الجديد برس : رأي
عبدالحافظ معجب
كان الثائر الأممي تشي جيفارا يقول: لا يهمني أين ومتي سأموت، بقدر ما يهمني أن يبقى الثوار يملؤون العالم ضجيجاً. يعتبرني الكثيرون مغامراً، وفعلاً أنا مغامر، لكن من طراز مختلف عن الساعين وراء نزوات فردية عابرة.
وقالها ثائرنا اليمني العظيم صالح الصماد الذي استشهد وهو لا يملك بيتاً وأولاده يسكنون شقة إيجار: (إذا استشهد صالح الصماد آخر الشهر فلن يجد أبناؤه أين ينامون إلا أن يعودوا الى مسقط رأسهم، وهذه نعمة كبيرة بفضل الله سبحانه وتعالى). وخلال حضوره تخرج المقاتلين من دفعة الشهيد طه حسن المداني، قال: (نصحنا الكثير بإرسال من يحضر هذا التخرج، فأبينا إلا أن نحضر بين أوساطكم، فليست دماؤنا أغلى من دمائكم، وجوارحنا ليست أغلى من جوارحكم).
بمراجعة بسيطة لكلمات وخطابات القائد الصماد، نستطيع أن نرى بوضوح ثورية الرجل وجهاده، وهذا ما يفسر حب الناس له، وتعلقهم به، وإصرارهم على مواصلة مشروعه في بناء الدولة وإعادة الاعتبار لمؤسساتها، وأيضاً إعادة الاعتبار لمؤسسة الرئاسة التي شرفها الصماد ورسم لها مسارات مختلفة عما كنا نعرفه طوال العقود الماضية، وهذا يذكرنا بنموذج الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي.
أوجه الشبه كبيرة بين الرئيسين الشهيدين الصماد والحمدي، بدءاً من إرسائهما قواعد بناء الدولة المؤسسية، وصولاً الى التزامهما بقسم الحفاظ على اليمن واستقلاله وسيادته ووحدة أراضيه ورفض الوصاية السعودية عليه، غير أن المشكلة التي واجهت اليمنيين بعد استشهاد الحمدي أن القتلة تولوا إدارة البلاد، ومات مشروع الدولة، بعد أن دفن جثمان الحمدي في مقبرة الشهداء، دفنت أحلام اليمنيين وآمالهم وكرامتهم، أما الشهيد الصماد فقد ودع اليمنيون جثمانه وهم متفائلون بخلفه الرئيس مهدي المشاط، وكل الشعب صماد صامد مصمم على إكمال المشوار، ومواصلة المسيرة.
مخطئ من يعتقد أن الموت هو انتهاء أجل الإنسان وصعود روحه إلى بارئها، فانعدام الكرامة وقبول المذلة والهوان موت، والاستسلام للمستعمر والمحتل والخضوع لهما موت، وحب المناصب والتمسك بالكراسي والقصور موت.
الرئيس الصماد في أقل من عامين نقل اليمن دولة وشعباً من مرحلة الموت إلى مراحل الحياة، وبعث فيهم الأمل الذي فقدوه خلال العقود الثلاثة الماضية، سعى لإعادة الحياة إلى عقولهم ونفوسهم وأرواحهم، ظل يخاطب عقولهم ويوقظ وعيهم ويحرك أدمغتهم بأفكاره التنويرية والثورية وخطاباته القرآنية النورانية، أسس لمرحلة جديدة انتشلت مؤسسة الرئاسة من حالات الموت، بجهاده وتضحياته كان الحافز الأول للمجاهدين في الجبهات وهو يواجه المخاطر ويتقدم الصفوف، وقناعته أن مسح الغبار من أقدام المجاهدين أفضل من كل المناصب والقصور.
بإعلان استشهاد الصماد أطلق العدوان العنان لأبواقه ومرتزقته وماكينته الإعلامية لتوظيف الحدث، واستغلاله لضرب معنويات الشعب وإحداث خلل أو خرق في جبهاته السياسية والعسكرية، غير أن وعي القيادة وثقة الشعب كانتا أكبر من خزعبلات إعلام العدوان، فالمسيرة التي لم تتأثر باستشهاد قائدها ومؤسسها السيد حسين الحوثي، حتماً لن تتأثر باستشهاد الرئيس الصماد، لأن روح الثورة موجودة في كل يمني.