الجديد برس : صحيفة لا
أشكر لسماحة سيد المقاومة نصر اللـه دموعه التي ذرفها في عزائنا
حاوره: شايف العين
تنعكس فيه شخصية الرئيس الشهيد صالح علي محمد الصماد، كونه أقرب الناس إليه. تسأله عن الشهيد فيأخذ نفسا عميقا تظنه سيستنفد كل ما حولك من أكسجين ليملأ به رئتيه، ثم يخرجه في تنهيدة صادقة تخفي بين شهيقها وزفيرها الكثير والكثير، ثم تبدو عيناه كجمرتين تناجيان رب السموات والأرض مختصرة ما سيجيب به لسانه وشفتاه اللتان ترسمان بابتسامتهما لوحة نصفها فخر واعتزاز والنصف الآخر يوحي بالحزن العميق.
عندما التقيته شعرت بأنني أمام هامة يمنية تعبق عراقة وأصالة، يبزغ اليمن السعيد من قسمات وجهه التي تشبه تضاريسه ومشاعره التي تجسد جداول الفصول الأربعة.
على الرغم من أنه لم تمر سوى أيام على احتضان الأرض جسد فلذة كبده الرئيس الشهيد الذي اغتالته طائرات البيت الأبيض، إلا أنه بدا صلبا شامخا شموخ عطان ومران وعيبان، لا تهزه عتاوة الرياح ولا تهده صواريخ الإف ١٦ والتايفون.
يقول علي محمد الصماد، والد الرئيس الشهيد، إن نصيبه من كمد الفقد وهول الفجيعة كان أخف وطأة، لأن الملايين من أبناء الشعب قاسموه الحزن على استشهاد فقيد الوطن، رحمة وفضلا من الله. وكشف أن خبر استشهاد ولده لم يتلقه من أي أحد، بل من قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، حيث استدعاه وأخبره بذلك مباشرة. وأضاف أنه منذ حوالي شهرين قبل استشهاد الرئيس كان يعلم في قرارة نفسه أن رمضان القادم سيأتي وولده لم يعد رئيسا وسيقابله في هيئة أخرى.
في هذا الحوار الذي انفردت به (لا) مع والد الرئيس الشهيد صالح الصماد نقدم لكم تفاصيل تنشر لأول مرة، وجوانب ملهمة من سيرة رجل اتخذ من الشعب أسرة له وبذل حياته من أجل وطنه وشعبه. وليس هنالك حديث أصدق ولا أبلغ مما يرويه والد أحب ولده بشدة وآمن به وبإخلاصه منذ كان في شعاب الجبال حتى صار في كرسي الحكم.
الرئيس الشهيد تطلع منذ صغره لخدمة الوطن
حدثنا عن بداية حياة الرئيس الشهيد صالح الصماد!
في عمر مبكر ظهر اهتمام ابني بالعلم والتعلم، حيث كان التعليم أول اهتماماته، وما إن أنهى تعليمه المدرسي حتى بدأ رحلة التفقه في العلوم الدينية، وبعد أن كان شاعرا وأديبا وكاتبا، ليضيف إلى ذلك العلم في الدين والقرآن الكريم. وطالما تطلع ابني لأن يكون لليمن جيل متعلم ينهض به وجيش قوي يحميه، فقد كان غيورا جدا على الوطن، حتى أنه ذهب في فترة شبابه إلى السعودية لحفظ القرآن الكريم وحصل على شهادة بحفظ 27 جزءاً من وزارة المعارف هناك، وحاولوا إلباسه العقال لكنه رفض، وكان رفضه من رفضنا، فالعقال ليس له قيمة عندنا.
لم يأخذ من وطنه سوى ما يسد جوعه ويعينه على خدمته
ما هي الصفات التي تميزت بها شخصية صالح الصماد؟
كان يرى الناس إخوة له ويحب لهم الخير حتى أعدائه. وكما رأى الجميع خلال فترة العدوان على الوطن فدائما ما كان يدعو المرتزقة للعودة إلى الوطن. كما أنه يسعى لنصرة المستضعفين من زمان، فهو شجاع غني النفس حريص وحسن الأخلاق وواثق بنفسه.
فعن شجاعته كان دائما ما يريد القتال في الصفوف الأولى، حتى وهو رئيس يريد حمل جعبته وبندقيته ويذهب لأي موقع في جبهات القتال. وقد شاهدتموه عندما ذهب لجبهات الحدود وعندما شق البحر نحو جزيرة كمران وظل يتنقل من جبهة إلى أخرى، معتبرا نفسه جنديا مقاتلا في صف الوطن مثله مثل بقية المقاتلين في الجيش واللجان الشعبية.
وعن حرصه وأمانته فهو لم يأخذ من وطنه سوى ما يسد به جوعه ويعينه في خدمته على أكمل وجه، لا يريد سيارات ولا أراضي ولا بيوتاً. وقد سمعه وشاهده الجميع وهو يقول إنه لو يستشهد غداً ما مع جهاله آخر الشهر وين يرقدوا إلا يعودوا مسقط رأسهم. وقد صدق في ذلك، فأنا أبوه وأفهمه، حتى أنه قال ذات مرة: (ما مع أبي مني ولا مائة ريال، وكذلك والدتي وأطلب المسامحة منهما).
وفي وصيته الأخيرة قال: (أنا وما معي وما أملك في سبيل الله. وهذه وصية لأبي وأمي وإخوتي وأولادي، وأطلب المسامحة منهم وسيغنيهم الله من فضله). وحمدا لله أن ولدي استشهد في عز وشرف وترك لنا ما هو أغلى من كل كنوز الدنيا، وهو المجد الذي ستتناقله الأجيال حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
التحق بالمسيرة منذ بدايتها ولم يتركها يوماً
متى التحق الرئيس الشهيد بالمسيرة القرآنية؟ ولماذا؟
التحق بالمسيرة منذ بدايتها الأولى، لأنه كما أخبرتكم كان يسعى لنصرة المستضعفين، فما بالك بالسعي في طريق الحق والفلاح؟! والتحق بها على يده كل أبناء منطقتنا (بني معاذ) وكرس لها كل وقته، وظل متنقلاً في جبال وسهول صعدة، ولم يكن يمكث عندي في البيت إلا فترة وجيزة جدا.
لم يترك ابني دروس المسيرة حتى خلال فترة حياته كرئيس، فقد خصص وقتا محددا لمراجعتها وتعليمنا وكل من معه من مرافقين ما تحتويه من مضامين.
لم أتوقعه رئيسا لكنني تيقنت من استشهاده
هل توقعت أن يأتي يوم يصبح فيه ابنك صالح رئيسا للجمهورية؟
لم أكن أتوقع أنا والكثير غيري أن يأتي يوم يتولى فيه قيادة البلد من هو أهل لذلك وعنده الكفاءة والوطنية، لأن المناصب حينها كانت محصورة في أناس معينين, ولكن المسيرة القرآنية غيرت الأمر وأهلت الكثير ممن انطلقوا فيها بمؤهلات قيادية وعززت حبهم لوطنهم وعرفتهم بالعدو الحقيقي وخطورة مشروعه. وكان ابني أحد هؤلاء الذين تحملوا مسؤولية قيادة البلد في ظرف تخلى فيه الكثير عنه. فأنا لم أتوقع أن يصبح ابني صالح رئيساً للبلد، لكنني تيقنت أنه سيكون شهيدا.
كيف أنصح من فاقني حكمة ورجاحة عقل؟
هل نصحت الرئيس الشهيد من موقعك كوالده؟
أنا لم أصل إلى ما وصل إليه ابني من حكمة ورجاحة عقل، لذا لم أقدم النصيحة له، لأن ما كان يتمتع به من العلم والوعي والحنكة أكثر مما لدي. وكل ما فعلته له أنني أتحت له الفرصة ليكون ما يريد، فقد أحببته منذ أن فتح عينيه على الدنيا، وحتى بعد أن أغلقهما طيران تحالف العدوان الأمريكي السعودي. وأعنته منذ صغره على التعلم والتثقف، لأنني رأيته متطلعاً لأشياء تخدم الشعب كافة، وننظر الآن جميعا كيف عز الوطن وعزنا جميعا ونحن محاصرين براً وبحراً وجواً. حتى أنه بعد أن تولى رئاسة الجمهورية تعاملت معه كرئيس للبلد لا باعتباره ابني، وتعاملت معه كمواطن وهو رئيسي.
وهب نفسه للوطن والشعب
كيف أصبحت علاقته مع أهله حينما تولى قيادة البلد؟
رئاسة الجمهورية شغلته عني وعن أمه وعن جميع أهله، لكننا كنا ندرك جيداً أن ما شغله عنا لم يكن أمراً هامشياً، بل كان أمراً عظيماً تمثل في خدمة وطنه وشعبه والدفاع عنه حتى ينتصر على من عاداه.
وقبل شهر من اليوم أخبر أحد مرافقيه أن يبلغني فور عودتي للبيت بأنه يريدني أن أسهر معه في غرفته، فأجبته وعندما دخلت غرفته وجدته منهمكاً في إتمام عشرات الأوراق والمعاملات المكدسة أمامه، إضافة إلى الرد على المكالمات في هاتفه الذي لم يتوقف عن الرنين، فجلست عنده من الساعة العاشرة مساء وحتى الرابعة فجرا على نفس الحالة ولم يكلمني بكلمة واحدة، فقلت له: (يا ابني صبحك الله بالخير قده بيأذن فجر) ورحلت. صحيح أن العاملين لديهم أوقات محددة للعمل، غير أن ابني كان كل وقته عملا من أجل الوطن وفي سبيل الله ليلاً ونهاراً، بفعل الظروف الاستثنائية التي يمر بها البلد.
رئيساً للشعب وليس لوالده فحسب
ما هي الضريبة التي دفعتها بسبب مواقف ابنك الرئيس؟ وهل استشهاده من ضمنها؟
ما فقدته منذ انضمام ابني للمسيرة القرآنية وانضمامنا معه كان جميعه في سبيل الله ولم يذهب باطلاً، وعلمنا جيدا بأن المنازل والمزارع والعائلة ستذهب فداء للمشروع الذي سينتصر للمظلومين وآمنا به، فقد استشهد اثنان من أولادي في الحروب الست، وما تبقى لدينا سيسير إلى نفس المصير الذي ليس فيه خسران وإنما ربح وافر عند الله عز وجل.
عندما استهدفوا بيتنا كنت أعمل مرتديا ثوبا بأكمام قصيرة هو الذي بقي لي يومها، حيث حرقت جنبيتي وبندقيتي وأوراقي ونقودي وأغنامي إثر الغارة، ولم يأت ليل ذلك اليوم إلا وأنا غني بثباتي أنا وأبنائي على موقفنا مع المسيرة القرآنية، رغم أننا بتنا نسكن في جرف، لا عوائل لدينا، فقد استشهدت خمس من نساء منزلنا في ذلك القصف، دون أن يؤثر ذلك في عزيمتنا وهمتنا وإيماننا بعدالة قضيتنا.
حتى عندما قصفوا بيتي قال لي صالح ابني: (يا أباه خسرت أمريكا في الثلاث القنابل اللي ضربت بها بيتك نصف مليون دولار)، فأجبته: (ما تغلى على ابوك يا صالح).
أما بالنسبة لاستشهاده فأنا لا أعتبرها
تضحية مني، بل من كافة أبناء الشعب، فهو رئيس لليمن وليس لوالده فحسب، ولن يفخر الأعداء بقتله، وقد قال الشاعر: (يا طير مهما طرت في جو السماء .. لا بد ما تنزل رضا والا صميل)، وسوف ينال الرد اليماني من بني سعود على تلك الجريمة، حتى ولو توقفت الحرب فلن تذهب هذه التضحية أدراج الرياح.
اليوم يملك اليمانيون ما يصل أماكن السعاودة أينما كانوا، سواء في حايل، في القصيم، في النعيرية… وأنا أعرف بيوتهم جيداً، فقد اغتربت في السعودية ثلاثين سنة حتى عرفت مقراتهم السرية. لهذا لا يعتقدون أننا بعيدون عنهم، فنحن أقرب إليهم من لمس الرياح.
وحد أبناء الشعب على كلمة واحدة
ما هي الإنجازات التي حققها الرئيس الشهيد من وجهة نظرك؟
أصعب شيء أن توحد شعباً على كلمة واحدة. وأحمد الله أن ابني وعى الشعب وجمع الملايين من أبنائه على كلمة واحدة حتى أصبحوا رجلا واحدا يرون في وطنهم أغلى الأوطان. وخير دليل على هذا المنجز موكب التشييع الضخم الذي حظي به الرئيس الشهيد ورفاقه الستة، كما أن التشييع بكثافته الجماهيرية قدم رسالة للأعداء مفادها: لن تنالوا من اليمن حتى ولو قتلتم نصف أبنائه. وقد جربت تركيا (الاحتلال العثماني) وكذلك بريطانيا (الاحتلال البريطاني) حظهم في اليمن لكنهم خرجوا منه أذلاء صاغرين.
والرئيس الحالي مهدي المشاط أنا أعرفه حق المعرفة، فقد كان هو وولدي الرئيس الشهيد يلازمان بعضهما منذ الحرب الأولى إلى الآن، وهو يتشابه ويتماثل معه كثيرا.
تلقيت خبر استشهاد ابني من قائد الثورة
كيف تلقيت نبأ استشهاد ابنك الرئيس؟
كنت على ثقة بأن ابني سيستشهد قبل شهر رمضان، وكأن أحداً ما أخبرني بذلك، فقبل حوالي شهرين من استشهاده كان لدي قناعة بأنني سأزوره في الشهر الكريم وهو لم يعد رئيساً وسأقابله في هيئة أخرى بعيدة عن الرئاسة، وهذا بعد أن رأيت عزمه وإصراره وسعيه لنيل الشهادة التي كان يطلبها دائما، لذلك كان وقع الخبر علي أقل وطأة. وقد تلقينا الخبر من قائد حكيم هو قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي الذي أصر على أن يبلغنا بهذا النبأ وجها لوجه، وهو ما حدث بالفعل، حيث استدعانا إليه، فلبينا دعوته، وأثناء لقائنا به أبلغنا باستشهاد الرئيس الصماد، وقدم لنا واجب العزاء، ونحن بدورنا قدمنا له واجب العزاء في فقيد الوطن.
ولو لم ينل ولدي الشهادة في هذا الوقت الذي يتوجب على الجميع فيه التضحية بحياتهم من أجل حرية واستقلال وطنهم فمتى سينالها؟! وكلي اليوم اطمئنان بأنه في عليين.
أكثر ما سرني الله به منذ خلقني إلى اليوم هو شعوري والملايين تشيع ابني
ما هي المشاعر التي خالجتك عقب استشهاد الرئيس صالح الصماد؟
كلي فخر بابني الشهيد الرئيس، وأعتبر أن أكثر ما سرني الله به في حياتي منذ خلقني هو حضوري ومشاهدتي تشييعه بميدان السبعين من قبل الملايين، ومن الذي سيقول إن هذا لا يُفتخر به؟! فمثلا عندما تأتي بشخص يربي ولده ودائما وهو يأمره يا ابني سير قطّل (اقطف القات) يا ابني شل السيارة وسير عامل لنا على زلط… ويموت ابنه بحادث ويقبره نفر قليل. أما أنا فقد علم العالم بتشييع ابني وعرف من هو صالح علي محمد الصماد، حتى أن رأسي كان يؤلمني من كثر تقبيل الناس المعزيين لي ولو كان حجرا لانكسر، كما أنني لم أعد أشعر بيميني من كثر ما صافحت المعزيين، فمن الذي سيحظى بكل هذا ولا يشعر بأن ذلك أسعد ما حصل له في حياته؟!
فالموقف الذي حصل لي في ميدان السبعين برؤية جماهير الشعب الغفيرة تشيع ابني أبكاني فخراً لا حزناً، لأن الحزن توزع على كافة أبناء الشعب الوطنيين وجاء وقعه خفيفا علينا. ومنذ تلقيت نبأ استشهاده وحتى اليوم لم تنزل لي دمعة إلا أثناء موقف حدث لي بعد التشييع، حيث كنت ماراً في أحد الشوارع فرأيت نساء وأطفالاً يبكون فظننتهم تعرضوا لحادث وحين اقتربت منهم وجدتهم ينظرون لصورة الرئيس الشهيد صالح الصماد مطبوعة على السيارة التي ظننتها صدمتهم واتضح لي أنهم يبكون عليه فبكيت معهم وهم لا يعرفون أنني والده.
تعازي من فلسطين وإيران وعُمان
هل تلقيت تعازي من دول الخارج؟
تلقينا تعازي من دول مختلفة أبرزها فلسطين والجمهورية الإسلامية الإيرانية وسلطنة عُمان، وأتوجه بالشكر الجزيل لهم. وكذلك أتوجه بخالص الشكر لسيد المقاومة السيد حسن نصرالله الذي قام بتعزيتنا بل وذرفت عيناه الدمع على استشهاد الرئيس اليمني صالح الصماد. كما أتوجه بالشكر لذلك الرسام الفلسطيني الذي ظهر وهو يرسم صورة ابني الشهيد رئيس الجمهورية اليمنية.
والشكر الجزيل موصول لكم في صحيفة (لا) على اهتمامكم بتوثيق كل ما له علاقة بحياة الرئيس الشهيد صالح الصماد.