الجديد برس : متابعات
السعودية والإمارات تعملان على بلورة خطة بديلة لمعركة الحديدة، قوامها الاستعانة بقوات إضافية لاستعادة خطوط الإمداد، والالتفاف على تحركات مارتن غريفيث.
بعد فشلهما في إحداث تحول ذي طابع استراتيجي على جبهة الساحل الغربي، وفي ظل التمايز الذي يبديه المبعوث الأممي الحالي عن سلفه، تعمل السعودية والإمارات على بلورة خطة بديلة لمعركة الحديدة، قوامها الاستعانة بقوات إضافية لاستعادة خطوط الإمداد، والالتفاف على تحركات مارتن غريفيث.
خففت الرياض وأبو ظبي، خلال الأيام القليلة الماضية، من رد الفعل المعارض لخطتَي مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن، مارتن غريفيث (الشاملة والجزئية المختصة بالحديدة)، وأظهرتا حذراً في مقاربتهما للمبادرتين، بعدما تلقى غريفيث دعماً واضحاً لجهوده من أعضاء مجلس الأمن الدولي، خلال إحاطته الأخيرة الثالثة في غضون شهر، وهو ما أربك الجهود النشطة لدول «التحالف» في المجال الدبلوماسي، الذي تستحوذ عليه عادة بالكامل لمصلحة عدوانها.
على أن دعم أعضاء مجلس الأمن للمبعوث الأممي لا يعني تبدلاً في مواقف هذه الدول، أو حتى إفساحاً في المجال أمام انعطافة سياسية، كما أنه من الصعب أن يُستنتَج منه تحول دولي في الموقف من الحرب، لا سيما أن ثلاث دول في مجلس الأمن (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا) لا تزال تشارك في العمليات العسكرية وتتبنى الموقف السعودي – الإماراتي. غير أن الجديد في هذا السياق أن المبعوث الأممي الحالي ينطلق من قناعة تامة بعدم جدوى الحلول العسكرية للأزمة، وأن الحل الوحيد للحرب هو المسار التفاوضي السياسي، على عكس المبعوث السابق الذي كان منحازاً بالمطلق للجانب السعودي، ولم يجرؤ في أي من إحاطاته في مجلس الأمن على تقديم رؤية سياسية خارج الأجندة السعودية. أما التأييد الدولي لجهود غريفيث، فهو إنما يأتي بعد فشل الهجوم العسكري على الحديدة، في ادعاء مكرور هدفه التحلل من التبعات الإنسانية للمعركة، في حال أدت حرب شوارع محتملة إلى توقف الميناء.
يتوقع أن يسمع غريفيث من هادي رفضاً للخطة الأممية في شأن ميناء الحديدة
صيغ «انتزاع» الحديدة من «أنصار الله» أو «تسليمها» غابت عن المشهدين السياسي والإعلامي، لتحلّ مكانها صيغ «الانتظار» و«المبادرة قيد الدرس» وما ستؤول إليه المحادثات مع المبعوث الأممي. ومع ذلك، من المتوقع أن يسمع غريفيث، اليوم الاثنين، في العاصمة السعودية الرياض، رفضاً مباشراً من قبل الرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي (الذي غادر عدن بحجة لقاء المبعوث الأممي، علماً أن الأخير كان زار عدن لساعات قبل زيارته الأخيرة إلى صنعاء واجتمع مع هادي هناك)، لمبادرتَي الحل الجزئية والشاملة، وهو ما يُعتبر حكماً رفضاً من جانب الرياض وأبو ظبي لهما. غير أن هادي سيوفر للسعودية والإمارات إعفاءً من الظهور بمظهر المشاكس لمجلس الأمن ومبادرات مبعوثه إلى اليمن. وقد كان لافتاً، أول من أمس، أن زعيم حركة «أنصار الله»، عبد الملك الحوثي، استبق موقف الطرف المقابل بإعلانه في بيان مكتوب أن دول العدوان رفضت مبادرة المبعوث الأممي بخصوص الحديدة، والتي قدمها أخيراً إلى مجلس الأمن.
إزاء ذلك، يبدو أن السعودية والإمارات تعملان في الوقت الحالي على خطّة بديلة ببعدين، عسكري وسياسي، يمكن إيجازها على النحو الآتي:
ــ استمرار العمليات العسكرية في محاولات متكررة لتأمين الطريق الساحلي باتجاه الحديدة. وقد شهدت الأيام الماضية معارك كر وفر بين «ألوية العمالقة» المدعومة إماراتياً من جهة والقوات اليمنية المشتركة من جهة أخرى في مديرية التحيتا، من دون أن تسفر عن نتائج تذكر. ولا تزال قوى العدوان تعمل على حشد القوى اليمنية الملتحقة بها، إذ لم يعد الحشد مقتصراً على «ألوية العمالقة» الجنوبية، وقوات «ألوية الجمهورية» التابعة لطارق صالح، بل التحقت بجبهة الساحل في الأيام الأخيرة ألوية «الحماية الرئاسية» التابعة لعبد ربه منصور هادي، بقيادة مهران القباطي الذي استُدعي من السعودية بعد فراره من معارك عدن بداية العام الحالي. كما خرّجت المعسكرات الإماراتية من قاعدة عصب الإريترية تشكيلات عسكرية بلغ عددها الآلاف من أبناء الجنوب وتهامة.
ــ الضغط على المبعوث الأممي لثنيه عن التعامل مع «أنصار الله» من منطلق الطرف الند، بل بصفتهم «انقلابيين ومغتصبي سلطة»، والسعي إلى كسب غريفيث واحتواء حركته الأخيرة.
ــ العمل على تحميل الأمم المتحدة مسؤولية فشل الهجوم على الحديدة أمام الرأي العام بسبب رفضها الاستمرار في العمليات العسكرية، وهي ذريعة عمدت إليها كل من الرياض وأبو ظبي لتبرير هزائمهما العسكرية المتتالية.
نجحت صنعاء في الصمود العسكري، وأوقعت القوات الغازية في حرب استنزاف طويلة الأمد. كما نجحت في التعامل مع المساعي الأممية في شأن الحديدة، بقبولها مقترح آلية التفتيش التقنية المقدم من مارتن غريفيث في زيارته ما قبل الأخيرة إلى صنعاء، في إطار «إزالة الهواجس الأمنية» لدول «التحالف»، والمقصود بها منع مرور السلاح إلى «أنصار الله». وبذلك، سقطت من أيدي السعودية و الإمارات ورقة التباكي الإنساني بدعوى أن حكومة صنعاء تعيق وصول المساعدات الإغاثية إلى الشعب اليمني عبر ميناء الحديدة، وانكشف كذب الادعاءات المتكررة التي تسوقها الرياض وأبو ظبي كذريعة لتبرير سيطرتهما على الساحل الغربي عموماً، والحديدة ومينائها في شكل خاص.