المقالات

الصماد 2 ما من سقف آمن للمليك

الجديد برس : رأي

صلاح الدكاك

بعد (الصماد 2) ستتحول منظومة الدفاع السعودية (والإماراتية) الضخمة والمكلفة إلى عبء حديدي غير ذي جدوى، وسيستعاض عنها بجيش من (البودي جاردات) يعمل بمفهوم الحماية الشخصية، وينتشر حول كل منشأة حيوية في المملكة وحول كل شخصية مهمة ورفيعة.. باختصار لن يكون بإمكان الرياض المنخورة بالاحترابات الداخلية الملكية العائلية، والمثخنة بفواتير الغرق في اليمن، توفير غطاء أمني بحجم التهديد الذي تتعرض له بفعل هذه النقلة النوعية التي فرضها جيشنا ولجاننا على مسار الاشتباك والردع، وسيساعد مناخ الخوف السائد بعد عملية (صماد 2) على ارتفاع وتيرة الاحتراب الأميري التآمري البارد وعمليات التصفيات البينية… هذا التقزيم من ترسانة العدو ذي الإمكانات الحربية الكبرى هو معجزة يمانية قوامها تعطيل التفوق المهول لسلاح معسكر العدوان وتصفير قيمته الفنية القتالية وجدوائيته لجهة الدول التي تلوذ به وتهرق التريليونات الهجومية بغية اكتساب الوزن وتحقيق الغلبة الهجومية والمنعة الدفاعية لتشاهد منطاد رهاناتها العملاق وهو يفرقع مزقاً ودفعة واحدة بوخزة دبوس بعيد المدى والأثر.
ما تراهن عليه المملكة وخليط دول تحالف العدوان من إمكانات اقتصادية وحربية ضاربة وباذخة طبقاً لحسابات القوة التقليدية،
بات وبالاً عليها ونقطة ضعف فاضحة في كيانها الكبير المتخم الذي يبدو ـ بعد 4 أعوام من حرب غير متوازنة ـ عاجزاً وعديم الحيلة أمام استراتيجية الرد والردع التي ينتهجها العقل العسكري اليمني المحارب بـ(الولاعة) في مواجهة (بحيرات النفط)!
عندما تتوافر على إرادة الحياة بحرية واستقلال وكرامة، فإنك لن تعدم السبل المواتية والكفيلة بأن تجعل من ذراعك القصيرة والعزلاء طوع طموحك الشاسع البعيد المدى والمترامي التخوم والأطراف، ومصداق هذه المعادلة الأنصارية التي بدت بالأمس ضرباً من المثالية الثورية حتى بعيون الموالين، يتجلَّى اليوم واقعاً مادياً مشهوداً يكتوي به العدو ولا تخطئه عين المراقب العالمي.
تقرع (صماد 2) خزانات (أرامكو) الحصينة بأصابع من نار وشرر، ويقرع السفير الفرنسي أبواب صنعاء المحاصرة، مستميحاً غفران القيادة الثورية والسياسية عن دور بلاده الفاضح في العدوان المباشر على اليمن وشعبها..
يدس ملوك وأمراء التخمة النفطية والعسكرية رؤوسهم في وحل الخيبة والخبال، ويتنقلون خلسة وخفية بين مقاصير حريمهم وعروش ملكهم كاللصوص تحوُّطاً أن تتخطفهم الطير المسيَّرة من تلقاء اليمن المثخن بالآلام وبمناسيب (الفقر والتردي المعيشي) في حدها الأعلى..
وتتلفن موسكو عاصمة المونديال إلى تحويلة المجلس السياسي الأعلى في صنعاء، ويتلقى بوتين رسالة من الرئيس مهدي المشاط؛ وهو الذي زعمت بلاده أن سماء صنعاء ستهوي على سطوح منازلها لمجرد أن حزم موظفو السفارة الروسية حقائبهم وغادروها عقب تهاوي أركان مخطط ديسمبر الخياني بساعات..
وإذ أخفقت (واشنطن ـ لندن) في رشوة (بكين) لإبعادها عن محمياتهما الخليجية بإشراكها في بعض ريوع الاحتلال في جنوب اليمن، ها هما تذعنان بلا شروط أمام المد العالي للنفوذ الصيني المتعاظم، وتغضان الطرف عنه خزياً وقلة حيلة وهو يجتاح (تابوهات نفوذهما الحيوي الحصري في خليج البترودولار)، حيث ظلت الصلات الخليجية مع الصين مقصورة على ممثليات تجارية في هيئة سفارات تتودد (تجار الشنطة) بالتسهيلات..!
لا يمكن مقاربة هذه المتغيرات الدولية والإقليمية بمعزل عن المتغير الثوري اليمني الذي يفاجئ العالم بإدارة مقتدرة سياسياً وعسكرياً لدفة صراع تقف خلاله اليمن في مواجهة جل العالم سياسياً وعسكرياً واقتصادياً وإعلامياً، وحيدة ومحاصرة وعرضة غير مأسوف عليها لاختبارات كبريات مصانع الموت الحربي الكوني..
أجل زعزع المتغير السوري توازن الإمبراطورية الأمريكية في (الشرق الأوسط)؛ لكن المتغير اليمني يجهز اليوم على وجود هذه الإمبراطورية بلا رحمة، وينحرها في قلب جبروتها الاقتصادي الاستعماري، مفسحاً بوتيرة أسرع لخارطة توازنات وجودية عالمية أن تتخلق وفي صدارتها محور المقاومة الذي اكتسب زخماً وجودياً فارقاً بالمتغير اليمني ولا ريب.
(صماد 2) ليست إذن طائرة مسيَّرة أغارت على الرياض المحروسة بزبدة الهيلمان الغربي العسكري ـ فحسب ـ بل مشروع وجود يمني عابر لخناق الوصاية الأمريكية، وفي اتصال عميق وشاسع الأبعاد مع محيطه الإنساني على تعدد مستوياته الاجتماعية وروابط مكوناته الحيوية البشرية والمادية؛ الإيمانية منها والخَلقية.
إن حربنا في مواجهة تحالف عدوان قوى الهيمنة والاستكبار ليست مقيَّمة بالجغرافيا اتساعاً أو ضيقاً -كما يؤكد سيد الثورة السيد عبدالملك- وإنما بالوجود الحر المقتدر خارج زنازين الرواية الأمريكية المضروبة على التاريخ والفكر والمعرفة والدين والإعلام والمناهج التربوية وكراريس المدارس، حيث يتجلَّى معنى الهيمنة والوصاية في أبشع صوره وأبعدها غوراً، ولا مناص لشعوب المنطقة ولا سبيل لها إلى الحرية بمفهومها الجوهري ما دامت لا تعي حدود الاحتلال الذي ترزح فيه، وترى حريتها مرهونة بالخلاص من الوجود العسكري الغربي.
(صماد 2) هي ـ إذن ـ رحلة يمانية مستمرة من مهين النطفة الآدمية إلى (أحسن تقويم)، ومن شهقة الحاق إلى نفخة الاستخلاف والروح الخلاقة.