الجديد برس – متابعات
استطاع رجال الدين في السعودية أن يحجزوا لأنفسهم مكاناً بين الأمراء والملوك على أساس الطاعة، وتمكّن هؤلاء من البقاء إلى جوار الملوك على مرّ التاريخ بشرط أن يمرروا للملك كل ما يخدم مصالحه عبر الفتاوى، وقد ظهر هذا الكلام جليّاً في الآونة الأخيرة داخل السعودية، خاصةً بعد وصول ولي العهد محمد بن سلمان إلى السلطة، وتمكّن هذا الأمير الشاب من إقصاء كل من لا يقف في صفه ومكافأة كل من يمرّر له صفقاته، ولكن هل يستطيع العالم الإسلامي اليوم أن يصمت أمام الفتاوى التي تخرج عن كبار مشايخ السعودية والتي لا تصلح أمور البلاد ولا العباد؟!.
قبل عدة أيام انتشر مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي ظهر فيه ناشطان “جزائري ومغربي” يوجّهان أسئلة محرجة لإمام الحرم المكي ورئيس شؤون الحرمين الشريفين عبد الرحمن السديس خلال إحدى ندواته في العاصمة السويسرية جنيف، ما اضطره للهرب وترك المكان بأسرع ما يمكنه.
الناشط الجزائري هاجم السديس، سائلاً إياه رأيه في حصار قطر، وحرب اليمن، والانتهاكات التي تحصل بحق المدنيين، وتوجه إليه قائلاً: “أنتم تحدثوننا عن الأمن وتحاصرون إخوانكم في اليمن وفي قطر وكنتم سبب إسالة الدماء عام 1992 في الجزائر وانقلاب مصر وانقلاب تركيا”.
وتابع قائلاً: “وكيلكم الله.. أنتم تساندون آل سلول (آل سعود) وأنتم مسؤولون عن ذلك يوم القيامة”، وأضاف “لا سمع لكم ولا طاعة يا عبيد أمريكا.. ينصر الله دولة العدل ولو كانت كافرة.. أنتم الطواغيت”.
أما الناشط المغربي فقد توجّه إلى السديس سائلاً إياه عن موقفه من “حصار قطر”، وتصويت الاتحاد السعودي لكرة القدم لمصلحة الملف الأمريكي لاستضافة المونديال، على حساب الملف المغربي، وبحسب الفيديو لم يجب السديس عن تساؤلات الناشط المغربي، فيما اكتفى بالتأمين على دعاء الناشط نفسه بأن يصلح الله أحوال السعوديين والقطريين.
الأمر المثير للاهتمام تمثّل برفض العديد من المسلمين المقيمين في سويسرا وأوروبا الصلاة خلفه، وقد ظهر هذا جلياً في مقطع الفيديو المنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، وقد عبّر الحضور عن موقفهم الرافض للصلاة خلفه لصدمتهم من مواقفه الأخيرة الداعية للتطبيع مع الكيان الصهيوني على الرغم من نشأتهم وهم صغار على حبه، كما أظهر الفيديو توجّه المعارضين له نحو باب المسجد لحظة خروجه، وهم ينعتونه بالطاغوت والمنافق وعدو الله.
تأثير رجال الدين في السعودية على صورة الإسلام
إيصال المسلمين في جميع أنحاء العالم إلى هذا النفور من رجال الدين السعوديين، سببه الفتاوى التي يخرجون علينا بها بين الحين والآخر والتي لا تخلو من التناقضات، فتارةً تشاهدهم يمنعون المرأة من قيادة السيارة أو الغناء داخل السعودية أو على شاشات التلفزة، وتارةً يحلّلون كل هذا بفتاوى مناقضة تماماً للأولى وهذا يعود بالطبع لرغبة الحاكم وكيفية إدارته للسلطة في الوقت الحالي.
ويمكننا القول إنه لا يختلف اثنان على أنّ الكيان الإسرائيلي، المدعوم أمريكياً، من أكثر الدول فتكاً بالإسلام والمسلمين، وقد استطاعت آلة الإعلام الأمريكية أن ترسم صورة “الإرهاب” عن المسلمين، بعد نجاح الاستخبارات الأمريكية وبتعاون مع السعودية في نشر المدارس الدينية في باكستان التي سارت على النهج الوهابي وأنتجت القاعدة وأخواتها.
لكن هذه الصورة السيئة لم تقتصر على غير المسلمين، بل طالت المسلمين أنفسهم الذين اكتوى بعضهم بنار مشايخ السلطان الحاكم، هذا النهج أي الاستفادة من علماء الدين في الفتاوى السياسية سائد منذ مئات السنين وليس بالأمر الجديد، وما يروّج له السديس وما نتج عنه خير دليل على ذلك، هناك الكثير من المسلمين يدركون جيداً أن السديس وأمثاله لا يمثلون الدين الحنيف ولا يمثلون غير أنفسهم والسلطان الذي يأمرهم بإصدار هذه الفتوى أو تلك.
نعم علماء الدين الذين كانوا يحرّمون السينما والفن وقيادة المرأة للسيارة تراهم اليوم أغلب المدافعين عنها بعد وصول ابن سلمان، فهل الإسلام تغيّر، بالطبع لا، هل هم تغيروا، ربّما، لكن الثابت الوحيد هو تبريرهم لإجراءات السلطان سواءً تعارضت مع الدين أم وافقته، هل رآهم أحد يرفعون صوتهم إزاء التطبيع السعودي مع الكيان الإسرائيلي، بالطبع لا.
ولكن في الوقت نفسه، لا نعتقد أن جميع علماء الدين في السعودية على تلك الحال، بل يمكن تقسيمهم لقسمين رئيسيين، الأوّل وافق السلطان وأكثرهم من أصحاب المناصب والعائلات التي تربطهم بالعائلة علاقة وثيقة على أساس المصالح المتبادلة، والقسم الثاني معارض بشدّة وهم أيضاً قسمين بعضهم في السجن أو الإقامة الجبرية والآخرين قد آثروا الصمت على الكلام ورفضوا الخروج عن تربيتهم الوهابية، ولعل هؤلاء يشكّلون خطراً واضحاً على العرش مستقبلاً.
في الختام، يمكننا القول إن سياسة السعودية أوصلت شريحة واسعة من المسلمين لاتهام العلماء بالنفاق، الأمر الذي يحمل تأثيراً كارثياً على الإسلام على المدى البعيد، ويبدو أن ضرر هذا النهج على الإسلام لا يقلّ ضراراً عن النهجين الأمريكي والإسرائيلي، ولطالما حذّر النبي الأكرم من خطر المنافقين أكثر من تحذيره من خطر الأعداء.