الأخبار عربي ودولي

لهذا يرفض البشير سحب قواته من التحالف السعودي.. رغم الخسائر المهولة!

الجديد| شفقنا:

 

في أواخر يناير (كانون الثاني) الماضي، طلب التحالف العربي الذي تقوده السعودية في حرب اليمن، من القوات السودانية الاستعداد لمهمة قتالية في عُمق الأراضي الحوثية في محافظة حجة، شمال غرب اليمن، وأُسندت المهمة للمقدّم عبد الله محمد صالح رئيس أركان حرب القوات السودانية في اليمن. حين جاءت إشارة التحرّك، خرج الطاقم العسكري المُكوّنُ من عشرات الآليات والدبابات يقصدُ صحراء «ميدي» الحدودية، حيث الأرض الوعرة التي لا تخضع لسيطرة أحدٍ إلا أولئك الجبليين -جماعة الحوثي-، الذين أعدّوا الكمائن، ودفنوا الألغام، ثم طوّقوا القوات، وبدأوا في إبادتهم بلهيب نيرانهم. يقولُ الحوثيون إنهم ظفروا بجثة القائد السوداني، وأحرقوا ما تبقى من الجيش الصغير.

وقبل عدّة أيام، نجح الحوثيون في استدراج الجنود السودانيين وقوات الرئيس هادي إلى صحراء «ميدي» مرة أخرى، ثم فاجأوهم بالدهاء نفسه وزادوا عليه صاروخًا بالستيًّا أصاب أهدافه بدقّة، وفيما كان الإعلام الحربي للحوثي ينشرُ صور الأشلاء، ومُتعلقات الضبّاط، كانت الصحف السودانية تقول إن الخسائر بلغت 94 قتيلًا، وعشرات الجرحى، والأعداد في زيادة.

هذا التقرير يوضّح لك لماذا يغامر الرئيس السوداني البشير بإغضاب شعبه برفضه علانية سحب قواته من التحالف العربي، رغم الأزمة الاقتصادية التي تجتاح البلاد.

 

حصاد الحرب المُقدسة.. يُقتلون في اليمن ويُدفنون في «البقيع»

حين بدأت التحضيرات لحرب اليمن في عام 2015، طلبت السعودية والإمارات من كل من مصر وباكستان والمغرب وتركيا وبنجلاديش، المشاركة بقوّات عسكرية بريّة، لكنّ طلبهما قوبل بالرفض، حتى أنّ الرئيس السيسي أعلن وقتها أنّ «الجيش للوطن فقط»، قبل أن يتراجع ويعلن المشاركة رسميًّا بعد ضغوط إماراتية، لكنّ المشاركة ظلّت بعيدة عن تقديم أية قوات برية.

في تلك الأثناء كانت الدول الخليجية –عدا قطر– تشارك في العقوبات الاقتصادية على السودان، والتي أقرّتها الولايات المتحدة منذ عام 2009 بسبب علاقات البشير مع طهران، لكنّ الرئيس السوداني يقرّر ترك حلفائه الذين لا يدفعون بسخاء المتمثّلين في إيران، ثم يُعلن انضمام بلاده إلى «عاصفة الحزم» ضد الحوثيين القريبين من إيران، تحت شعار «حماية أرض الحرمين الشريفين، وحماية الدين والعقيدة» ليس هذا فقط؛ بل إن وزير الدفاع السوداني أعلن أن المشاركة تتمثل في قوات برية وجوية. وبعد أيام، تصل الدفعة الأولى من الجنود السودانيين تضمّ 1200 جندي، بالإضافة إلى عشرات الآلات الثقيلة والمدرعات العسكرية.

إضفاء بُعد إسلامي على الحرب، إضافة إلى التنازلات الجريئة التي قدّمها السودان استدعت مكافأة الدول الخليجية؛ فالسعودية التي رفضت أواخر عام 2013، السماح لطائرة البشير بعبور مجالها الجوي أثناء توجّهه إلى طهران لحضور حفل تنصيب الرئيس حسن روحاني، كما أنّها عاقبت الخرطوم عام 2014، بإيقاف تحويلات صرف أكثر من 500 ألف سوداني مقيم في المملكة، بدأت تغيير استراتيجيّتها تجاه السودان في 2015، بعد دخولها في حملتها ضدّ اليمن، فالملك سلمان يزور السودان، والإمارات تمنح الخرطوم نصف مليار دولار وديعة، والتي أسفرت عن استقرار سعر صرف الجنيه السوداني، والسعودية تحوّل الدعم الماليّ من مصر إلى الخرطوم، في ظل توتراتها مع القاهرة، فيحصل السودان في أول عامين من الحرب على استثمارات سعودية بلغت 15 مليار دولار.

وبعيدًا عن المكاسب السياسية، فإن القوّات السودانية التي تحرس الحدود السعودية، والتي تتعرض باستمرار للقصف الحوثي، وتبرز كأكثر القوات المشاركة في التحالف على أرض المعركة، تعرّضت للمواجهة المباشرة أكثر من مرة مع الحوثيين الذين توعّدوهم بالإبادة التي وصفوها بقولهم إن «رئيسهم هو من يدفعهم إلى المحارق في اليمن». لم تكن هذه التهديدات مجرّد كلام، فقد أصبحت واقعًا حقيقيًّا بالعودة إلى التصريحات الرسمية في الجانب الآخر، فقائد قوات الدعم السريع في الجيش السوداني صرّح بأنّ عدد القتلى بلغ 412 بينهم 14 ضابطًا خلال المعارك في اليمن، كما كشف أنّ التحالف دفع بهم في 40 جبهة قتال، وهو ما يجعل تعداد الضحايا ضعف ذلك الرقم، وفق مراقبين.

بعد أن تأخّر الحسم، قرّر البشير أن يُرسل دفعةً جديدةً من القوات السودانية إلى اليمن، لكنه ألحق بها هذه المرة قوات الدعم السريع، وهي مجموعات شرسة استعان بها الرئيس السوداني للقضاء على متمرّدي دارفور. البشيرُ في كل مرة يُردّد أن تواجد قواته محدود ورمزيّ ولن يتجاوز حدود لواء من المشاة، لكنّ وزير الإعلام السوداني أعلن أن بلاده وضعت 6 آلاف جندي تحت تصرّف السعودية؛ بينما تُشير تقارير أخرى إلى أن تعداد القوات قد يصل إلى أكثر من 8 آلاف.

من جهة أخرى، فالتحالف نفسه أشاد في رسالة استثنائية بدور القوات السودانية الفاعلة في الحرب، وبالرغم من أنه ليس هناك أرقام رسمية واقعية لأعداد المشاركين أو القتلى، إلا أنّه بدا واضحًا أن القوات السودانية هي من تتحمل الخسائر البشرية؛ نظرًا إلى أنها هي من تُدفع للمواجهات المباشرة، أو تكون في الخطوط الأمامية للقتال، وهو ما يُستدل عليه بالصور التي ينشرها الحوثيّون عبر إعلامهم الحربي، وحين تُقتل القوات السودانية تتكفل السعودية بدفنهم في مقابر البقيع في المدينة المنورة، ليكتمل شعار الحرب المُقدسة التي ذهب الجيش السوداني من أجلها.

 

رغم الخسائر.. البشير «لا يملك» الانسحاب من التحالف العربي

ارتفاع أعداد القتلى في الصفوف السودانية جعل نوّاب المعارضة في البرلمان يطالبون باستجواب وزير الدفاع بشأن الكيفية التي تشارك بها القوات في اليمن. وفي الجلسة المُغلقة التي مُنعت عنها التغطية الإعلامية ونقل تفاصيلها في ما بعد نواب حضروا الجلسة، دافع الوزير عن وضع قواته، واعتبر أن مشاركتها رمزية، كما رفض فكرة الانسحاب من الحرب، كما أنّ الرئيس السوداني نفسه أكد في خطابه الأخير أمام البرلمان، أن بلاده ستستمر في دعم الشرعية في اليمن إلى أن يتحقق النصر، وأن الجيش السوداني لن ينسحب من هناك.

في تلك الأثناء كان وزير الطاقة الإماراتي في الخرطوم يبحث مع الحكومة نقل خبرة بلاده لتطوير البنى التحتية في مجال الطاقة الشمسية في البلاد، والتي تزامنت مع إعلان صندوق النقد العربي توقيع اتفاقية حصل السودان بموجبها على قرض بقيمة 100 مليون دولار.

وبعد ساعاتٍ من نشر تفاصيل اللقاء السري، اتصل ولي العهد السعودي هاتفيًا بالبشير، وهي سابقة لم تحدث من قبل. وبحسب ما نشرته الوكالة الرسمية للسودان، فإن الحديث تناول القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، والاتصال يأتي أيضًا في سياق تحضيرات القمة العربية التي سيحضرها البشير، وإحدى المناورات التي يستعد لها البشير، والتي سُتحدد نتائجها مصير قواته في التحالف العربي.

يأمل السودان خلال القمة الحالية حشد الدول العربية وعلى رأسهم دول التحالف للضغط على الولايات المتحدة لرفع اسمه من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب، وهي الخطوة التي ينتظرها البشير منذ 20 عامًا، والتي يبدو أنها المكافأة التي ينتظرها من مشاركة بلاده في حرب اليمن، وكان من المقرر أن ترفع الولايات المتحدة العقوبات عن السوادن، قبل أن يتمّ تأجيل رفع الحظر الاقتصادي ثلاثة أشهر أخرى، لكنّ الشكوك حامت حول دور السعودية في تأجيل رفع الحظر، بسبب موقف البشير من أزمة حصار قطر التي أغضبت الملك.

أيضًا يخشى البشير في حال سحب قواته، من أن تنتقم السعودية منه عبر القوانين المُطلة، ففي عام 2013، أقرت السعودية قانون «العمالة السعودي»، وقرّرت فجأة ترحيل 50 ألف سوداني إلى بلادهم، بسبب عدم توفيق أوضاعهم في المملكة بطريقة قانونية، وتمثل العمالة السودانية نسبةً كبيرةً من العمال الأجانب، وما يُخيف البشير أنّ ولي العهد السعودي سنّ قانون «السعودة»، والذي يهدف إلى رفع نسبة السعوديين العاملين بالقطاع الخاص عن طريق التخلص تدريجيًّا من العمالة الوافدة، وفرض رسوم إضافة عليها.

ويعاني السودان منذ انفصاله عام 2011، من ازدياد نسبة التضخم الداخلية التي بلغت في ديسمبر (كانون الأول) العام الماضي 25.15% على أساس سنوي، في ظل ارتفاع أسعار المحروقات، والسلع الأساسية، والأدوية، إضافة إلى غرق الجنيه السوداني في السوق السوداء، ورغم أنّ الحكومة تعوّل على رفع العقوبات الاقتصادية لبدء عصر التنمية؛ إلا أن المعارضة الداخلية تُشكك في رواية الحكومة، وتُرجع الأزمة الاقتصادية إلى الفشل الحكومي، لذا يحتاج البشير إذا قرر الترشح للانتخابات الرئاسية عام 2020، إلى الظهور ببرنامج جديد يستند إلى مبادرة للأمن الغذائي بعد تكوين آليتها التنفيذية، والتي تنتظر تمويلًا خليجيًّا، إضافة للتعجيل بعقد مؤتمر الإعمار والتنمية في السودان.

البشير الذي أغضب السعودية والإمارات عندما لم يتخذ موقفًا مُعاديًا من قطر خلال الأزمة الخليجية، إضافة إلى أنه منح تركيا جزيرة سواكن الاستراتيجية التي منحت إسطنبول دورًا في صراع السيطرة على مواني البحر الأحمر، ما زال يُحافظ على توازنه السياسي بين أصدقائه القُدامى، وحلفائه الجُدد. يقول الصُحافي السوداني أسامة عبد الحليم لـ«ساسة بوست»: «مشاركة السودان في التحالف العربي، إضافة لعلاقته مع قطر وتركيا، تظهر البشير بمظهر السياسي المُحنّك، أكثر من مظهر التاجر الذي تُحركه مصالحه وسياساته».

 

 

المُعارضة تُعرقل خُطط البشير

في الوقت الذي أقدم فيه البشير على الإفراج عن كافة المسجونين السياسيين في البلاد، تزامنًا مع ارتفاع حدّة النقد والسخط الداخلي نتيجة الوضع الاقتصادي، وإصرار المُعارضين على إجبار الحكومة على سحب القوات السودانية مما يُسمونه «المحرقة اليمنية»، تقدم محامٍ سوداني بطعن للمحكمة الدستورية السودانية ضد البشير يتهمه فيه بانتهاك الدستور عن طرق إرسال قوات سودانية للقتال خارج البلاد وتعريضها للخطر، كما يطالب المحامي بإعادة القوات، وتعويض المتضررين من تنفيذ قرار غير دستوري.

المثير أنّ الطعن الدستوري حشد له آلاف المؤيدين بعد أقل من أسبوع على إعلان البشير استمرار القوات السودانية في اليمن، والتي تزامنت مع أكبر خسائر بشرية تعرضت لها القوات في صحراء «ميدي» اليمنية، ورغم أنّ الحكومة انتصرت على معارضة البرلمان عن طريق الإعلان أنّ القرار جاء أثناء عطلة المجلس، إضافة إلى أنّ الخرطوم ملتزمة بالدفاع عن المقدسات الإسلامية، وإعلان البشير رسميًّا عدم انسحاب القوات، إلا أنّ ذلك الطعن قد يكون الشرارة التي تُطيح كل أوراق البشير.

ولا يُمكن قراءة الغضب الشعبي بمعزل عن رأي الجيش السوداني في ذلك القرار، وتجدر الإشارة إلى أنّ البشير اتخذ قرارًا استباقيًّا في أواخر فبراير (ِشباط) تمكن من خلاله من إطاحة رئيس الأركان، كما شمل القرار تغييرات واسعة في قيادة القوات المسلحة، طالت أغلب قادة وحدات الجيش الرئيسية، ويُمكن قراءة تلك التغييرات في ظل اعتراض اللواءات السابقين في الجيش على قرار البشير، والذي من المحتمل أنّه قد قاده في النهاية إلى إطاحة المُعارضين؛ تمهيدًا لإعلان استمراره في التحالف العربي.

وفي حال خرج البشير خائبًا من القمة العربية، ولم يحصل على دعم اقتصادي لنظامه الذي يواجه أمواج أزمة اقتصادية وغضب سياسي، فإن البشير الذي يقود تحالفات متناقضة قد يُفاجئ الجميع بإعلانه الانسحاب من اليمن، إذا وجد صفقة جديدة، وربما ينتهي الأمر عند قرار المحكمة الدستورية.