الجديد برس : تقارير
في ظلّ عجز الأمم المتحدة عن البدء بما يسميه مارتن غريفيث «إجراءات بناء الثقة»، يتكشّف المزيد من فصول التواطؤ الأميركي على اليمنيين، في ظل تأكيدات من داخل الولايات المتحدة بشأن ممارسة إدارة دونالد ترامب الكذب الصريح من أجل استمرار صفقات الأسلحة
لم يكن تصديق أن الولايات المتحدة تتعمّد إطالة النزيف اليمني، من أجل الاستفادة إلى أقصى حدّ ممكن من الجيوب الخليجية، بحاجة إلى قرائن أكثر مما قدّمته الحرب المندلعة منذ 3 سنوات ونصف سنة إلى الآن. لكن الوثيقة السرية التي سرّبتها صحيفة «وول ستريت جورنال»، والتي تؤكد أن «شهادة الزور» الأخيرة التي أدلى بها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، أمام الكونغرس، بشأن أداء السعودية والإمارات في هذا البلد، تظهر مدى الصفاقة الذي بلغته إدارة دونالد ترامب في تملّق تحالف العدوان والتغطية على عملياته. وهي سياسة ليست الأمم المتحدة، على رغم كل صراخها بشأن التكلفة الإنسانية للحرب وضرورة إيقافها، بعيدة منها تماماً. وما مماطلتها في تنفيذ اتفاقية الجسر الجوي الطبي التي وقّعتها مع حكومة الإنقاذ، إلا نموذج من الطريقة التي يتم التعامل بها مع الأزمة «الأسوأ عالمياً»، بحسب توصيف المنظمة الدولية نفسها.
وفقاً للوثيقة التي نشرتها الصحيفة الأميركية، فإن خبراء وزارة الخارجية المختصين في شؤون المنطقة، والمستشارين القانونيين فيها، حضّوا بومبيو على عدم الإدلاء بشهادة تفيد بتحسّن السلوك الإنساني لـ«التحالف»، نظراً إلى «عدم إحراز تقدم في تخفيف الخسائر البشرية». لم تكن تلك النصيحة تعني، بحال من الأحوال، رفع الغطاء السياسي والاستخباري والتسليحي الممنوح للسعودية والإمارات، بل تبرير استمراره بأنه «يصبّ في مصلحة البلاد»، بحسب ما أوصى به الخبراء. لكن بومبيو أراد أن يكون ملكياً أكثر من الملك نفسه، فقال للكونغرس إن الرياض وأبو ظبي «تتخذان إجراءات ملموسة لخفض الخطر على المدنيين والبنية التحتية المدنية». أما لماذا كَذَب وزير خارجية إدارة ترامب، وصادق على كذبه لاحقاً وزير الدفاع جيمس ماتيس؟ فحرصاً على مليارَي دولار ستجنيهما الولايات المتحدة من بيع 120 ألف صاروخ موجّه للسعوديين والإماراتيين، طبقاً لما كشفته «وول ستريت جورنال».
هذه المعلومات أثارت انتقادات إضافية داخل الولايات المتحدة، بعدما كانت شهادة بومبيو نفسها استدعت ردود فعل مستنكرة من قِبَل أعضاء في الكونغرس وجماعات حقوق الإنسان. واعتبرت السيناتورة الديمقراطية، جين شاهين، أن المذكرة المُسرّبة من إدارات عديدة في وزارة الخارجية «تؤكد أن الإدارة انتهكت القانون»، واصفة ما أدلى به بومبيو بـ«المزيف». وأشارت إلى أن «حملات القصف العشوائي للتحالف تسبّبت في مقتل العديد من المدنيين»، مضيفة أنه «حان الوقت لتحميل التحالف مسؤولية أفعاله»، ومشددة على ضرورة أن «تبدأ الإدارة فوراً اتخاذ خطوات للامتثال للقانون، وتقديم شهادة تعكس الحقائق على أرض الواقع». دعوة لا يبدو أنها ستلقى آذاناً صاغية، أقلّه قبيل الانتخابات النصفية للكونغرس المُقرّرة في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، والتي يضع الديمقراطيون رهانهم عليها من أجل قلب المعادلة لمصلحتهم.
نفت مصادر مطّلعة سقوط معسكر الدفاع الجوي في الحديدة
في الانتظار، تستمرّ واشنطن في تصدير آلات الموت إلى اليمن، توازياً مع دعواتها الممجوجة إلى «تجنّب قصف المناطق والأهداف المدنية»، بحسب ما كرّرت المتحدثة باسم وزارة الخارجية هيذر نويرت. تورّط لا يكاد يجد له مكاناً في إفادات الأمم المتحدة وتقاريرها بشأن الحرب الدائرة في هذا البلد، على رغم أن الـ«فيتو» الأميركي لا يزال يعطّل قدرة المنظمة على إتمام أبسط الإجراءات المطلوبة لـ«بناء الثقة» وفق ما يدعو إليه المبعوث الدولي مارتن غريفيث، والتمهيد لإعادة إطلاق المفاوضات. وليس إخلاف الأمم المتحدة بالتزامها لحكومة الإنقاذ، بموجب اتفاق وُقّع بينهما أخيراً، بتسيير رحلات جوية طبية من صنعاء، إلا دليلاً على ذلك العجز الذي يكبّل المنظمة الدولية، إذ بعد يومين فقط من تعطّل انطلاق تلك الرحلات بسبب عدم موافقة «التحالف» على منحها ترخيصاً، حطّت منسّقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن، ليز غراندي، في الرياض، حيث التقت وكيل وزارة الخارجية في حكومة عبد ربه منصور هادي، منصور بجاش، الذي هاجم الاتفاق المذكور بشدة، قائلاً إن حكومته لن تعترف به. ومع أن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش كذّب ما أوردته وكالة «سبأ» التابعة لـ«الشرعية» نقلاً عن غراندي، من أن «الأمم المتحدة لم ولن توقّع أي اتفاقية أو مذكرة تفاهم مع الانقلابيين»، بتأكيده أمس توقيع الاتفاق انطلاقاً من ضرورة «التعامل مع السلطات الفعلية الموجودة على الأرض من أجل العمل الإنساني»، إلا أن تطبيق المذكرة يبدو أنه جُمّد فعلياً.
في خضم ذلك، يقف اليمنيون وحدهم في مواجهة الموت القادم إليهم هذه المرة من بوابة الساحل الغربي، الذي شهد أمس هجوماً لسلاح الجو المسيّر على معسكر مستحدث لـ«التحالف» في جزيرة السوابع. وأفادت وكالة «سبأ» الرسمية التابعة لحكومة الإنقاذ بأن طائرة من نوع «قاصف 1» استهدفت المعسكر «بعد عملية استخباراتية»، و«خلّفت خسائر في صفوف العدو». ومع استمرار غارات طائرات «التحالف» ـــ وإن بوتيرة أخفّ ـــ وتسجيل اشتباكات متقطعة شرقيّ المدينة، «اخترعت» وسائل الإعلام الموالية للسعودية والإمارات، أمس، «إنجاز» السيطرة على معسكر الدفاع الجوي في منطقة كيلو 16، من دون أن تكون أي مواجهات قد وقعت في محيط المعسكر منذ أيام. ووفقاً لمصادر مطلعة، فإن المعسكر، الذي يُعدّ من أقدم المعسكرات في محافظة الحديدة وسبق أن استهدفته الطائرات مرات عديدة، يقع بالقرب من المنطقة المعروفة بدوار السفينة، و«لا يوجد أي تقدم» للميليشيات المدعومة إماراتياً «باتجاه هذه المنطقة».
الحديدة تحيي ذكرى «21 سبتمبر»
شهدت مدينة الحديدة، أمس، مسيرة حاشدة إحياءً للذكرى الرابعة لـ«ثورة 21 سبتمبر»، بمشاركة قيادات مدنية وعسكرية. وعلى رغم التحليق المكثف لطائرات «التحالف»، احتشد الآلاف من سكان المدينة رافعين الأعلام اليمنية وصور الرئيس الشهيد صالح الصماد، ومردّدين شعارات تؤكد ثباتهم في مواجهة العدوان. وألقى وزير الخدمة المدنية والتأمينات في حكومة الإنقاذ، طلال عقلان، كلمة في المحتشدين، أشار فيها إلى أن «ثورة 21 سبتمبر جاءت لتنتزع القرار السياسي اليمني المسلوب»، مخاطباً دول العدوان بالقول: «آن لكم أن تفيقوا وتعلموا أنه مهما حشدتم وقتلتم ودمرتم سيظل استقلال هذا البلد هامة على الرؤوس». وكان رئيس المجلس السياسي الأعلى، مهدي المشاط، وجّه إلى اليمنيين كلمة بالمناسبة، أكد فيها «حرصنا على السلام وانفتاحنا على كل الحلول المنصفة والمبادرات المفضية إلى وقف العدوان ورفع الحصار، وما يحفظ لشعبنا حقوقه كاملة غير منقوصة، ولبلدنا سيادته ووحدته». ويُقصد بـ«ثورة 21 سبتمبر» تاريخ 21 أيلول/ سبتمبر 2014، الذي دخلت فيه «أنصار الله» إلى العاصمة صنعاء، وسيطرت على المعسكرات والمقارّ الحكومية، قبل أن يتم «توقيع اتفاق السلم والشراكة»، الذي انقلب عليه عبد ربه منصور هادي لاحقاً بتقديمه استقالته وفراره إلى عدن.
المصدر: الأخبار اللبنانية