الجديد برس : رأي
كمال خلف
أعترِفُ بأننا نعيشُ عصراً عربياً قاسياً، نحن بكل آسف في عصر أدنى من عصر الانحطاط. وإذا كان ”إبراهيم يازجي” أبو القومية العربية قد قال بيت شعره الشهير ”تنبهوا واستفيقوا أيها العرب فقد طمى الخطب حتى غاصت الركب” فإننا بعد مئة عام على هذا التحذير الشهير وصل بنا الخطب حتى غطى رؤوسنا وليس فقط الركب.
من الخليج الصابر حتى المحيط الهادر اخترقت إسرائيلُ الدولَ العربية، بعد أن عجزت هذه الدول وتخلت تماماً عن قضيتنا المركزية قضية فلسطين. كان التطبيع مداناً ووصمة عار لكل من يذهب إليه، والآن لم يعد الأمر عند حدود التطبيع إنما وصل إلى مرحلة التحالف مع القتلة والمجرمين والمحتلين. وهذا هيّأ لأمريكا وإسرائيل ومن معها من عرب الخليج إلى طرح “صفقة القرن” بوقاحة وهم يعلمون أن الجسد العربي بات منهكاً لدرجة أنه لم يعد قادراً على مقاومة هذا المشروع الخطير.
سوريا غارقةٌ في لملمة جراحها بعد أن دفع الأخوة العرب في الخليج مليارات؛ بهدفِ تدميرها وتقسيمها وإضعافها. أما العراق فقد مهّد العرب في الخليج تحديداً إلى احتلاله وَتقطيعه وَتدمير قدراته ومن ثم تحول إلى طوائف تتقاتل فيما بينها، حتى خرج العراق من دائرة الصراع وَالفعل والقوة إلى حالة مزرية يحاول فيها احتواء أوضاعه الداخلية المنهارة.
أما اليمن فقد دمره العرب الخليجيون فوق رؤوس أهله، ودفعوا المليارات للولايات المتحدة وغيرها من الدول الأوربية لشراء السلاح والقائه إلى رؤوس الشعب اليمني الجائع. ولم تتوقف المجازر في اليمن حتى اليوم.
وفي لبنان فإن بعض القوى السياسية اللبنانية أصبح مشروعها وهدفها محصوراً في مواجهة المقاومة اللبنانية المتمثلة بحزب الله، وأقصى غاياتها هو نزع سلاح المقاومة، تلك المقاومة هي أول مقاومة عربية هزمت إسرائيل وأجبرتها على الانسحاب من أرض عربية دون قيد أَوْ شرط. تلك المقاومة تقف اليوم وحيدة مثل يوسف النبي وسط إخوة عرب، شيطنوها ومذهبوها وحاصروها ووضعوها على قوائم الإرهاب.
وفي فلسطين فالحديثُ عن أوضاعها يدمي الفؤاد، صبيةٌ في عمر الورود يقفون أمام سياج حدود قطاع غزة ويواجهون كُـلّ جمعة بالحجارة والطائرات الورقية، ويرتقي منهم الشهداء مع كُـلّ مواجهه، لم يعد يدافع عنهم نظام عربي أَوْ تحضنهم وسائل إعلام عربية. لم يعد لدمائهم تلك القدسية فهي لا تنفع في حملات التشويه والتحريض الإعلامية.
في الضفة لم يعد عند الرئيس أبو مازن ما يقدمه لإسرائيل، هم يريدون كُـلّ شيء، وهو قدم أقصى ما يستطيع، وعليه أن يكون شريكاً في بيع فلسطين وإنهاء حق شعبه في الوجود وإلّا فليرحل.
على من سيعول الفلسطينيون ومصر العروبة لا ترى نفسها اليوم إلا ساعيَ بريد ينقل الرسائل بحياد. وبقية العرب يستقبلون نتنياهو ويتحالفون معه ضد إيران وَحزب الله وحماس والجهاد الإسْلَامي وكل من يؤمن بالسلاح وسيلة للمقاومة.
انتقِ ما شئت من القيم ووظّفها لتحقيق الهدف ”حقوق إنسان، عدالة، ديمقراطية، تحرير الشعوب، مستقبل، دين، طائفة، أي شيء”. وعليك أن تنسى تماماً أن مصدر التمويل لا يملك كُـلّ هذه القيم، وعليك أن تدرك أَوْ لا تدرك أن هذه القيم وسائل لتحقيق الهدف، وليس أهدافاً بحد ذاتها؛ لأَنَّها إنْ أضحت أهدافاً فإنها اول ما تقوض عروش مصادر المال.
ثم وجهت هذه الحملات إلى إيران في إطار رؤية جديدة للسعودية بالاتّفاق مع الولايات المتحدة ضمن استراتيجية جديدة تسعى فيها الإدارة الأمريكية الحالية إلى تصعيد المواجهة مع إيران. فتحركت الماكينة ضد إيران، ثم بدأ الخلاف مع قطر. تحركت الماكينات الإعلامية من الطرفين وخاضت صراعاً مريراً، استخدمت فيه كُـلّ أسلحة التشويه والفضائح. انهمكت نخبنا العربية بهذه الحملات وفي هذه الصراعات الداخلية. ولم يكن نجاح أحدها في تشويه الأُخْـرَى والانتصار في معركة الإعلام على الأخ والشقيق سوى مظهر من مظاهر انحطاط هذه الأمة.
نعم عن ماذا سنكتب في هذا المشهد الأسود، لدينا بعض الأمل، هناك نبض قليل في هذا الجسد المتعفن، سنكتب عنه وله. هناك نُخَبٌ فقيرة بل معدمة تكتب وتتلكم فيما تبقى لها من منابر تعاني قلة القدرة. إلا أنها مثل ناي يعزف وسط الضجيج، سوف تبحث الشعوب بعد هذا التيه عن ذاك الصوت وسط الرُّكام والظلام وتهتدي به إن شاء لله.