الجديد برس : رأي
عبدالحميد شروان
في مفاوضات جنيف السابقة تم عرقلة الوفد الوطني في جيبوتي قبل انطلاقه إلى سويسرا ٢٤ ساعة لا لشيء سوى امتهان الوفد وإذلاله، ورغم ذلك ذهبوا إلى جنيف، وبعد فشلها عاد الوفد الوطني إلى عمان، ومن هناك بدأت السعودية بحصارها ومنعها للوفد من العودة إلى البلد، واستمرت عرقلتهم عن العودة لمدة ثلاثة أشهر.
في البداية، قال مفوض الأمم المتحدة أنه سيرسل طائرة تتسع لـ١٥ شخصًا، بينما كان عدد أعضاء الوفد ضعف ذلك الرقم، فرفضوا هذا العرض الغريب والمستفز وغير المنطقي!
بعدها قال ولد الشيخ أنه سيرسل طائرة تتسع الجميع، ولكن مع شروط، أنه يتوجب عليهم الإمضاء والموافقة عليها، كان التوقيع على هذه الشروط بمثابة التوقيع على ورقة وصيتهم الأخيرة، أو ورقة انتحارهم ومغادرتهم إلى الحياة الآخرة.
طلب منهم ولد الشيخ الامضاء على تحمل المسؤولية، وإخلاء مسؤولية الأمم المتحدة من أي حدث قد يصيب الطائرة، اختطاف، استهداف وما يوازي ذلك، وهذا كان كمن يقول: قبل أن أقذف بك من أعلى الهاوية، عليك أن توقع لي على ورقة تخلي مسؤوليتي على موتك بعد أن أرميك إلى هاوية سحيقة!
وفدنا، بطبيعة الحال، رفض التوقيع على الأمر، وطالب بطائرة عمانية تتكفل بعملية نقلهم، لثقتهم بالجانب العماني، ولكن دول العدوان رفضت هذا الطلب، وتحججت أنهم سينقلون أسلحة عبر الطائرة العمانية، وكأن عمان مجرد منظمة إرهابية تقودها عصابة و تشتغل في تهريب الأسلحة، وليست دولة لها وزنها واحترامها، وهذا الأمر كان فيه إساءة بالغة لعمان واتهام مبطن لقيادتها بتسليح القوى الوطنية، وليس فقط إساءة وامتهان لوفدنا المحاصر!
وبعد الحاح ولد الشيخ، وافقت السعودية على نقل الوفد بطائرة عمانية، ولكن هذه المرة أضافت شرطًا استفزازيًا قذرًا آخرًا، تضمن تفتيش الطائرة في مطار بيشة قبل انتقالها إلى مطار صنعاء، ولكم أن تتخيلوا بشاعة تحقق هذا الأمر، كأن يجيء ضابط تافه، لينادي أعضاء وفد ممثلين لشريحة واسعة من أبناء الجمهورية، واحدًا تلو الآخر على نحو مهين همجي: “إنت يابو يمن انزل نفتشك”!
تركت عمان الخيار لأعضاء الوفد على الموافقة أو الرفض، وكما هو متوقع وبديهي، رفض وفدنا انتقالهم إلى مطار بيشة وتفتيشه هناك.. وفي نهاية الأمر رضخت السعودية صاغرة بعد ثبات موقف الوفد على العودة مباشرة إلى مطار صنعاء، أو البقاء في عمان إلى أن يحكم الله بيننا وبين جرذان النفط.
من خلال هذه التجربة المريرة، كان أفضل ما قام به وفدنا هو فرض شروطه “البديهية” على الأمم المتحدة في مسألة الانتقال من وإلى جنيف وتوفير الضمانات الفعلية لذلك دون أي تدخل وإملاءات وضغوط من دول العدوان قبل بعد مرحلة المشاورات الحالية؛ فالوعود السابقة للأمم المتحدة كلها تبخرت مع أول شيك استلمه ولد الشيخ، لذا كان من الطبيعي أن يفرض وفدنا ويضغط لوضع آلية موثقة وضامنة من الأمم المتحدة لكل خطوة يخطوها وفدنا، قبل ذهابه إلى أي مكان.