المقالات

انصار الله ومشروع الدولة 2 – 3

الجديد برس : رأي 

انصار الله ومشروع الدولة 2
حمير العزكي
 
عندما انطلق ماراثون مؤتمر الحوار الوطني في ال18 من مارس 2013م والذى استمر ل 10 أشهر متتالية كان لمكون انصار الله مشاركته الفاعلة في كل موضوعات الحوار وفي كل الفرق المنبثقة عنه ولعل المشاركة الأبرز كانت لممثليه في فريق بناء الدولة وذلك من خلال الرؤية الأكثر نضوجا و حداثة وموائمة وملائمة للحالة اليمنية بكل تفاصيلها و تعقيداتها والتي عبرت عن الخلفية السياسية و الفكرية والإدارية التي يحملها هذا المكون الجديد المثير للتساؤلات المحفوفة بالغموض والتكهنات عمدا احيانا و جهلا احيانا أخرى.
 
إن تلك الرؤية التي قدمها انصار الله لبناء الدولة هي المخولة وحدها بالتعبير عن موقفهم من مشروع بناء الدولة اليمنية الحديثة كونها الوثيقة السياسية المكتوبة الوحيدة الصادرة عنهم، ولكن لأن هذه الرؤية تحمل مايكفي لدحض كل افتراءات واشاعات خصومهم الموجهة ضدهم والتي لطالما تعمد أولئك الخصوم بكل فجور الخصومة تجاهلها وتغييبها بل وصل بهم الأمر إلى اغتيال مهندسها البروفيسور العلامة أحمد شرف الدين قبيل انتهاء مؤتمر الحوار الوطني!!!
 
قليلون جدا من يتحدثون عن تلك الرؤية واقل منهم من يعرفون مضامينها ولذلك يكثر اللغط وتتعاظم التكهنات وتتعالى الشائعات حول موقف انصار الله من بناء الدولة إلى درجة اتهامهم بتقويض الدولة والانقضاض عليها!!! فماهي المضامين الابرز لرؤية انصار الله حول بناء الدولة؟؟
يرى انصار الله ان هوية الدولة يجب ان تكون مدنية اتحادية مستقلة ذات سيادة وأن الاسلام دين الشعب وليس دين الدولة لأن الدولة تحكم ولاتعبد ومن هوية الدولة أيضا أن اللغة العربية اللغة الرسمية للدولة وان الشعب جزء من الأمتين العربية والإسلامية ومن هوية الدولة أن الشعب مالك السلطة ومصدرها
وأن تلتزم سلطات الدولة بثوابت الاسلام كإطار جامع لكل المذاهب والاجتهادات كما يرون ايضا أن جميع المذاهب الإسلامية معتبرة وحق التعبد بها مكفول والنيل منها جريمة كما يرون ضرورة الفصل بين السلطات والتعددية الحزبية وسيلة التداول السلمي للسلطة وحتى اقتصاد الدولة يرى انصار الله أن يقوم على اساس اقتصاد السوق والعدالة الاجتماعية.
 
أما شكل الدولة فيرى انصار الله إنشاء دولة مركبة اتحادية يحدد مؤتمر الحوار الوطني تفاصيلها بالتوافق الطوعي مع التركيز على طوعية التوافق وليس الفرض كما حدث بعد ذلك، ويرى انصار الله أن نظام الحكم في الدولة ينبغي ان يكون نظاما برلمانيا لأنه يعبر عن إرادة الشعب بصورة أكبر فالبرلمان يأتي عبر نظام انتخابي يعتمد على القائمة النسبية التي تضمن تمثيل جميع الأطراف كما أنهم يرون اعتماد اللامركزية الإدارية المرفقية و المحلية كنظام إداري أنسب.
 
هذه رؤية انصار الله للدولة وبناءا عليها يفترض ان يبني الآخرون مواقفهم وقناعاتهم ويوجهوا إليها و من خلالها نقدهم بعيدا عن التخمينات والتكهنات والافتراضات وعلى الآخرين أيضاً أن يملكوا الشجاعة ليحاججوهم بها ويحكموا عليهم من مضمونها ان كانوا صادقين.
 
انصار الله ومشروع الدولة 3
 
بدات معطيات معادلة الساحة السياسية الداخلية تتغير مع انتهاء مؤتمر الحوار الوطني و تسارعت الأحداث بصورة كبيرة فمع تدهور الوضع الأمني و محاولات الحكومة تلافي الإنهيار الاقتصادي بفرض إصلاحات اقتصادية من خلال رفع الدعم عن المشتقات النفطية (جرعة جديدة) خرج الشعب بمظاهرات احتجاجية انتهت بثورة ال21 من سبتمبر 2014م والتي تلاها توقيع اتفاق السلم والشراكة بين جميع الأطراف السياسية اليمنية وبرعاية أممية وتشكيل حكومة جديدة ،ذلك الاتفاق الذي تباطأت بعض الأطراف في تنفيذه محاولة الالتفاف عليه بداية بمحاولة فرض مسودة الدستور الجديد الغير متوافق عليها وانتهاءً باستقالة رئيس مجلس الوزراء ورئيس الجمهورية بهدف خلق حالة الفراغ والفوضى.
 
عندها تصدر انصار الله المشهد وتولت اللجنة الثورية العليا مهام السلطة لتبدأ مرحلة جديدة من علاقة انصار الله بالدولة، فاللجان الثورية منذ تأسيسها كانت ضرورة وحلا بديلا لمحاربة الفساد بعد ان رفضت السلطة تمكين الثوار من الأجهزة الرقابية وكذلك الحال في توليها مقاليد الحكم وذلك تفاديا لحالة الفوضى التي خططت لها القوى الخارجية ونفذتها القوى الداخلية العميلة.
 
وكانت فرصةً قوية لأنصار الله لإثبات رؤيتهم فيما يخص الدولة وقد نجحوا في ذلك فحافظوا على ماتبقى من مؤسسات الدولة المنهكة بالأزمات والمثقلة بتركة الفساد المستشري في اجزائها، كما قاموا بالعديد من الخطوات في مسار الحفاظ على الدولة وترميم كيانها ابتداءً بفرض هيبتها وسيطرتها على كل أراضيها وتجفيف منابع الإرهاب في بعض المحافظات التي كانت قد أعلنت بعض مناطقها إمارات لداعش والقاعدة وكذلك القضاء على الفساد المالي والإداري بترشيد الإنفاق الحكومي وتفعيل دور الرقابة الشعبية.
 
لم يترك أعداء اليمن الفرصة لأنصار الله لإكمال مشروع إحياء الدولة وإنقاذ ماتبقى منها فسرعان ما شنوا عدوانهم الغاشم على اليمن بتحالف عربي ودعم ورضى أمريكي وصمت ومباركة أممية ورغم كل ذلك ظلت الدولة قائمة واستمرت مؤسساتها تؤدى خدماتها وتقوم بواجباتها في حدود إمكانياتها وماتبقي لها من موارد تحت سيطرتها، مقاومة بكل صمود ضراوة العدوان وشدة الحصار ومواجهة في كل الجبهات باستبسال وثبات.
 
لم يكن ورادا في تفكير انصار الله في يوم من الايام او مرحلة من المراحل الاستئثار بالسلطة او الاستحواذ عليها مهما كانت الظروف مواتية لذلك بدليل اتفاق السلم والشراكة بعد نجاح ثورة ال 21 من سبتمبر وكذلك ايضا الاعلان الدستوري الذي أصدرته اللجنة الثورية العليا والذي تضمن إنشاء مجلس وطني يتشكل من 551 عضو الاولوية للراغبين المشاركة فيه من أعضاء مجلس النواب الحالي والبقية من كافة القوى والأحزاب السياسية والشخصيات الوطنية ولكن لم يكتب للإعلان الدستوري الاكتمال وتم تجميد العمل به بعد ان توصل المؤتمر الشعبي العام وأنصار الله إلى اتفاق الشراكة الذي نتج عنه تشكيل المجلس السياسي الأعلى وحكومة الإنقاذ الوطني كإثبات آخر على حرص انصار الله على الشراكة الوطنية كأساس من أسس البناء والحفاظ على الدولة