المقالات

يسوع الأنصاري

الجديد برس : رأي

صلاح الدكاك

حين ننتقد خرس العالم ونفاقه، إزاء الفظائع التي يرتكبها تحالف العدوان الكوني بحق بلدنا و شعبنا اليمني منذ أربعة أعوام، فإن ذلك لا يعني أننا نتوسله أن يقتص لنا، بل نرثي له ونحن نشاهد مدى عجزه عن أن يقتص لنفسه، من جلاد كوني يقتص اليمانيون منه اليوم لأنفسهم وللعالم أجمع.
إن أطفال اليمن يمطرون باروداً وشواظاً وحمماً على جبروت وإرهاب وهيلمان وخزائن المملكة، التي يقف غلمانها اليوم على رأس «تمثال الحرية» الأمريكية، ليتبولوا على رأس الرأي العام الأوروبي والعالمي والأممي ونواميس وأسفار الليبرالية وحقوق الإنسان والشرعية والعهود الدولية.
إن «ليدي ليبرتي» التي تشخص لها قلوب وأبصار النخب العربية والشرقية، وتيمم صوبها الجباه خوفاً وطمعاً ورغبة ورهبة، ليست إلا «مومساً» رخيصة في خدور «الدب الداشر» وغلمان «الروث» الرقمي ونياق البترودولار.
غير إن غلمان «الروث» على انحطاطهم وتخلّفهم، يبقون أكثر تقدماً من مثقفي الكارتون اليمنيين والعرب، الذين لايزالون يدورون في «مدار الجدي والسرطان» طوافين حول بناطيل أنجلينا جولي الجلدية، وتنانير نجمات الأوسكار، والسعفة الذهبية، ومنافض مخرجي هوليوود، وهلوسات فنون وروايات ما بعد بعد الحداثة، مكبرين ومهللين بخشوع.
غلمان «الروث» دسوا أيديهم المثقلة بالشيكات خلف تنانير آلهة الحداثة الغربية، فأثبتوا دون قصد هشاشة جوهرها وماهيتها البشرية الناكصة، وانحطاط غرائزها، في حين أن مثقفي الكارتون عكفوا ولايزالون يعكفون على حواف التنانير «المقدسة» خشية أن تدركهم لعنة سيزيف إن هتكوا أستار نقائص الآلهة الغربية المهتوكة أصلاً.
أؤكد لكم أن «نوبل للأدب» هذا العام، ستكون من نصيب  «الدب الداشر» عن روايته الموسومة بـ«هكذا قتلنا خاشقجي»، بينما لا عزاء لـ«علي المقري»، وأقرانه من روائيين كارتونيين، بدّدوا أعمارهم و أطنان الورق، ووسدوا كرامتهم الآدمية والأدبية ووطنهم وشعبهم قرباناً على عتبات «لجان البوكر والعويس والبابطين»، وانتهوا بلا كرامة ولا جائزة ولا وطن ولا جمهور قراء.
ليس لدى مملكة بني سعود ما تخسره حضارياً وإنسانياً، فقبل وبعد تقطيع أوصال خاشقجي، على مرأى من عيون الرأي العام العالمي، كانت المملكة سيئة السمعة وغارقة حتى سنامها في أوحال الهمجية والقمع والاستبداد والتخلف والرجعية، لذا فإنه من المغالطة والتضليل الفاضح القول بأن واقعة القنصلية الشهيرة قد فتحت عيون «العالم الحر» على دمامة وقبح المملكة، كما لو أن هذه الحقيقة كانت غائبة عنه، ولم يكن يمد لقبح ودمامة المملكة مداً، ويستثمر فيها منذ صفر نشأة الكيان النفطي الوظيفي الأكبر في الخليج والشرق.
ليس بن سلمان، وحده من يحاول افتداء نفسه بأضحيات من الحشم والخدم الملكي، فأمريكا والغرب، بالأساس، هم المتهم الأول المسكوت عنه في هذه المسرحية المعدّة سلفاً، وهم من دفعوا بها إلى هذا المآل ليتسنّى لهم افتداء أنفسهم من رياح تحولات الشرق الأوسط، لاسيما في اليمن وسوريا، عبر التضحية بولي العهد «الأخرق» وأبيه، تلافياً لخسارة المملكة برمتها وبالتالي خسارة أمريكا والغرب الامبريالي بالعموم، واندثار خرافة الحقوق والحريات والديمقراطية التي يجلدون بها جسم الكرة الأرضية منذ أكثر من قرن من الزمان.
إن عالماً آخر زاهياً يزهر اليوم من جراح اليمن المكابرة، وصمود وصلابة شعب الأنصار، وعلى المسحوقين في أرجاء الأرض، أن يحمدوا لليمنيين هذا الدم المعطاء الذي يحمل عن البشرية آلامها، كيسوع محارب يثخن قوى الهيمنة والاستكبار العالمي بالآلام.