الجديد برس : رأي
محمد ناجي أحمد
في كتابه (أفكار تشع بلون المطر) الصادر عن التوجيه المعنوي، عام 2010م، يتحدث (سعيد أحمد الجناحي) في مقال بعنوان (طنجرة الرفاق لم تغْل بعد)، والمنشور في صحيفة (26 سبتمبر)، بتاريخ 3 أبريل 1993م، عن مرض سلطان أحمد عمر، الذي التقاه وعلم منه أنه يعاني من تضخم في القلب، فنشر وقتها في 22 فبراير مقالاً بعنوان (هرم القلب من يتبرع بقلب لسلطان؟!)، نشر في صحيفة (التجمع).
لكن قيادة الحزب الاشتراكي لم تعر حالة سلطان أي اهتمام. يقول سعيد الجناحي بأنه كتب ذلك المقال رغم ما بينه وبين سلطان من خلاف تجاوز الإطار الأيديولوجي إلى التحريض، إذ وصل الخلاف أن أمر سلطان اثنين من الرفاق هما النقيب – حينها – محمد ناصر والرفيق أمين، باغتيال الجناحي (بتهمة أنني برجوازي، حدث هذا في تعز حين كنت عضواً في الحزب الديمقراطي الثوري اليمني، في عام 1968م) [ص199].
علاقة الجناحي بسلطان أحمد عمر تعود إلى عام 1958م، حين عاد سلطان من مصر ليشكل فرعاً لحركة القوميين العرب في عدن، وفي صيف ذلك العام استقطب سعيد الجناحي للحركة.
حياة سلطان أحمد عمر، و«فارس» هو اسمه التنظيمي في الحركة (لم تكل من العمل والحيوية والنضال، وربما يكون هو الوحيد الذي لم يرتبط بوظيفة رسمية عالية المكانة في السلطة، رغم قدراته وكفاءته. لقد ظل منذ أواخر الخمسينيات وحتى وفاته متفرغاً للعمل السياسي)، فـ(النبع الجيد يعرف في الجفاف… والمناضل الجيد في الشدة، ونبع سلطان من صلب المصور الوطني أحمد عمر، راصد الأوضاع صوراً في عهد الإمام أحمد… إن له قلباً حنوناً، وإرادة جسورة، عيبه أنه لم يتحاش الإضرار ببعض من رفاقه حين يختلف معهم، ويكون المبرر اتهامه في كثير من الأحيان –بفعل رد الفعل -… هرم قلب سلطان تسددت شرايينه…) [ص202].
في مقالة (طنجرة الحزب لم تغْل بعد) يورد الجناحي أن سلطان اتصل به من مدينة (هيوستن) بولاية تكساس، وأخبره أن المستشفى قد طلب منه 300 ألف دولار نفقات تبديل قلب له.
وحين التقى الجناحي بالرئيس علي عبد الله صالح ونائبه علي سالم البيض، التزم النائب بأن يدفع الحزب 50 ألف دولار، والتزم الرئيس بتسديد 250 ألف دولار، شرط أن يبدأ الحزب بتسليم الـ50 ألف دولار لأمانة مجلس الرئاسة. لكن الحزب لم يدفع، بحسب رواية سعيد الجناحي، وعلي عبد الله صالح ظل مصمماً بأن يبدأ الحزب بدفع ما التزم به علي سالم البيض.
وبين عجز الحزب ومكايدة صالح، سقط (فارس) سلطان أحمد عمر ميتاً في المستشفى بـ(هيوستن) دون أن تجرى له العملية.
وهكذا استخدم مرض سلطان في معركة انتخابات 1993م، دون أن يتم دفع مبلغ التأمين كي تجرى له العملية. فالسفير في أمريكا محسن العيني، أخبر المستشفى بعدم قدرة السفارة على تسديد المبلغ، ورفيق صبا سلطان شاهر عبد الحق سلم 10 آلاف دولار لأمانة الرئاسة بصنعاء، تبرعاً منه، والعجيب أن يصفه الجناحي بصفة رفيق الصبا، ويكون سقف هذه الرفقة لا يتجاوز هذا المبلغ الضئيل! وهو المبلغ الذي تم دفعه لنقل جثمان سلطان إلى اليمن! ووزير الخارجية عبد الكريم الإرياني، رفيق سلطان في أول خلية تأسست في القاهرة لحركة القوميين العرب، في النصف الثاني من الخمسينيات، إلى جوار عبد اللطيف الشعبي ويحيى عبد الرحمن الإرياني، وعبد الحافظ قائد، اكتفى بتوجيه الرسائل الرسمية واستقبالها، وهكذا سقط الـ(فارس) سلطان أحمد عمر ضحية عجز حزب ولد ميتاً وعاش ميتاً، ومكايدة تميز بها الرئيس علي عبد الله صالح، للوصول إلى غاياته عبر آلام الآخرين.
فقد انطلقت كتابات الصحفيين، وجندت الصحف لاستغلال موت سلطان وتوظيفه ككرت في العملية الانتخابية، في صراع الاستحواذ على السلطة.
كتب الجناحي آنذاك عن حكاية تعذيب المناضل سلطان أحمد عمر في (معاشيق) بعدن إثر اعتقال الرفاق له في أحداث 13 يناير 1986م، متهماً الحزب بأنه استخدم الصدمات الكهربائية في تعذيبه، مما أثر على عضلات قلبه.
ومما كتبه (أحمد الشرعبي) في صحيفة (الميثاق)، بعنوان (أين الرفاق.. يا رفاق) بتاريخ 22 أبريل 1993م، أن (الحزب الاشتراكي تجربة مثقلة بالبؤس والتعاسة، وللحزب موروث ينزف بالدم، وتركة لا مثيل لها في الإرهاب ومصادرة الرأي والاستبداد السياسي والطغيان الشامل…) [المرجع السابق، ص226].
وتوالت مقالات باسم (جمعية فتاح الثقافية) التي يرأسها الجناحي، ومقال لـ(محمد عز الدين) – لا أعرف كاتباً بهذا الاسم – وآخر لعبد الكريم الخميسي، وصحيفة (المنار)، وما نشرته صحيفة (العروبة) بعنوان (الوسواس الخناس… يهيمن على الحزب) تاريخ 23/4/1993م. أي أن كل الكتابات كانت خلال الأسابيع الأولى لوفاة سلطان أحمد عمر، مع أنه ظل لفترة تتجاوز الشهر في أمريكا يراجع المستشفى، ويجري الفحوصات دون أن تتحرك هذه الصحف للمطالبة بتوفير نفقات عملية القلب له.
لقد كان المطلوب نعش الـ(فارس) كي يستخدم قميصاً للنيل من حزب ولد ميتاً وعاش ميتاً، وتوارى دون أن يترك أثراً مضيئاً. ولتظل أصوات الفلاحين والعمال باحثة عن (فارسها) الذي أراد لها ثورة شعبية كثورة الجزائر وفيتنام، لكن الحزب أراد لها أن تحتشد خلف وعي زائف ودماء لم تتوقف عن إيجاد الذرائع والوجبات القاتلة، تارة يمين رجعي وآخر يسار طفولي، وثالث انتهازي ورابع يجيد الرطانة ولا يجيد الحكم… إلخ.
فارس هو الاسم التنظيمي في حركة القوميين العرب للمناضل سلطان أحمد عمر، فلقد كان من أعضاء الخلية الأولى التي تشكلت في القاهرة في النصف الثاني من الخمسينيات، وحين عاد في صيف 1958م مع رفيقه عبد اللطيف الشعبي، إلى عدن، عملا على تأسيس المرتبة الأولى للحركة من علي السلامي وسيف الضالعي وطه أحمد مقبل وسعيد الجناحي وسالم زين، وفي تعز أسس يحيى عبد الرحمن الإرياني البذور الأولى للحركة من عبد الرحمن محمد سعيد وعوض الحامد وعبد الباقي محمد سعيد وشمسان الذبحاني. وقد كان عبد القادر سعيد الذي انتقل إلى تعز بعد أيام من ثورة 26 سبتمبر، بحسب الجناحي، ضمن أول حلقة تولى كسب أعضائها، وهم عبد الله الخاوي وعبد الرزاق شائف ومحمد عبده علي وعبد القادر سعيد. [المرجع السابق، ص361].
لقد أسهم (فارس) في تشكيل الجبهة القومية في 1963-1965م، وصاغ ورفيقه عبد الحافظ قائد ميثاقها، متأثراً بميثاق مصر عبد الناصر وميثاق جبهة التحرير بالجزائر، ثم عاد إلى مصر لاستكمال دراسته الجامعية، وتخرج في مجال الفلسفة الاجتماعية، وانتهى من تأليف كتابه (نظرة في تطور المجتمع اليمني) في أواخر الستينيات، وطبع الكتاب عام 1970م.
عاد في أوائل عام 1967م ليلتحق بجبهة عدن، واتسعت شهرته بين الثوار، وشهد رحيل الجيوش البريطانية.
تزوج بـ(زهرة) المدرسة التي تولت قيادة التنظيم النسائي أثناء حرب التحرير في عدن، وعملت مع رفيقاتها في تهريب الأسلحة للثوار، وتوزيع المنشورات والصحف السرية.