الجديد برس – أخبار محلية
ما يشير إليه الرئيس الاميركي في خطابه أمام جمهوره في ولاية ويست فرجينا، هو بمثابة إعلان أميركي رسمي عن انتهاء مرحلة أموال “النفط مقابل الحماية”. والاقرار بأمر واقع جديد هو حرية التصرف الأميركي بكل النفط السعودي مقابل الحماية.
المرحلة الغابرة في العلاقة بين أميركا والسعودية المعروفة باتفاق “النفط مقابل الحماية”، أقرّها لقاء فرنكلين روزفلت وعبد العزيز على متن الطراد كوينسي في العام 1945. وبذلك ورثت الولايات المتحدة التركة البريطانية في الخليج. وأخذت على عاتقها حماية السعودية من التهديدات الخارجية والداخلية التي يتعرّض لها الحكم.
السعودية لم تسلّم النفط والآبار والمنابع إلى الولايات المتحدة. لكنها سلّمت عائدات النفط على شكل مشتريات السلاح والسلع، وعلى شكل تمويل الخدمات والتيارات السياسية والدينية التي تعارض الهيمنة الأميركية. ففي هذا السياق دعمت السعودية حملات حلف بغداد الذي كان يشبه وقتها ما يدعو إليه جاريد كوشنير باسم “الناتو” العربي لتصفية القضية الفلسطينية. وفي السياق نفسه دعمت السعودية قاعدة اسامة بن لادن في أفغانستان والتيارات والجماعات الأخرى التي لا تُحصى في كل أصقاع العالم.
صيغة الحماية الاميركية مقابل عائدات النفط، بدأت بالاهتزاز أثناء ولاية باراك أوباما الثانية حيث أخذت السعودية في التمادي بدعم الحروب بالوكالة بما يفوق الحاجة الاميركية، ولا سيما في العراق وسوريا واليمن. فالرئيس أوباما رأى أن الولايات المتحدة لا يسعها حماية السعودية من التناقضات التي تهدد انهيارها من الداخل. ولهذا دعا أوباما السعودية إلى تغيير أساليب الحكم، ودعا الحكم السعودي إلى تحقيق إصلاحات داخلية. وتخلّى بذلك عن جانب من الصيغة القديمة، وهو حمايتها من الداخل أيضاً مقابل عائدات النفط.
ترامب يقلب الصيغة رأساً على عقب، في إشارته إلى أن السلاح الذي تشتريه السعودية من الولايات المتحدة والدول الغربية، لا يكفي لحمايتها. فالسعودية ليست بمأمن مقابل تسليم العائدات إنما عليها تسليم ترامب حرية التصرّف في زيادة انتاج النفط السعودي لتغطية حاجة الأسواق المهددة نتيجة العقوبات على إيران. وعليها أيضاً تفجير منظمة الأوبك وتخفيض أسعار النفط، لحماية أميركا والدول الصناعية من الأزمات الاقتصادية التي يمكن أن تتعرّض لها بسبب ارتفاع أسعار النفط والغاز.
ما يطلبه ترامب من ثمن مباشر، يهدّد السعودية بأزمة اقتصادية داخلية خانقة. فما تسميه السعر التعادلي في حسابات ميزانيتها يتجاوز 87 دولاراً للبرميل. وفي حال انخفاض سعر البرميل تغرق الميزانية في عجز دائم. وبينما وصل فائض الميزانية إلى 155 مليار دولار في العام 2008، تغرق الميزانية في عجز يتجاوز 60 مليار دولار في العام 2018. وفي محاولة التخفيف من العجز، يحاول محمد بن سلمان تخفيض نفقات الدولة حوالي 30 مليار دولار، وخوصصة 5% من شركة آرامكو بمبلغ 30 مليار دولار. لكن هذه الحاولة تهدّد الحكم في الداخل حيث يعاني فقراء السعودية من زيادة التقشّف، وحيث يرفض الأمراء التخلي عن امتيازاتهم في ملكية النفط وتقسيمه بين العائلة المالكة.
ترامب يذكّر الملك سلمان بأن ثمن حماية واشنطن للسعودية يتجاوز كثيراً ما تدفعه من مئات المليارات. فهو يصوّب على شركة آرامكو لخوصصة الشركة كلها في بورصة نيويورك، آملاً بتوفير 2000 مليار دولار كدفعة أولى من التصرّف في ملكية النفط والطاقة. ولعل ما يطمح إليه ترامب يفوق هذه المساعي، إلى دفع السعودية للخضوع إلى ديون البنك الدولي والمصارف الأميركية والقضاء بذلك على أكبر ميزانية عربية تتجاوز 260 مليار دولار. والافت أن ترامب لم يلوّح بعد بقانون “جاستا” الذي يتحرّك من جديد بعيداً عن الأضواء للتعويض على عائلات 2500 من ضحايا 11 أيلول/ سبتمبر وعلى 20 ألف من المصابين والمؤسسات المتضررة بمئات مليارات الدولارات.
ترامب لا يحمي السعودية من التناقضات الداخلية التي تهدّد أركان الحكم، بل يعمل على تفاقمه. ولا يحمي السعودية من الخارج، إنما يدفعها لتهديد دول المنطقة. لكنه يحميها في العدوان على اليمن في قتل اليمنيين وتجويعهم، إلى أن يتعرّض ترامب نفسه إلى تهديد داخلي وإنساني ضد الجرائم.