الجديد برس : صحيفة لا
تقرير / غازي المفلحي
(أنا لدي حُلم!) هكذا وقف الإرهاب يوماً مخاطباً اليمن والعالم في عام 1993، عندما تأسست جامعة الإيمان وانتصبت دار الخلافة الزندانية الأولى في الجزء الشمالي من العاصمة صنعاء على رقعة جغرافية كبيرة قدرها (44 ك.م) ترفرف داخل أسوارها رايات كره وقتل الآخر، وتدرس فيها نظريات (العالم بين كافر وفاسق وفويسق) إلا من رحم الزنداني ومشائخه وطلابه، وعادت العقول المتأخرة إنسانيا وأخلاقياً، الطامحة للغزو والسبي والتكفير، للعمل الدؤوب باتجاه ذلك الحلم الأسود بالخلافة السوداء التي لن ترى النور أبداً.
مقايضة تنقذ الفكر المتطرف
(قاعة الخليفة عثمان بن عفان)، و(قاعة الإمام علي) و(قاعة ذي النورين)، و(قاعة أبي حنيفة) وغيرها، أسماء لأعلام إسلامية لامعة وظفت شر توظيف كالعادة لتسمى بها قاعات وثكنات التدريس والتدريب في ما يسمى جامعة الإيمان التي انتصبت كخنجر إرهابي متطرف في خاصرة العاصمة صنعاء منذ حوالي 25 عاماً. ولم يكن هذا الأمر سراً أبداً، فقد وضع حجر الأساس لهذا المشروع الخطير على الدولة اليمنية وأمنها القومي وثقافتها وأجيالها، والذي يمتد شر خطره حتى المنطقة والعالم، علي عبد الله صالح، رئيس الجمهورية حينها، وكانت مقايضة عقدها النظام مع التيار الإخواني المتشدد مقابل تنازل الأخير عما كان يسمى بالمعاهد العلمية، لتصبح جامعة الإيمان هي البديل والإطار الجديد الذي يستطيع عن طريقه عبدالمجيد الزنداني وتيار الإخوان الحفاظ على مشروعهم التعبوي الديني المتطرف في اليمن.
دخان الإرهاب لا يُغطى
سعى الإخوان، وبغطاء من السلطة، إلى تغليف كل هذا الدخان الإرهابي الصاعد من الجامعة ورئيسها وطلابها وكل ما له علاقة بها بغلاف الاعتدال وإظهارها كجامعة إسلامية أهلية، وسميت بداية «كلية الإيمان الجامعية»، وحصلت على ترخيص رسمي من وزارة التربية والتعليم، ونالت عضوية اتحاد الجامعات العربية عام 1997، واستقطبت للدراسة فيها حوالي 3700 طالب و800 طالبة سنوياً من ذوي الفكر المتشدد بالتأكيد، من عدة دول مثل ماليزيا وإندونيسيا وكوسوفو وألبانيا وبعض الدول الأفريقية أبرزها الصومال.
مدينة داخل مدينة
كانت جامعة الإيمان تمتلك مصادر تمويل غزيرة غير معروفة، ومشبوهة بكل تأكيد. وحسب عبد المجيد الزنداني، عمود ارتكاز هذه الجامعة، فإنها عبارة عن تبرعات من فاعلي خير لا يصفهم أو يحددهم بوضوح، ولكن هؤلاء المتبرعين القلائل الذين قال إن بعضهم طلاب ميسورون فيها كانوا يغدقون على الجامعة بعشرات الملايين من الدولارات ما جعلها تبنى على شكل مدينة صغيرة أو ولاية إسلامية مصغرة إن صح التعبير لها طرازها وجوها الخاص ذو الطابع الإسلامي الزنداني القاعدي المتشدد، ولها ميزانية خاصة تغطي تكاليف إقامة هذا المشروع ودوام استمراريته وتمويل نشاطات وأعمال ونفقات الجامعة مع طلابها الدارسين مجاناً وموظفيها وكبار مسؤوليها، فكانت الجامعة تتكون من عدة مبانٍ على شكل وحدات سكنية خاصة بمرافق الجامعة المتوسعة المنغلقة على نفسها والمعزولة عن العالم الخارجي الكافر حسب رؤيتها، فسكان هذه الجامعة وطلابها القادمون من عدة دول يعيشون حياة مستقلة خلف أسوارها تحرم حتى على وسائل الإعلام دخولها، فهناك وحدات سكنية خاصة بالطلاب المتزوجين مع أسرهم ووحدات سكنية أخرى للطلاب غير المتزوجين بنظام (العنابر)، إضافة إلى أنها تحوي ما يشبه السوق الصغيرة، ومطعماً وكافتيريا وبقالات ومركز اتصالات ومقاهي انترنت، ويحتاج المرء لسيارة للتنقل بين أرجائها، بالإضافة إلى رئاسة الجامعة والشؤون الإدارية وقاعات التدريس الواسعة جداً والمتباعدة والتي تحمل جميعها أسماء أعلام إسلامية كما أسلفنا.
محاولة تلميع
بالرغم من الاستماتة في الدفاع عن هذه الجامعة من قبل الزنداني وكبار مسؤوليها ومحاولة إظهار أنها معتدلة متوازنة تستهدف الخير للمسلمين والعالم وتصويرها على أنها أكسفورد الإسلامية التي تبهر العالم باكتشافاتها ومنجزاتها العلمية التي تبتدعها يد الزنداني وعقله وتباركها لحيته مثل علاج الإيدز الأسطوري الذي لم يره أحد، كذلك اكتشاف الزنداني الذي هز الكرة الأرضية الذي أعلن فيه أنه حدد مكان جهنم(!)؛ إلا أن هذه الجامعة في الحقيقة تعج بكل ما هو هائج ومتطرف. وتؤكد معلومات أن كثيراً ممن كانوا يدرسون فيها هم دكاترة سودانيون إخوانيون متشددون، وما تنتجه خير دليل على حقيقتها وما تدرسه، فلا شيء يخرج منها له صلة بالخير والسلام، فكثير ممن قاموا ويقومون بالأعمال الإرهابية في اليمن وخارجها كانوا من طلابها، ولعل أشهرهم في اليمن قاتل أمين عام الحزب الاشتراكي اليمني جارالله عمر عام 2002 وبرصاصتين في الصدر عقب انتهائه من إلقاء كلمة قوية نيابة عن الحزب الاشتراكي في صنعاء في المؤتمر العام الثالث لحزب الإصلاح الذي كان جار الله عمر من ضمن الضيوف المدعوين إليه عن الحزب الاشتراكي، كذلك حادثة قتل الأطباء الثلاثة الأمريكيين في جبلة محافظة إب عام 2002، وكانت جامعة الإيمان قد اتهمت بأن لها صلة بعمليات إرهابية في دول أخرى منها أوروبية.
مناهج سيئة وعقول أسوأ
أما المنهج الذي أعلن أنه يدرس فيها فقد تم إقراره علانية كمنهج للجامعة في ندوة حضرها عدد من العلماء المتحمسين لهذا الاتجاه من اليمن ومصر وسورية ودول الخليج والسودان، وكانت هذه الندوة برعاية السلطة مجدداً، وهذه المرة نائب رئيس الجمهورية. ولم تكن هذه الكتب ذات سمعة وسطية تصالحية مع العالم، كما أنها ليست ببعيدة عن التطرف، ولكن الأسوأ أن هذا المنهج وهذه الكتب كانت مجرد غطاء لحقيقة ما يتم تدريسه وتزخر به عقول مشائخ الزنداني ودكاترته الطامحين لخلافة إسلامية.
عن قرب
كان اليوم الدراسي في جامعة الإيمان يبدأ بعد أداء صلاة الفجر مباشرة، وهذا يبدو طبيعياً لجامعة أو مدرسة دينية، ثم تلاوة القرآن الكريم، وبعدها تبدأ دراسة مناهجهم الخاصة المغايرة لما هو معروف لدى المسلمين في كافة أرجاء المعمورة. كان يبدأ تفسير القرآن وفق رؤية الزنداني وإخوانه في الإرهاب، ثم دروس العقيدة والحديث والفقه والعلوم الدينية المتنوعة على طريقة أبو بكر البغدادي، وتستمر حتى صلاة الظهر. وكانت الدراسة تستغرق مدة عشر سنوات حتى يحصل الطالب على أعلى شهادة تمنحها الجامعة، ثم يخرج هؤلاء الطلاب إلى سوق العمل الذي لا يحتاج أحداً منهم، والبعض يعود ليدرس في بلاده كما كانت الجامعة تفتخر بذلك، ولكن أغلب الطلاب عندما يعودون إلى بلدانهم لا ينشرون ما ينفع الناس أو يحييهم، فهم يقومون بجريمة التدريس بهذا الفكر وبث سمومه أو الانخراط في الأعمال الإرهابية تخطيطاً وتنفيذاً أو الانطلاق إلى مناطق النزاعات للجهاد المزعوم وصب النار على الزيت.
اختلافات غريبة
الأمور الغريبة لم تنته بعد، فمدة الدراسة الافتراضية في جامعة الإيمان عشر سنوات، وهذه كانت من نقاط الخلاف بين وزارة التعليم العالي وجامعة الإيمان، فالوزارة طلبت من الجامعة الالتزام بنظام التعليم المعمول به في البلاد، وهو أن تمنح شهادة بكالوريوس بعد الدراسة لمدة أربع سنوات، ثم الماجستير والدكتوراه، وهو الأمر المختلف في جامعة الإيمان، فالطالب ينال بعد الدراسة لسبع سنوات شهادة (المشيخة) التي توازي شهادة الماجستير، وهناك سنة دراسية تخصصية بعد شهادة (المشيخة) أو الماجستير تخصص لدراسة المذاهب الخمسة: الشافعي، الحنفي، الحنبلي، المالكي، والزيدي، ثم تأتي شهادة (العالِمية) بكسر اللام، وهي توازي شهادة الدكتوراه. لكن ورغم الخلاف الذي كان قائماً فإن الوزارة كانت تصادق على جميع الشهادات الصادرة عن جامعة الإيمان.
عــشرة عمر مع الإرهاب
أسهم رئيس جامعة الإيمان الزنداني قبل تأسيس جامعته المتطرفة في دعم تنظيم القاعدة في أفغانستان بالرجال والمال. وكان العديد من أقربائه، بينهم شقيقه عبدالواحد الزنداني، يقودون ما كانت تسمى العمليات الجهادية في أفغانستان. وكان هناك لجان مخصصة للاستقطاب وإرسال الشباب إلى أفغانستان تحت شعارات جهادية. ثم أتت الجامعة لتحتضن مئات المنتمين للقاعدة العائدين من أفغانستان والكثير من المتطرفين، واستوعبت كذلك عدداً كبيراً من الدعاة والمشائخ هائجي التشدد والغلو، ليس المنتمين لحزب الإصلاح فقط بل وشملت مشائخ سلفيين متطرفين منهم الشيخ علي العديني والشيخ محمد الصادق وغيرهما كثير.
ثم أدرج اسم عبد المجيد الزنداني في قائمة لجنة العقوبات الدولية بقرار من مجلس الأمن الدولي في فبراير 2004، وذلك في القائمة الموحدة للإرهابيين المرتبطين بتنظيم القاعدة الإرهابي. كما صدرت في حقه عدة قرارات دولية بذلك. وسبق وطالبت عدة حكومات أجنبية اليمن بتسليمه إليها لمحاكمته دولياً بتهم تتعلق بتورطه في جرائم الإرهاب.
شرعنة الإرهاب وتمكينه
استطاع الزنداني، ومن ورائه الإخوان، إيجاد إطار ديني شرعي ممثلاً بجامعة الإيمان للمحافظة على المجموعات الدينية واستمرار تدريبها وتربية أفرادها فكرياً وقتالياً، ليستكمل ما كان قد بدأه في هذا الاتجاه في المعاهد العلمية عبر الحلقات الأسبوعية السرية، فالطالب المنتسب لجامعة الإيمان يخضع لدورة تشبه في صرامتها ما يخضع له المجندون كمجموعات في معسكرات الجيوش، لتستمر عملية الإعداد وتتطور في الجامعة هذه المرة أكثر. وكانت المعسكرات التابعة لعلي محسن الأحمر، بينها الفرقة الأولى مدرع، أحد ميادين التدريب لهذه المجموعات. وبعد تمكن الإخوان من السلطة بعد أحداث عام 2011 أصبحت جامعة الإيمان أكثر حرية فأقامت معسكرات التدريب ومعامل تصنيع المتفجرات داخل الجامعة نفسها، وصارت تمول بسخاء من الحكومة نفسها، حيث كشفت وثيقة رسمية يمنية مؤرخة بتاريخ 25/3/2012م عن توجيهات أصدرها وزير المالية اليمني صخر الوجيه (المحسوب على كتلة أحزاب اللقاء المشترك) إلى محافظ البنك المركزي اليمني باعتماد مبلغ ضخم بحجة بناء جامع في جامعة الإيمان. وكشفت الوثيقة عن صرف ما يزيد على مائة وتسعة وتسعين مليون ريال يمني كدفعة أولى من قيمة عقد مشروع (جامع جامعة الإيمان)! وبتكلفة تقديرية إجمالية لمختلف مراحل المشروع تبلغ حوالي أربعة مليارات ريال يمني.
تمويلها من رعاة الإرهاب
قضية تمويل جامعة الإيمان ليست بالنقطة التي يمكن تجاوزها سريعاً. وكان مسؤولو الجامعة بمن فيهم الزنداني يرفضون الإفصاح عن مصادر التمويل، رغم المبالغ التي كانت تصرف على التعليم وسكن الطلبة ومصاريف التشغيل وغيرها. وادعى الزنداني ومسؤولو الجامعة أن تمويلها يقوم على التبرعات من المحسنين في العالم الإسلامي، وأن هناك موظفين مختصين في الجامعة يقومون بإجراء اتصالات مع الشركات والتجار وأهل الخير من أجل جمع التبرعات، إضافة إلى تبرعات المساجد، وتبرعات بعض الطلاب ميسوري الحال. وقال الزنداني يومها مبرراً السرية حول مصادر تمويل (ولايته الاسلامية) إن الخوف من أمريكا هو ما يمنعهم من تسمية ممولي جامعته، فقال إن أمريكا تدخل من يمول الجمعيات الخيرية قائمة الإرهاب، ولم تكن الجامعة تقدم للجهات الحكومية المختصة أي معلومات حول ميزانياتها ونفقاتها ولا حجم رأسمال الجامعة ومصادر تمويلها الحقيقية ومن أين تأتي ولا حقيقة مناهجها، رغم المطالبات الرسمية بأن تخضع جامعة الايمان لنظام محاسبي وأن تقدم ميزانية سنوية وحسابات ختامية سنوية، وكشوفات بأسماء الطلاب الدارسين والخريجين ونتائجهم، وقائمة بأعضاء هيئة التدريس ومؤهلاتهم وطرق انتخاب رئيس الجامعة والشروط المحددة لذلك ونوعية التدريس المقدم فيها. وتشير معلومات إلى أنه كان هناك دور قطري في دعم الجامعة، وقطر هي المشهورة بدعم كل ما له صلة بالإرهاب. وبحسب المعلومات فإن الزنداني يملك عقارات في قطر ومصانع في السودان وأسهماً كثيرة في بنك سبأ وبنك التضامن الإسلامي، كذلك حظيت الجامعة بتمويل حكومي كبير غير رسمي في فترة الوجود الصريح للإخوان في السلطة، كما ورد ذكره سابقاً.
مخرجات الحاضنة
مخرجات جامعة الإيمان لا تلبي أي احتياجات في سوق العمل، فقط مصممة للاستثمار والإنتاج في سوق القتل والدم. وللجامعة إنجازات كبيرة أسالت الكثير من الدماء وأخرجت كماً هائلاً من الجنائز. ولأن الفكر التكفيري مثل مساراً رئيسياً في الجامعة فقد صدرت منها الكثير من فتاوى الجهاد والتكفير لاستباحة دماء المعارضين والخصوم السياسيين لنهج الإخوان، أشهر هذه الفتاوى (فتوى الجهاد في صيف حرب 94م) ضد الجنوبيين. واشتهر العديد من مشائخها بإصدار الفتاوى إلى جانب الشيخ الزنداني بينهم الشيخ المعروف فضل مراد، فكانت الجامعة من أوائل المشاركين والمتحمسين في حرب 94م في المحافظات الجنوبية. وكان لرئيس الجامعة الزنداني وعدد من مشائخ الجامعة من جماعة الإخوان المسلمين وحزب الإصلاح النصيب الأكبر في حشد وشحن وجلب الجهاديين التكفيريين إلى المحافظات الجنوبية. وكان الزنداني من مؤيدي فتوى التكفير التي أطلقها رفيقه وصديقه وأبرز قيادات الإخوان المسلمين وحزب الإصلاح، عبدالوهاب الديلمي، الذي كان وزيراً للعدل عام 94 ضد أبناء الجنوب وتكفيرهم واستباحة دمائهم وأرضهم وعرضهم ومشروعية قتلهم ووصفهم بالكفرة والشيوعيين الذين يحق ويجوز قتلهم وسفك دمائهم كون ذلك واجباً دينياً.
وفي تعز تم اعتقال خلية إرهابية مؤلفة من 8 عناصر بينهم 6 من طلاب جامعة الإيمان ممن تم ضبطهم في 2010م بعد فشل مخطط إرهابي كبير كان يستهدف عدداً من المنشآت الحيوية في تعز، وشخصيات سياسية وأمنية رفيعة بينهم المحافظ. كما أسهمت الجامعة في دعم التنظيمات الإرهابية في المحافظات الجنوبية في فترة ما بعد 2000م، وكان للزنداني ارتباط كبير بعدد من القيادات الإرهابية في هذه المحافظات، أبرزهم أنور العولقي. وكانت الجامعة تسمح لعناصر القاعدة بالدراسة فيها، والمجال هنا لا يتسع لذكر كل البصمات الإرهابية التي تركتها الجامعة وطلابها، كما لا يتسع لحصر (إنجازات وإعجازات) الزنداني وجامعته الإرهابية.