامي نفوذ الجماعات الإرهابية تحت مظلة العمليات العسكرية للقوات السعودية والإماراتية المعتدية على اليمن.
كشف تحالف العدوان غير المقدّس على اليمن، تناقضات الطبيعة البدوية التناحرية للممالك العائلية الوراثية التي أضفت عليها الثروة النفطية قبل 50 عاما بعض القشور الحداثية الشكلية والمظهرية التي تُخفي تحتها ندوباً من الثارات البدوية القديمة والأطماع التوسعية، تعود جذورها إلى عهود الغزوات الداخلية بين قبائل وعشائر نجد وصحراء وسواحل الخليج، بهدف السيطرة على المراعي ومصادر المياه وطرق القوافل التجارية، قبل أن يأتي الإسلام ليدفع بهذه العشائر البدوية المتنازعة إلى فضاء الفتوحات والغزوات الخارجية، ثم عادت وبصورة حلزونية إلى التنازع مجدداً على ملكية الأراضي وقطع الطرق ونهب القوافل والمراكب التجارية، بعد أفول عصر اقتصاد الخراج، وظهور الاستعمار الذي أخضع مشائخ العشائر البدوية لاتفاقيات الحماية ودفع الرواتب، مقابل الطاعة والولاء والخضوع والتبعية للمتروبول الاستعماري.
لم يعُد خافياً على أحد أن الحاكم الفعلي لإمارة (أبوظبي) محمد بن زايد، بنى منظومة من الأهداف السياسية والاقتصادية والعسكرية أثناء العدوان على المحافظات الجنوبية المحتلة، لا علاقة لها بالأهداف المحددة في إعلانات (عاصفة الحزم) أو (إعادة الأمل) لاحقاً.
في هذا السياق، كشفت العمليات العسكرية لقوى العدوان عدم تطابق المصالح الإماراتية مع الأهداف السعودية التي تريد ضمان حدودها الجنوبية، واستعادة أطماعها التاريخية في مد شبكة أنابيب لنقل النفط من شرق ووسط المملكة السعودية والربع الخالي إلى المحيط الهندي عبر محافظة حضرموت اليمنية.
كانت السواحل والموانئ والجزر اليمنية عقدة لحكام (أبوظبي) منذ عقود. كما أن تمدُّد النفوذ الإماراتي نحو الجنوب الشرقي، باتجاه الحدود العمانية تحديداً، ظل حلماً عتيقاً لبني نهيان، الذين كانوا حتى منتصف القرن الثامن عشر جزءاً لا يتجزأ من الإمبراطورية البحرية العُمانية التي امتد نفوذها من السواحل العربية على ضفاف الخليج الفارسي والمحيط الهندي، إلى ولاية زنجبار في شرق أفريقيا، قبل أن يسيطر الاستعمار البريطاني على هذه السواحل في القرن السابع عشر.
تأسيساً على ذلك وفّر العدوان على اليمن فرصة غير مسبوقة ساعدت حكام إمارة (أبوظبي) على الوصول إلى حدود سلطنة عُمان وميناء صلالة، والسيطرة الكاملة على كافة موانئ خليج عدن والبحر الأحمر والبحر العربي التي تنافس ميناءي دبي وأبوظبي، باستثناء ميناء الحديدة، الذي فشلت قوى العدوان في السيطرة العسكرية عليه!
لا ريب في أن ميناء عدن يُعد من أكبر الموانئ الطبيعية في العالم، وقد تم تصنيفه في خمسينيات القرن الماضي كثاني ميناء في العالم لتزويد السفن بالوقود بعد ميناء نيويورك. ويقع ميناء عدن على الخط الملاحي الدولي رابطاً بين الشرق والغرب، ولا تحتاج السفن فيه لأكثر من 4 أميال بحرية فقط لتغيير اتجاهها للوصول إلى محطة إرشاد الميناء.
ولأهمية هذا الميناء الاستراتيجي، يرى حكام الإمارات أن ميناء عدن يشكل أبرز التهديدات والتحديات، بحيث يمكن أن يقضي على الأهمية الاستراتيجية لمدينة دبي، ولهذا فقد سعوا باكراً لتعطيل الميناء المطل على مضيق باب المندب غربي محافظة تعز اليمنية، بما له من أهمية استراتيجية كممر للتجارة العالمية، ومن ثم السيطرة العسكرية والسياسية على مدينة عدن عبر تواجدهم الميداني الذي أتاحه لهم العدوان على اليمن، واستكمال سيطرتهم عبر حلفائهم في بعض فصائل الحراك الجنوبي والحركات السلفية والجماعات الإرهابية التي ارتضت لنفسها أن تتحول إلى أدوات طيّعة في خدمة قوى الاحتلال.
مما له دلالة أن الإمارات عززت قبضتها الأمنية عن طريق تشكيل ما يُسمى (قوات الحزام الأمني) و(النخب العسكرية) في شبوة وحضرموت والمهرة التي تتبعها مباشرة. وأوكلت مهمة إدارة (الحزام الأمني) و(النخب المناطقية) إلى فصائل سلفية وحراكية وإرهابية موالية لها.  ومن خلال هذا (الحزام) تتحكم قوات العدوان والاحتلال بالداخلين والخارجين إلى مدينة عدن، ويكون تعاملها مع المواطنين بالغالب وفقاً للهوية، إذ سُجِّلت مضايقات تعرض لها أبناء المحافظات الشمالية، خصوصاً الوافدين من تعز، ومنعهم من دخول عدن.
وباتت الإمارات، بالسيطرة على المضيق البحري، تتحكم في حركة السفن التجارية مع حلفائها الدوليين والإقليميين، بما فيهم إسرائيل، ما مكّنها أيضاً من التوجه شمالاً نحو باب المندب وميناء المخا والسيطرة عليهما لاستكمال هدفها المتمثل بالسيطرة على الموانئ اليمنية في السواحل اليمنية الغربية التي تُطل على البحر الأحمر، وعلى رأسها ميناء الحديدة وميناء ميدي.
وخلال دخول قواتها إلى سواحل المخا الاستراتيجية، عملت الإمارات على الاستعانة بقوات جنوبية حليفة لها في معركة المخا بقيادة وزير الدفاع الأسبق هيثم قاسم طاهر الذي عاد أخيراً لقيادة قوات جنوبية تعتبر جزءاً من قوات الإمارات، على الرغم من أن سواحل المخا تتبع جغرافياً محافظة تعز اليمنية، وهو ما أثار المخاوف لدى الكثيرين من بروز الأطماع التوسعية للإمارات، والتي تنفذها عبر حلفائها الرئيسيين المتمثلين بالحراك الجنوبي والجماعات السلفية والإرهابية، في إطار دورها الذي انحصر في العمليات العسكرية على المناطق الساحلية، قبل أن تتدخل أخيراً في مأرب، وتمسك ملف تعز رسمياً.
وتسعى الإمارات اليوم للسيطرة على ميناء الحديدة في إطار معركة الساحل الغربي، والتي أعلن عنها قبل أشهر، وهو الميناء الذي تبنّى المبعوث الأممي السابق ولد الشيخ مشروعاً تسعى قوى العدوان من خلاله إلى تحقيق نصر بلا حرب، من خلال المطالبة بتسليمه لطرف ثالث، وهو ما ترفضه بحزم القوى الوطنية المناهضة للعدوان.
لقد وجدت قوى العدوان والاحتلال في بعض القوى الجنوبية التي تضررت من حرب 1994 الظالمة، غطاءً سياسياً وحاضناً محلياً للعدوان والاحتلال، مقابل مخصصات مالية لبعض القادة ورواتب شهرية لحراساتهم، على نحو ما كان يتعامل به الاستعمار البريطاني مع عملائه المحليين الذين قضت عليهم ثورة 14 أكتوبر الخالدة.
وبتأثير التهافت على الارتماء في أحضان دول العدوان والاحتلال وداعميهم الدوليين، تم توظيف شعارات المقاومة والتحرير التي رفعها عملاء الاحتلال للتنصل من التزامات دول الغزو والاحتلال تجاه الجنوب المحتل بموجب قواعد القانون الدولي التي تنظم الاحتلال.
النصوص والقواعد القانونية التي تُنظم الاحتلال
تعد النصوص والقواعد التي تنظم الاحتلال، من المواضيع المهمة في القانون الدولي العام عموماً والقانون الدولي الإنساني خصوصاً، وذلك بالنظر لخطورة وأهمية الموضوعات التي يعالجها، ونظراً للمقاصد والأهداف التي ترمي أحكامه إلى تحقيقها.
لا تعني دراسة هذه القواعد الإقرار بمشروعية الاحتلال، فهو وضع مؤقت غير مشروع بكل الأحوال، بل إن هذه القواعد في القانون الدولي تم تشريعها لأجل حماية وحفظ حقوق الأفراد وممتلكاتهم، عندما تكون تحت سيطرة سلطة محتلة، وهذا هو الوضع الذي يحدد كون دولة ما تحت الاحتلال تعد حالة واقعية فعلية، أي متى تتحقق شروط ميدانية على الأرض، تتحقق حالة الاحتلال، مهما أسبغت عليها الدولة القائمة بالاحتلال من أوصاف، أو ما يمكن أن تناله من اعتراف، وهي أوصاف فشلت السعودية حتى الآن في تمريرها على المستوى الدولي.
وتبدو أهمية دراسة التزامات السعودية والإمارات تجاه مدينة عدن المحتلة، والجنوب المحتل عموماً، بموجب القانون الدولي العام، على النحو التالي:
• إن القواعد القانونية تتعلق من جهة بحقوق المدنيين تحت سلطة الاحتلال، بمعنى الحقوق التي قررها القانون الدولي بشكل عام، فضلاً عما أوردته الاتفاقيات الدولية والقواعد العرفية التي تحكم الاحتلال، من أهمها الحق في الحياة والأمن والصحة والغذاء والحقوق المالية التي تتعلق بمرتبات الموظفين ومعاشات المتقاعدين وإعانات المصابين بالأمراض المستعصية والمعاقين، وصولاً إلى التعويضات القانونية المستحقة للبلد الذي وقع تحت سلطة دولة الاحتلال مقابل ما تعرض له من دمار للبنى التحتية وقتل وسفك دماء المدنيين من الرجال والنساء والأطفال، في حالة الاحتلال الناتج عن حرب عدوانية -تنتمي إلى الجيل الثاني من الحروب- على دولة حرّة مستقلة ذات سيادة.
• تحدد هذه القواعد، من جهة أخرى، كيفية تعامل سلطات الاحتلال مع السلطات الإدارية في البلد المحتل، حيث قررت هذه القواعد وأجازت لسلطات الاحتلال أن تمارس بعض الصلاحيات على أراضي البلد المحتل، فلها الحق بممارسة بعض صلاحيات السلطة التشريعية، لكن بأوضاع وشروط محددة، ولها أيضاً أن تمارس مهام السلطة التنفيذية وبعض الصلاحيات على السلطة القضائية وتمارس أعمالها، وحددت قواعد الاحتلال لذلك شروطاً دقيقة. كل هذه الصلاحيات يجب أن تمارس وفق أهداف محددة، تتعلق بحماية وحفظ حقوق الأفراد وممتلكاتهم وممتلكات الدولة وأموالها وثرواتها.
• في حالة تعدد الدول القائمة بالاحتلال واختلاف جنسيات المحتلين، سيؤدي إلى اختلاف الأنظمة القانونية التي تطبق عليهم، وتأثير ذلك في الجرائم والمخالفات التي يرتكبونها أو ما يمكن أن يعد كذلك، والمسؤولية المترتبة على ذلك، فضلاً عن اختلاف الأوضاع الاجتماعية والثقافية وأثرها في سلوكهم مع السكان، فالتصرفات التي قد تعد في دول ما اعتيادية قد تعد في مجتمعات ودول أخرى انتهاكاً لحرمة وخصوصية وضع اجتماعي أو ثقافي أو ديني معين، مما يجب مراعاته بموجب القوانين العسكرية لتلك الدول.
• إن أساس التزام السكان في الأراضي المحتلة بأوامر وقرارات سلطات الاحتلال والموظفين العموميين الذين تقوم بتعيينهم، هو أساس واقعي وليس قانونياً، بحكم سلطة (الأمر الواقع)، وعلى السكان طاعة هذه الأوامر حتى لا يتم تنفيذها من خلال القوة العسكرية، حيث يميل المحتل بشكل عام للمغالاة، بل التعسف في ممارسة هذه الاختصاصات.
• قد يظهر للوهلة الأولى من نصوص اتفاقيات جنيف أنها تتضمن إملاء واجب الطاعة على السكان في البلد؛ لكن وبنظرة دقيقة نكتشف أن القانون يملي حدود الطاعة التي يتوقعها من هؤلاء السكان، ولا يمكن تفسيره إجباراً لغرض النيل منهم.
• وبالنظر إلى مصادر قواعد الاحتلال، نجد أن بعضها يستمد أساسه من القواعد العرفية، والبعض الآخر من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، فضلاً عن المصادر التي تضمنتها القواعد العامة للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
• شهد مفهوم الاحتلال تطوراً كبيراً في الوقت الحاضر، لأسباب متعددة، منها قدم القواعد التي تحكمه، فقد مر على وضع (قواعد لاهاي) أكثر من 100 عام، واتفاقيات جنيف أكثر من 50 عاماً، وقد استندت فكرة إعدادها إلى تجارب الحرب العالمية الثانية، وما نتج عنها من معاناة جراء الحرب والاحتلال. ولكن تطور وسائل الحرب الحديثة، وظهور الأسلحة ذات القدرات المدمرة وما تلحقه من خسائر كبيرة وهائلة بالمدنيين والمنشآت المدنية، وظهور دور للأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن حول الموضوع، كل ذلك فرض التزامات قانونية لا يجوز لقوى الاحتلال تجاوزها.
• هناك حاجة أيضاً لملاحقة آثار الأضرار البيئية والإنسانية الناجمة من جراء ارتكاب جرائم حرب وجرائم معادية للإنسانية واستخدام أسلحة متطورة ومحرمة دولياً، فقد تظهر الكثير من الآثار بعد مدد زمنية وفي الأجيال القادمة، مما يتطلب الاستعداد لذلك ربما منذ الآن، وعلى وجه الخصوص في المناطق التي قصفتها طائرات العدوان السعودي الإماراتي بأسلحة محرمة دولياً، مثل القنابل النيترونية والفراغية والفوسفورية والعنقودية والحرارية في محافظة  صعدة بأسرها، وفي الأحياء السكنية المحيطة بنقم والنهدين وعطان بالعاصمة صنعاء، وفي حي صالة ومدينة المخا والقرى المحيطة بميناء ذوباب بمحافظة تعز، وخور العميرة ورأس العارة في محافظة لحج، وفي منطقة صيرة والعريش بمحافظة عدن، بالإضافة إلى بعض مدن وأسواق محافظة الحديدة وصالات الأفراح والعزاء.

احمد الحبيشي – لاميديا