الجديد برس – أخبار محلية
توقفت مجلة «فورين بوليسي» عند فصول الصراع السعودي – الإيراني، الدائر بالوكالة في عموم الشرق الأوسط، واحتمالات تحوله إلى حرب مباشرة، والدور المتوقع لواشنطن في حال اندلاعها.
وأشارت المجلة الأمريكية، إلى أن الوكلاء الإقليميين لكل من السعودية وإيران، دخلوا في خضم «صراع شرس»، و«متواصل» منذ العام 2011، بدءاً بسوريا، وصولاً إلى اليمن، مع توصل الدولتين إلى قناعة بأن «الحرب المباشرة لا تصب في مصلحة أي منهما»، لا سيما وأنهما لم يسبق أن دخلا في مواجهة مباشرة ضد بعضهما البعض.
وزادت المجلة الأمريكية أن «خطر التصعيد» بين السعودية وإيران، «كان قائماً على الدوام»، محذرة من أن «هذا الخطر قد يتصاعد، بشكل دراماتيكي، اليوم الثلاثاء، إذا ما انسحب الرئيس دونالد ترامب من الاتفاق النووي الإيراني، كما هو مرجح»، ذلك أن قرار انسحاب واشنطن من الإتفاقية الموقعة في العام 2015، «قد يؤدي إلى زيادة الاستفزازت العسكرية الإقليمية من جانب إيران» من جهة، و«تشجيع أي رد فعل مقابل، من جانب المملكة العربية السعودية».
وبحسب المجلة، فإنه من الصعب توقع الفائز من المواجهة بين الرياض، وطهران، إلا أنه يمكن القول إن «حصيلة الحرب السعودية-الإيرانية الأولى، سوف تعتمد على نحو قاطع، على الشكل الذي تنتهي إليه» تلك الحرب.
وعقدت «فورين بوليسي» مقارنة بين القدرات العسكرية لكل من السعودية وإيران، لافتة إلى أن البلدين «يختلفان بشكل ملحوظ في حجم وقدرات كل منهما» على هذا الصعيد. فإيران تملك «جيشاً أكبر» من غريمتها، قوامها «جيش نظامي»، يقدر عديده بنحو 350 ألف عنصر في الخدمة الفعلية، ويستحوذ على معظم القدرات العسكرية التقليدية للجمهورية الإيرانية على الصعيدين البحري والجوي، إلى جانب «الحرس الثوري الإسلامي»، الذي يقدر عديده بنحو 125 ألف عنصر، ويتركز مجال عمله على اعتماد تكتيكات، ووسائل القتال غير المتماثلة، فضلاً عن إشرافه على الأسطول المتنامي من الطائرات المسيرة، وبرامج الصواريخ البالستية لطهران، علماً بأن «فيلق القدس»، الذي يعتبر بدوره أحد فروع «الحرس الثوري الإسلامي»، يضطلع بدور «القوة الخاصة»، المكلفة بإدارة «العمليات العسكرية الخارجية» لإيران، وعلاقاتها مع الحلفاء في عدد من البلدان، كالعراق وسوريا.
وفي الإطار عينه، شرحت المجلة حجم الصعوبات التي واجهتها إيران من أجل تطوير قدراتها العسكرية منذ ثمانينيات القرن الماضي، لافتة إلى أن حملة الضغوط السياسية، وسلسلة العقوبات الدولية المفروضة على البلاد، بتشجيع أمريكي، أدت إلى «تدهور حاد في قدرة إيران على شراء التكنولوجيا العسكرية، والأسلحة من دول أخرى، ما جعل بعضاً من قدراتها العسكرية ضعيفة نسبياً، وقديمة الطراز»، قياساً بالقوى الإقليمية الأخرى.
فالإنفاق العسكري الإيراني للعام 2016، والمقدر بنحو 12.3 مليار دولار، يعد «متواضعاً»، مقارنة بمعدلات الإنفاق العسكري للمملكة العربية السعودية، كما أن طهران، تملك أسطولاً من طائرات حربية قديمة العهد، يعود إلى حقبة حكم الشاه، ويضم طائرات من طراز «F-14»، و«F-5»، التي تم تحديثها محلياً، وإن بقيت تعاني من صعوبات تشغيلية، فيما تعد دبابات «M-60A1» الأمريكية، التي حصلت عليها من الولايات المتحدة في فترة ما قبل العام 1979، ودبابات «T-72» السوفياتية، والتي اشترتها من روسيا في عقد التسعينيات، عماد القوات البرية الإيرانية.
ومع ذلك، لجأت إيران إلى تعويض محدودية قدراتها لتطوير آلتها العسكرية، عن طريق الإستثمار في مجالات أخرى، وبخاصة الصواريخ البالستية، التي باتت تشكل بمدياتها المتنوعة، والمخزون الهائل منها، «عنصر الردع الاستراتيجي الأساسي» لدى طهران، كونها «توفر لها هامشاً تنافسياً مع دول الجوار»، لا سيما وأنه بإمكان الإيرانيين ضرب البنية التحتية الاستراتيجية، والتجمعات السكانية داخل المملكة العربية السعودية، بتلك الصواريخ.
كذلك، عمد «الحرس الثوري الإسلامي» إلى تطوير منصات قتالية «أقل تكلفة»، مثل القوارب الهجومية السريعة، والصواريخ المضادة للسفن، علاوة على استخدام المخزون الهائل من الألغام البحرية، باعتباره «الأداة الهجومية الرئيسية» بحوزة «الحرس» ضد الخصوم، على الصعيد البحري.
أما عن القدرات العسكرية السعودية، فقد أوضحت «فورين بوليسي» أن الجيش السعودي، البالغ عديده نحو 250 ألف فرد، يعد «أصغر حجماً»، من نظيره الإيراني، إلا أنه «مسلح، بشكل أفضل»، مضيفة أن نقاط قوة هذا الجيش تمكن في سلاح الجو، والدفاع الجوي، مع امتلاكه لأسطول واسع من الطائرات الحربية، من طراز «F-15»، و«Eurofighter»، و«Tornado»، إلى جانب استحواذه على منظومة كبيرة «مثيرة للإعجاب»، من بطاريات صواريخ «Patriot»، والمنتشرة حول منشآت البنى التحتية الحساسة، والقواعد العسكرية، والتجمعات السكانية الأساسية. كذلك، تمتلك الرياض «ترسانة صغرى، وإن متنامية، من الصواريخ البالستية»، قوامها، عشرات الصواريخ، صينية الصنع، من طراز«Df-3»، العاملة بالوقود السائل، بمدى يتراوح بين 2485 و3100 ميلاً، و«DF-21»، التي يبلغ مداها حوالي 1050 ميلاً.
إلى ذلك، تطرقت «فورين بوليسي» إلى تفاوت الخبرة القتالية لكل من الجيشين الإيراني والسعودي. وأردفت أن خبرة الجيش الإيراني على هذا الصعيد مستمدة، بشكل كبير، من تجربة الحرب مع العراق، حيث وقفت طهران ضد «خصم متفوق تكنولوجياً»، و«يحظى بدعم دولي أكبر بكثير»، إلى جانب الخبرة التي اكتسبها «الحرس الثوري الإسلامي» في مجال تكتيكات «الحرب غير المتماثلة»، في فترة ما بعد العام 2011، وذلك بفعل النزاعات القائمة في اليمن، وسوريا، والعراق، حيث أسهم دور «الحرس» في تلك البلدان في تطوير قدراته على صعيد القيادة، والسيطرة، وتنفيذ العمليات العسكرية المشتركة، والمدمجة، إلى جانب شن عمليات الهجوم البري، مع القوى الحليفة. أما الجيش السعودي، فإن خبرته القتالية تعد «أقل»، قياساً بالجيش الإيراني، حيث كشفت معارك القوات السعودية، بالتعاون مع الجيشين الأمريكي، والكويتي، مع رتل من الدبابات العراقية كان قد عبر حدود المملكة وصولاً إلى بلدة الخفجي، في العام 1991، عن «قلة خبرة الجيش السعودي»، في حين يبدو أن الحملة الجوية، التي تقودها الرياض في اليمن، منذ العام 2015، «لم يكن لها سوى تأثير محدود» على مسار الحرب الدائرة هناك. وأردفت المجلة أن «السجل (العسكري) المحدود، المشار إليه، لا يهيىء السعوديين لخوض الحرب الجارية في اليمن»، وإن كانت الأزمة اليمنية «قد أتاحت الفرصة للسعوديين والإماراتيين، لاختبار قدراتهم على خوض المعارك في الجو، والبر، وفي تنفيذ العمليات العسكرية المشتركة والمدمجة».
وعن الأداء العسكري السعودي في حرب اليمن، أضافت المجلة أن «الحملة (السعودية) لم تحقق إلا نجاحاً محدوداً»، مشيرة إلى أن تلك الحملة «كانت فاعلة في البدء، لدى تمكنها من طرد القوات الموالية للحوثيين من مواقعها في الجنوب»، فيما «كافحت في سبيل تحقيق تقدم في (مناطق) الشمال»، لا سيما في العاصمة صنعاء، حيث أخفقت الغارات الجوية السعودية في «تحقيق مكاسب مماثلة» لما تحقق في بعض المناطق الجنوبية. كذلك، أفضت حملة «التحالف»، الذي تقوده الرياض في اليمن، إلى «إثارة أسئلة جدية حول قدرات السعودية على صعيدي التهديف، والاستخبارات»، في ظل الحصيلة المرتفعة من الضحايا المدنيين هناك.
وأكملت «فورين بوليسي» استعراض نقاط ضعف، وقوة كل من الجيشين الإيراني والسعودي، شارحة أن «أياً منهما، لا يملك ميزة واضحة في وجه الآخر». فالقوة الجوية السعودية، «سوف تمكن المملكة من الحفاظ على التفوق الجوي في أي صراع مع إيران»، كما أنه «من المرجح أن تبادر (الرياض) إلى ضرب البنية التحتية، والقواعد العسكرية الإيرانية على طول الساحل، بصواريخ جو- أرض، هذا، إن لم تعمد إلى اختراق الأراضي الإيرانية، بشكل أعمق». أما إيران، بدورها «فقد تتمكن، كما هو مرجح، من تحقيق التفوق في المجال البحري، بخاصة في الخليج الفارسي، حيث يمكن لها استخدام قوارب الهجوم السريعة، والغواصات العاملة بالديزل، وسفن زرع الألغام، في مهاجمة سفن الشحن، والقطع البحرية الحربية التابعة للمملكة العربية السعودية، إلى جانب الموانىء»، فصلاً عن إمكانية «ضرب البنية التحتية الاستراتيجية السعودية، ومراكز التجمع السكاني، بالصواريخ البالستية»، مع استبعاد نجاح الدفاعات الصاروخية السعودية في التصدي لكافة الصواريخ الإيرانية، خصوصاً إذا ما عمدت طهران إلى إطلاقها بشكل مكثف، في إشارة إلى تكتيكات الإغراق الصاروخي.
هذا، واستبعدت المجلة أن تتمحور الحرب السعودية – الإيرانية، في حال وقوعها، حول السيطرة على أراض الطرف الآخر، أو تغيير نظام الدولة المقابلة بالقوة، مرجحة أن تتركز حول «إلحاق الضرر بالطرف الخصم، بهدف معاقبته، وإجباره على وقف السلوك العدائي». وإذا كان التفوق الجوي للسعوديين، إلى جانب ثروتهم الطائلة، يجعلهما «وضعية أفضل» من أجل خوض الصراع مع إيران، وفرض المزيد من التكاليف والأعباء على الإيرانيين، فإن طهران، التي لا تملك الكثير لتخسره، «أثبتت قدرتها على المكابدة طيلة أعوام من الحرب التي تشنها قوى كبرى ضدها».
كذلك، رجّحت المجلة أن تتوسع المواجهة الإيرانية – السعودية، لتشمل أطرافاً دولية، وإقليمية أخرى. فمع امتلاك إيران حلفاء «فاعلين من غير الدول»، في اليمن وسوريا والعراق ولبنان، قد تبادر أطراف، مثل تنظيم «حزب الله» في لبنان، و«عصائب أهل الحق» في العراق، إلى «الوقوف إلى جانب إيران» في مثل هذا الصراع، وذلك عن طريق استهداف المواطنين السعوديين في تلك الدول، مع تقليلها من شأن قدرة تلك التنظيمات على مهاجمة الأراضي السعودية، بشكل فاعل. وفي السياق عينه، شرحت المجلة أن المملكة العربية السعودية، التي تملك «حلفاء أقوياء»، مثل الإمارات العربية المتحدة، والولايات المتحدة، سوف تحظى بـ «دعم أمريكي، بشكل أو بآخر»، رغم قدرة إيران على رفع تكاليف هذا الدعم، سواء عبر ضرب السفن الحربية الأمريكية في الخليج الفارسي، أو عبر استهداف القوات الأمريكية والمواطنين الأمريكيين في بلدان أخرى، عن طريق وكلائها، مشددة على أن «(عنصر) المشاركة المحتملة من جانب الولايات المتحدة، سوف يكون بمثابة العامل الحاسم» في أي مواجهة قد تندلع بين الرياض، وطهران، بالنظر إلى التداعيات السلبية التي يمكن أن تترتب عن تلك المشاركة على الجانب الإيراني، وفق ما ذهبت إليه المجلة.