نجحت صنعاء في إرسال رسالتها «الصامتة» إلى «المعنيين»، عبر عملية «تحذيرية»، هي الأولى من نوعها، تستهدف فيها ناقلة نفط سعودية أثناء عبورها المياه الدولية في البحر الأحمر، تبيّن أمس أنها من نوع حاملات النفط العملاقة. الرسالة تخطت الرياض ووصلت إلى واشنطن التي استفاقت مجدداً على خطر تهديد الممر المائي الدولي ذي الأهمية الاستراتيجية
بحسب المسؤولين اليمنيين المعنيين بملف العمليات العسكرية في البحر الأحمر، ثمة إصرار في صنعاء على أن تصل رسالة ضرب ناقلة النفط السعودية، أول من أمس، ويعيها أصحاب القرار بالحرب على اليمن في واشنطن والرياض «وإلا فإن الأيام المقبلة ستشهد تصعيداً خطيراً وستتكرر العمليات المشابهة، لا بصيغة تحذيرية فحسب، بل سيكون الثمن كبيراً». بالنسبة إلى مصادر يمنية تحدثت إلى «الأخبار»، كان المطلوب إشهار ورقة البحر الأحمر، لإيصال رسالة مفادها أن لدى القيادة اليمنية الكثير من الأوراق المؤلمة التي ستجبر المعنيين دولياً، وأميركياً بالتحديد، على عدم تجاهل ملف العدوان السعودي، وإدراك أولئك «الصامتين» أن ثمن الحصار والمجازر التي يرتكبها العدوان، وآخرها مجزرة الحديدة، سيرتفع ويطاول الجميع «إذا لم يوضع حد للغطرسة السعودية».
وأمس، علق البيت الأبيض على العملية اليمنية، معرباً عن «انزعاج بالغ» للولايات المتحدة من تصعيد الحرب في اليمن «بمهاجمة سفينة تجارية في باب المندب أحد أكثر ممرات الشحن في العالم ازدحاماً». ودعا البيت الأبيض، في بيان، حركة «أنصار الله» إلى «وقف تصعيد الصراع وإبداء التزام الحوار»، علماً أنه لم يصدر عن أي جهة في صنعاء، سواء دبلوماسية أو عسكرية، تعليق على الحادثة.
اعتبار واشنطن أن الهجوم جرى في باب المندب الذي وصفه بيان البيت الأبيض بـ«أحد أكثر ممرات الشحن ازدحاماً في العالم»، برغم أن الهجوم حصل في المياه الدولية للبحر الأحمر قبالة مدينة الحديدة، وعلى مسافة بعيدة من مضيق باب المندب، يعد إشارة واضحة على إدراك الأميركيين لخطورة التصعيد بما قد يتهدد مصالح الدول الكبرى. أما الرياض، فكان لديها رأي آخر بهذا الشأن، حيث قلل وزير الطاقة خالد الفالح من أهمية الهجوم، محاولاً الطمأنة إلى أن العملية «لن تؤثر بالنشاط الاقتصادي أو تعطل إمدادات النفط». وفي تغريدة للفالح على حسابه في «تويتر»، أمس، قال إن «ما تعرضت له ناقلة النفط غرب ميناء الحديدة من اعتداء إرهابي حوثي، ما هي إلا محاولة يائسة للتأثير بأمن الملاحة الدولية».
55 قتيلاً من الجيش السعودي في شهر آذار بحسب إحصائية يمنية
لكن تصريحات الفالح، المقلّلة من خطورة الحادثة، بدت متعارضة مع تصريحات البيت الأبيض المتخوّفة من التصعيد قرب الممر الدولي، وكذلك تصريحات المتحدث باسم «التحالف العربي» ضد اليمن تركي المالكي، الذي كرر أمس التحذير من أن «ميليشيات الحوثي تهدد الملاحة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب». وأعلن المالكي استهداف طيران «التحالف» لمعامل «تصنيع زوارق مفخخة» في الحديدة.
إلا أن مصدراً يمنياً مطلعاً كشف لـ«الأخبار» أن عملية ضرب ناقلة النفط السعودية جرت بصاروخ بر ــ بحر من طراز «مندب 1» المطور محلياً، وليس من طريق الزوارق المفخخة. وعلق المصدر على كلام المتحدث باسم «التحالف» السعودي بالقول إن «غارات اليوم (أمس) على الحديدة لم تصب أي هدف»، مؤكداً امتلاك القوة البحرية لمنظومة دفاع بحري تشتمل، إضافة إلى الألغام البحرية، على أنواع متعددة من الأسلحة، بينها «زوارق موجهة» تحرك عن بعد، وصواريخ بر ــ بحر، من بينها منظومة «مندب 1» المطورة محلياً والتي كُشف عنها للإعلام.
وكان المصدر قد أكد صحة بيان «التحالف» بشأن إصابة ناقلة النفط في المياه الدولية قبالة شواطئ الحديدة. وأكد أن القوات اليمنية استهدفت ناقلة النفط بصاروخ «بر ــ بحر»، وقال إن القوة البحرية قادرة على استهداف كامل البحر الأحمر، وصولاً إلى شواطئ القرن الأفريقي، وأنه «من الآن فصاعداً ليس لهم (التحالف السعودي) أمان في البحر»، محذراً من أن الأيام المقبلة قد تشهد تصعيداً لعمليات القوة البحرية.
وحتى ليل أمس، لم يصدر عن السلطات السعودية توضيح بشأن ناقلة النفط المستهدفة، إلا أن القوة البحرية التابعة للاتحاد الأوروبي أفادت بأن الناقلة تحمل اسم «أبقيق». وبحسب بيانات الشحن، فإن السفينة المستهدفة كانت ناقلة نفط عملاقة وكانت ترفع العلم السعودي وتحمل مليوني برميل من النفط، وتعود ملكيتها إلى «الشركة الوطنية السعودية للنقل البحري» التي لم تصدر توضيحاً بشأن ما تعرضت له سفينتها، كذلك فإنها تجاهلت طلباً للحصول على تعقيب تقدمت به «رويترز»، وفق ما نقلت الوكالة.
هذه المؤشرات جميعها تشي بأن الساحة اليمنية مقبلة على تصعيد ميداني واسع على عتبة العام الرابع للحرب، تبرز فيه الهجمات الصاروخية التي لا تهدأ، وآخرها أمس باستهداف خزانات «آرامكو» النفطية في جيزان بصاروخ «بدر 1»، قال «التحالف» إنه نجح في اعتراضه. إلا أن «نجاحات التحالف»، واعتبار المتحدث باسمه أنه يملك «زمام المبادرة أرضاً وجواً وبحراً ويعمل على تأمين الملاحة في مضيق باب المندب ومياه البحر الأحمر» وتلويحه بعملية اجتياح صعدة كـ«أولوية»، مواقف لا تصمد أمام الرد اليمني المتصاعد، فيكتفي بتعداد الصواريخ التي بلغت وفق المالكي 107 صواريخ، فيما بلغ عدد قتلى الجيش السعودي 55 قتيلاً في شهر آذار فقط، بحسب إحصائية يمنية.