الجديد برس : رأي
أحمد الحسني
يسأل صديقي عاتباً كيف لم أكتب عن ملحمة البسالة التي بثها الاعلام الحربي لمجاهدين اثنين يتغلبان بالحجارة وبندقية واحدة على مجموعة من المرتزقة مدججين بالأسلحة، ويردف: أليس في ذلك ما يستحق الكتابة عنه؟!
بلى؛ ولكني لم أجد الكلمات التي تليق بجلال المشهد، ولا اللغة التي ترقى إلى عظمته. أنا مقتنع وما زلت مقتنعاً حتى وأنا أكتب هذه الأسطر بأننا مهما تأنقنا في اختيار الألفاظ وتفننا في سبكها، نتطاول كثيراً على ملاحم البسالة والعظمة التي يسطرها أبطالنا الاستثنائيون في كل الجبهات منذ بدأ العدوان، وأننا حين نكتب عنها نخدش بهاءها بأقلامنا الكسيحة، ونلقي بلغتنا الباهتة ظلالاً على صفحاتها الناصعة. قطرة الحبر، مهما انتظمت شعراً ونثراً، لا تكافئ قطرة الدم.
المشهد الذي بثه الإعلام الحربي عن هذين المجاهدين، وما بثه وما لم يبثه
من مشاهد البسالة المنقطعة النظير والعظمة غير المسبوقة، هي أسفار خلود لشظفنا الأبي يكتبها عنا أولئك الأبطال بدمائهم في جبهات الشرف والتضحية، ويبتكرون وحدهم لغتها المترفة. إنهم يكتبون بالدم في الخنادق ما يشرفنا بلغة أدهشت العالم، ولا يمكننا في “مداكينا” أن نكتب بالحبر وكل لغات العالم ما يليق بهم. لا يوجد في اللغة تعبير يفي بما قام به هذان البطلان، ولا ما يصف إقعاء دبابة الابرامز أمام الكلاشينكوف، ولا ما يشرح كيف يواجهون المدرعات والطائرات والبارجات في سهل ساحلي مكشوف، أو يفسر كيف يصمدون طوال أربع سنوات في منطقة مبسوطة كراحة اليد مثل ميدي… ستقول لي: الكلمة جهاد والقلم كالسيف! نعم، لكن الفرق ما بين هذا وذاك كالفرق بين المترس و”المدكى” وبين قطرة الحبر وقطرة الدم.
لم أكتب عن هذا المشهد لأنني أعتقد أن كل ما كتبنا وما نكتب وما سنكتب عن هذه المشاهد هو محض هراء، فهي أبلغ تعبير عن نفسها، والواجب هو أن نشارك أولئك الأبطال في كتابة تلك الملاحم، وليس الكتابة عنها، وأن نكون جزءاً من تلك العظمة متسابقين إلى الجبهات للإسهام مع أولئك الأبطال في صناعة إبهارها، لا متبارين فقط في الحديث عنها ومتنافسين في الانبهار بها. الوطن اليوم يدعو الجميع إلى حمل البندقية، ولا يستثني أحداً، والجميع مدعو للانضمام إلى أولئك الأبطال الذين يجترحون تلك المعجزات، ومغبون مغبون مغبون من يبخل على نفسه ولا يلبي الدعوة.