كتب | أبوبكر عبدالله
حتى فجر امس استمرت الطائرات الاماراتية بنقل المزيد من العتاد العسكري الثقيل والذخائر والكتائب الاماراتية ومعها كتائب المليشيا المحلية المدربة في القاعدة المستأجرة في اريتريا الى محافظة ارخبيل سقطرى، في هستيريا احتلال لم تقف عند رسائلها بانتهاء دور حكومة عملاء الرياض وعدم صلاحيتها بل تجاوزت ذلك إلى تحد سافر للقوانين والاتفاقيات الدولية التي تجرم ممارسات حاكم امارة ابوظبي محمد بن زايد في احتلال المحافظات الجنوبية بالقوة الغاشمة وإدارتها عسكريا.
محافظة ارخبيل سقطرى جوهرة العالم النادرة بسكانها الذين يناهزون الــ 120 الف نسمه تعيش منذ الأسبوع الماضي اوضاعا استثنائية متوترة خلفها التدخل العسكري الواسع النطاق للغازي الاماراتي بعدما اغرقها بترسانة من الاسلحة الثقيلة والمروحيات وكتائب المليشيا في خطوة أشعلت مخاوف السكان الذين اصطفوا لمناهضة هذه القوات مطالبين بطردها من مناطقهم.
منذ احتلال كتائب محمد بن زايد لجزر أرخبيل سقطرى بإسناد من قوى العمالة في الداخل استخدم كل وسائل الترغيب والترهيب والتضليل لتثبيت أقدامه، لكن الضربات الموجعة التي تلقاها في دول الجوار الافريقي أرغمته على تكشير أنيابه فذهب لتشكيل مليشيا تحت مسمى “النخبة السقطرية” على ذات النموذج الذي يراهن عليه بإنتاج واقع ممزق تتنازعه قوى محلية متصارعة .
لكن أحداث الأيام الأخيرة أفضت إلى معطيات جديدة في صراع النفوذ بين حلفاء اميركا الخليجيين من جهة ودول تحالف العدوان الهمجي وحكومة عملاء الرياض التي تحاول الخروج من قالبها الديكوري من جهة ثانية، فضلا عن صراع النفوذ الذي انخرطت به قوى إقليمية جديدة يتصدرها قطر وتركيا وجميعهم بدوا وسط حلبة صراع محتدم على اقتسام الكعكة مدعومين بادواتهم الداخلية من فصائل المرتزقة، لتتحول سقطرى تاليا إلى ساحة صراع بالوكالة بين كل هذه الزوائد الطارئة.
لكن الصراع الذي بقى طويلا تحت الطاولة خرج إلى العلن بتفاعلات دراماتيكة بعدما تفاجأ طابور العملاء في الجنوب باستباق قوى الاحتلال مشاريعهم الصغيرة بانفصال الجنوب، وانخراطهم في مواجهة غير متوقعة مع أبناء سقطرى الذين انخرطوا بشكل عفوي في مواقف مناهضة للمطامع الإماراتية معلنين رفضهم احتلال الجزيرة ومطالبين بطرد هذه القوات.
كانت التداعيات الدراماتيكية لهذه الأزمة ثقيلة على حكومة عملاء الرياض والقوى العميلة في المجلس الانتقالي الجنوبي، بعدما طرح الغازي الإماراتي للوسطاء الذرائع ذاتها التي استغرقوا في تسويقها محليا ودوليا بالقول “إن سقطرى كادت أن تسقط بيد النفوذ الايراني”! زاد من ذلك انتقال الصراع القطري السعودي إلى سقطرى بالتقارير الاماراتية التي حذرت حليفها السعودي من سيناريوات تديرها قطر وأدواتها في تنظيم الاخوان على صلة المشروع القطري التركي بالقرن الأفريقي.
المثير في كل هذه التداعيات أن منطق العصابات واللصوص أطاح بضربة واحدة بمنطق الشرعية الزائفة للفار هادي وحكومته بعدما أبلغ المندوب العسكري الإماراتي اللجنة السعودية وحكومة الفار هادي بأن قواته في سقطرى ليست قوات احتلال كونها جاءت بطلب من الرئيس الشرعي، وهو ذات المنطق الذي عمده وزير الشؤون الخارجية الامارتي من أصول ايرانية انور قرقاشي بتغريدات المح فيها إلى حق الامارات في السيطرة على سقطرى بذرائع المصالح الاقتصادية وروابط النسب في إشارة إلى اتفاق التأجير الذي وقعته حكومة الفار مع الإمارات بتأجيرها سقطرى لــ 99 سنة، ناهيك عن إشارته إلى أن نصف أبناء هذه المحافظة صاروا يحملون الآن الجنسية الإماراتية.
هو ذات المنطق الذي تنصل فيه الغازي الإماراتي عن اتفاقه الكرتوني مع المرتزق بن دغر واللجنة السعودية الذي كان قضي بسحب القوات العسكرية، قبل أن يفاجأ المرتزقة بالغازي الإماراتي يغرق سقطرى بالمزيد من القوات والأسلحة الثقيلة مع إنذار لبن دغر بالمغادرة.
كل المؤشرات ترجح أن سقطرى الناعمة بالهدوء منذ ثلاث سنوات على العدوان الهمجي ستكون مسرحا لصراع طويل بين حلفاء اميركا الخليجيين الحالمين بمنفذ بحري جديد بديل لمضيق هرمز، واللاعبين الاقليميين الجدد، فمفاعيل الصراع تجاوزت فعلا المربعات السياسية والديبلوماسية إلى استعدادات عسكرية على طول وعرض جزر أرخبيل سقطرى، فيما تلوح القوى المحلية المنافسة المدعومة من قطر وتركيا والسعودية بتداعيات عسكرية مفتوحة.