الجديد برس : رأي
فضل عباس جحاف
لا غرابة فيما تضمنته تصريحات وزير الأوقاف السعودي عبد اللطيف آل الشيخ من اعتراف بإسرائيل كدولةٍ، والإشادة بمواقفها المتعلقة بالسماح للحجاج الفلسطينيين من عرب 48 بأداء فريضة الحج، فتصريحات الوزير جاءت في معرض حديثه عن موسم الحج وفي سياق نقل العلاقات السعودية الإسرائيلية من السرية إلى العلن كخطوةٍ ضمن سلسلة خطوات ينفذها مشايخ الوهابية الوجه المذهبي للمملكة في اتجاه شرعنة تطبيع العلاقات مع إسرائيل وتجذيرها شعبيًا ليس على المستوى الثنائي وإنما على مستوى دول الخليج والدول العربية، والعمل على استنهاض الشارع العربي والجماعات المتطرفة المحسوبة على الإسلام وتدجينه لمصلحة هذا الخيار الذي تنظر إليه إسرائيل كمدخل لحل القضية الفلسطينية بدون أي مقابل، وتعتبره إسرائيل بديلًا يمكنها من فرض تسوية على السلطة الفلسطينية دون تقديم أي تنازلات بدلًا عن أن يكون حل القضية الفلسطينية هو المدخل للتطبيع، هذا من جانب ومن جانب آخر تدرك إسرائيل أن نجاح مخططاتها في التحول إلى كيان طبيعي في المنطقة لن يتحقق إلا عبر بوابة “السنية” باعتبارهم الأكثرية في المحيط العربي لإسرائيل، وفي ذات الاتجاه تحرك قادة الكيان الصهيوني وفق مخطط أمريكي إسرائيلي مشترك جرى الترتيب له مسبقًا، واتضحت ملامحه ووضعت قواعده الأولية في مؤتمر القمة العربية الإسلامية الأمريكية المنعقدة في الرياض المحطة الأولى في جولة ترامب الرئاسية الخارجية الأولى التي وصفت بالتاريخية باعتبارها كشفت عن توجهات إدارة ترامب ذات الأبعاد الدينية في المنطقة وشروعها في تنفيذ خطوات المخطط الأمريكي الإسرائيلي المشترك الذي يرمي إلى تطبيع العلاقات بين الدول العربية المعتدلة وإسرائيل في كافة الجوانب بعد إعلان ترامب تدشين زعامة المملكة السياسية والعقائدية في المنطقة، ومن ثم باشر الرئيس الأمريكي تنفيذ أول خطوات المخطط بدعوة حلفائه من العرب والمسلمين إلى تشكيل تحالف إقليمي مع إسرائيل بعنوان (ناتو –إسلامي) بقيادة السعودية وعلى أرضية مذهبية وطائفية لمواجهة التطرف والإرهاب وفق الرؤية الأمريكية الإسرائيلية للمرحلة الحالية وظروفها الموضوعية التي استدعت إجراء تعديلات تمحورت في إحلال الخطر الإيراني ومحور المقاومة والممانعة بدلًا عن داعش والقاعدة .
وثانياً: إيجاد اصطفاف ديني عالمي يصطف فيه (اليهودي الصهيوني، المسيحي الإنجيلي، المسلم الوهابي) جنبًا إلى جنب للعمل على خط موازٍ لتسويغ وشرعنة المهام الموكلة للتحالف الجديد وحرف وجهة الصراع في المنطقة من صراع عربي إسرائيلي إلى صراع سني – شيعي وتحويل إسرائيل من عدو للعرب والمسلمين إلى حليف لهم في أي صراع قادم ضد إيران ومحور المقاومة والممانعة في إيحاء بأن إسرائيل إلى جانب الدول العربية المعتدلة (المحور السني) ضد إيران ومحور المقاومة (المحور الشيعي) وكأن أهل السنة لا علاقة لهم بالمقاومة، وهو مؤشر خطير ينبئ عن توجه سعودي جديد اتضحت معالمه في الصمت السعودي حيال تصريحات ترامب التي أعلن فيها عن إدراج حركتي حماس والجهاد الإسلامي ضمن التنظيمات الإرهابية المدعومة من إيران إلى جانب حزب الله وشرعنة هذا القرار من هيئة كبار علماء السعودية التي يرأسها مفتي السعودية عبد العزيز آل الشيخ الذي أصدر فتوى حرم فيها قتل اليهود واعتبار حركة حماس منظمة إرهابية تضر الفلسطينيين، وتصنيف المظاهرات المساندة للمقاومة والمناصرة لقضية القدس بالدعاية الرخيصة، وبات الدور الأمريكي واضحًا في إقامة اصطفاف ديني وتوظيف مشايخ الوهابية كجزء منه في خدمة الكيان الصهيوني ووضع جميع حركات المقاومة الإسلامية بغض النظر عن أصولها المذهبية في خانة الإرهاب، وهو الأمر الذي استثمرته إسرائيل لصالحها في تحزيم موقف عربي بقيادة السعودية يقبل بإسرائيل ويوفر لها قدرًا من المشروعية (الدينية) في جزء من الشارع العربي والإسلامي معتمدين في ذلك على الهوية التي يتسم بها النظام السعودي والمكانة التي يتصدرها في العالم الإسلامي .
وخلافًا للماضي فقادة الكيان الصهيوني لا يعولون حاليًا على التسويات واتفاقيات السلام بقدر ما يعولون على تطبيع العلاقات في كافة الجوانب، وبالذات التطبيع الديني بالرغم أن إسرائيل حققت مكاسب استراتيجية من وراء تلك التسويات والاتفاقيات التي تعد وفق المنظور السياسي اعترافًا جزئيًا بإسرائيل؛ لذلك فإسرائيل اليوم تهدف إلى انتزاع مشروعية دينية عربية وإسلامية ولو على نطاق جزئي كخطوة مكملة لفرض الاحتلال الصهيوني كجزء من الأمر الواقع يمنحه قدرًا من الحصانة التي تحوله إلى جزء طبيعي من نسيج المنطقة، ومن دون انتزاع هذه المشروعية وقبولها من الشعب الفلسطيني على وجه الخصوص والشعوب العربية على وجه العموم فإنه لا أُفق ولا مستقبل للكيان الصهيوني، وسيبقى تعامل الشعب الفلسطيني والشعوب العربية مع الكيان الصهيوني كمحتل وفلسطين أرض محتلة يجب تحريرها عاجلًا أم آجلًا.
وعلى ضوء ما تقدم علينا أن ندرك أنَّ تبني تل أبيب والرياض نفس الخطاب السياسي وتقاطع أولوياتهما الإقليمية إلى حد التطابق في تحديد الأعداء وآلية مواجهتهم واستخدام المفردات المذهبية ذاتها في تصنيف القوى الإقليمية وكل ماله علاقة بالنظرة والمواقف والإيمان بالثوابت مع محور المقاومة والممانعة ما هو إلا تجسيد فعلي لمخطط إسرائيلي ينفذ بالتوازي مع خطوات صفقة القرن ومقدمات تمهد لاستئناف المفاوضات على وفق بنودها كما أشار إلى ذلك رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي الأسبق اللواء (يعقوب عميدور) في بعض تصريحاته التي دعا فيها إلى “بناء منظومة علاقات تمثل مظلة مشتركة من أجل تحرك تقوم به الدول السنية وإسرائيل ومن ثم يمكن ضم الفلسطينيين إليه من أجل البدء في المفاوضات”.
ودون أدنى شك أن طبيعة هذا التحرك ما هو إلا ناجم عن التحولات التي طرأت على مواقف إدارة ترامب تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والمرتبطة بفريق مستشاري ترامب من اليهود الذين نجحوا في إقناع ترامب وإدارته في تبني الاستراتيجية الإسرائيلية الجديدة التي تستخدم البعد الديني في الترويج للادعاءات الصهيونية وتبرير سياسات الغزو والاستعمار تبريرًا دينيًا من وجهة نظر إسلامية وهابية، وما دعوة وزير الاتصالات الإسرائيلي (أيوب قرأ) لمفتي السعودية ورئيس هيئة العلماء (عبدالعزيز آل الشيخ) لزيارة القدس المحتلة إلا بلورة لهذه الاستراتيجية، كما أن إشادة قادة الكيان الصهيوني بمواقف النظام السعودي ومؤسساته الإعلامية والدينية، وتحول تصريحات آل سعود ضد إيران ومحور المقاومة وكذلك الفتاوى التي يصدرها مشايخ الوهابية لشرعنتها إلى مواد دسمة يستهلكها الإعلام الإسرائيلي إلا من تجليات الاستراتيجية الإسرائيلية التي تعتمد على التطبيع الديني انطلاقًا من السعودية باعتبارها أرض الحرمين الشريفين.