الجديد برس
قضية الجنوب ليست مجرد صنماً يعبد , ويسجد له الكثير من أبناء الجنوب بغير وعي , كما هو حاصل الآن ويروّج له في بعض الأوساط , ولا يمكن بأي حال من الأحوال استبدال ما يسمونه (احتلال) باحتلال آخر مثلما هو حاصل اليوم , ولا يخفى على أحد , ان قضية الجنوب قد تحولت إلى كلمة حق يُراد بها باطل , و صارت مطية للمستغلين والمنتفعين وتجار النضال , و لدينوصورات الجنوب (التاريخية) في الخارج , ووكلاؤهم في الداخل , ومجرد وسيلة للابتزاز السياسي , و شعارات جوفاء فارغة , وقطعاً من القماش يرفعها الأطفال على أعمدة النور , و فعاليات مناسبية موسمية فقط , وحسب الطلب , فيما يطلقون عليها ب (المليونيات) , وبعد أن تشظت مكونات الحراك , كلاً يتبع جهة ما خارجية أو داخلية , وصارت تتصارع فيما بينها منذ الآن , فما بالك بعد تحقق ما يدعونه هم بحلم (استعادة الدولة ) , والأهم في كل ذلك هو غياب المشروع السياسي الواضح , لا أحد منهم يمتلك أي رؤية مستقبلية لشكل ذلك الجنوب القادم , كلهم يقولون : ( بعدين بعد الاستقلال با يقع خير ) , فهل هذا منطق معقول لأناس يدعون أنهم متحضرون ومنظمون ورجال دولة , ولا يتفقون فيما بينهم حتى على أصغر التفاصيل , ولا شيء يجمعهم سوى وهم كبير اسمه (هوية الجنوب) , كذبة كبرى هذه الهوية , ولا تقام الدول أصلاً على هذا المقوّم الواهي , فالعرب هوية واحدة ويعيشون في 22 دولة فاشلة , والأكراد هوية واحدة ويعيشون في أربع دوّل ,وامم كثيرة أخرى , هذا ان سلمنا جدلاً بوجود هذه الهوية المزعومة , وإلا في واقع الحال فأن هذه الهوية غير موجودة لا في ثقافة الجنوب ولا في تاريخه ولا حتى في الجغرافيا الطبيعية والبشرية فيه , لا شيء سوى كيان سياسي هجين انشأته بريطانيا في آخر سنوات احتلالها للجنوب ,للحفاظ على مصالحها في هذه البقعة من العالم , ثم بعد رحيل بريطانيا واستقلال الجنوب , ورثت ذلك الكيان جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية , التي استمرت 23 سنة , ثم تلاشى ذلك الكيان السياسي وذاب نهائيا في 22 مايو 1990 , أنتهى سياسيا وقانونيا وإدارياً , ولو كان كيان أصيل لما تلاشى بهذه السرعة القياسية , و أدهى ما في الأمر ان (قيادات) تلك الفصائل تدغدغ مشاعر جماهير العوام و الأطفال , اللذين طحنهم الواقع المرير المعاش والظالم بشعارات وهمية ليس لها وجود إلا في أذهانهم , حتى تحركهم كما تشاء وتستغل معاناتهم وعدالة قضيتهم , نعم بعضها كانت موجودة ولكنها قد انتهت ولن تعود , لن تعود مطلقاً لأن مقوماتها الأساسية قد ماتت واندثرت , فمثالية الاشتراكية التي ما زالت تحن اليها , وتحلم بعودتها الطبقة الكادحة التي ارهقتها الوحدة , قد أصبحت جزء من الماضي و في ذمة التاريخ ,لأنها قد ماتت في عقر دارها , و كثير من المتغيرات الدولية الكثيرة قد حصلت خلال الربع قرن الأخير ,وما زال هؤلاء متقوقعين على انفسهم ويحلمون , وتعالوا نحسبها من ناحية أخرى بالمرة , لماذا نريد ان ننفصل عن اليمن ؟ هل لأن الشمال متخلف كما ندعي ؟؟ إذا كان كذلك فنحن صرنا اليوم أشد تخلفاً منهم بمراحل , أنظر إلى كافة جوانب الحياة , المرأة مثلاً , تعيش اليوم في الشمال في أوضاع تعتبر متقدمة (مقارنة بنا طبعاً فقط) , وكذلك هو الحال في السياسة والادارة والخدمات وحتى في مستوى تفكير رجل الشارع البسيط . أم نريد ذلك لأن الشمال قبلي وهمجي ؟؟ فيكفيك حينها ان تلقي نظرة على واقع الجنوب الآن , فقد عدنا مأتيين سنة للوراء , وصارت القبيلة تتدخل في كل تفاصيل حياتنا , حتى التعينات الإدارية تتم وفق مراعاة هذا المكوّن الاجتماعي الذي يتدخل في كل شيء , مع التركيز على ان حتى دور القبيلة ليس مقنن ووفق معايير معينة واعراف متعارف عليها كما في الشمال , فعندنا كما هو دائماً الحال , كل شيء نفعله غلط ومقلّد ,حتى الأشياء السلبية للأسف نفعلها بغباء . ام هل نحاربهم لأنهم مناطقيين كما نزعم ؟؟ لقد أصبحت المناطقية عندهم مجرد نزهة مقارنة بما هو في واقعنا في الجنوب اليوم , كل شيء يتم وفق هذا المعيار المقيت والمتخلف والبغيض , حتى أن مؤسسات أمنية وعسكرية كاملة تُبنى وتُؤسس من الصفر , ثم تُدرب وتسلح على أساس مناطقي , وهذا يُنذر بكارثة كبرى قادمة لا محالة , ثم لا يخفى حتى على عين المراقب العادي , ما يتم الآن من تعبئة وحشد مناطقي جلي جداً , حتى أن عدن قد قسمت إلى مربعات نفوذ مختلفة بين مناطق بعينها تقليدية معروفة , وكل شيء معد جيداً للانقضاض على السلطة والاستحواذ عليها , لصالح منطقة او جماعة دون أخرى , وذلك عند مجيء اليوم الموعود , فالصراع مؤجل فقط إلى موعد قادم ,لأنهم يقاتلون حالياً (عدو) واحد مشترك ,ولأن الأوامر لم تصدر اليهم بعد . ام نريد الانفصال لأننا قد سئمنا من فساد الشمال المستفحل ؟؟ لقد أصبح كبار عتاولة المفسدين في الشمال مجرد تلاميذ مقارنة بمسئولي وناشطي الجنوب , اما امراء الحرب ومقاولو (المقاومة) وتجار النضال , فقد طفحت فضائهم , وازكم فسادهم الأنوف , فتأمل فقط كيف تدار مؤسسات الدولة في الجنوب خلال السنتين الأخيرتين , أي بعد بدء الحرب , و لاحظ كيف يتم التعامل مع موارد الدولة المالية , وكيف يكون التصرف مع المساعدات و معونات الإغاثة القادمة من الخارج إلى عدن على وجه الخصوص , لتصدمك الوقائع المريرة , نعم كان الفساد موجود ومستشر جداً من قبل الحرب , ولكن ما يجري الآن لا يقارن بشيء من ذلك , فقد فاق كل الحدود والضوابط . هل نريد ان ننفصل عن الشمال لاستعادة دولتنا المدنية العلمانية السابقة ؟؟ أنظر فقط بلمحة واحدة إلى مجتمعنا الحالي في الجنوب , الدواعش يتغلغلون في كل مفاصل الدولة والمجتمع , و في جميع المؤسسات الحكومية والمجتمعية الأخرى , حتى تلك الأمنية والعسكرية الخطيرة منها ,والقاعدة موجودة وتزدهر في الأرجاء , بل ان امارات اسلامية كاملة قد قامت على مساحات جغرافية شاسعة من الجنوب , في حضرموت وأبيّن وغيرهما , والجميع يعرف ذلك جيداً , ناهيك عن الحشد والتعبئة والتحريض الطائفي الموجود والمزدهر في الجنوب وعلى كل منبر , وذلك ضد باقي الطوائف والفرق الأخرى ان في الجنوب او في الشمال على حد سوى , ولا يعترف هذا الفكر بالمخالف كيفما كان نوعه ,كما انه عابر للحدود كما هو معروف , ولا ننسى كذلك حزب الإصلاح (الإخواني) ومليشياته المسلحة , ومختلف الجماعات الراديكالية المختلفة , التي يعج بها الجنوب , وتسرح وتمرح كيفما تشاء بتواطئ بل وبدعم صريح من دول الاحتلال , ومن سلطة الاحتلال المحلية القائمة في محافظاته المختلفة , والمسماة جزافاً ب (الشرعية) وهذا أيضاً مشروع صراع اسلامي – اسلامي رهيب قادم بين هذه الجماعات , المختلفة من حيث الفكر والأهداف , بينما لا تجد أياً من كل ذلك في الشمال . أم نريد الانفصال لأننا نرغب في استعادة سيادتنا وقرارنا كما كنا قبل الوحدة ؟؟ وليس مثلما يفعل الشمال (الانتهازي) المرتهن للامبريالية العالمية والصهيونية , والمرتمي في أحضان الرجعية العربية العميلة كما كنا نقول زمان ؟؟ صحوا النوم و تخلصوا من فصامكم المستفحل , وتأملوا المشهد السياسي كما هو في الواقع , وليس كما كان قبل ربع قرن , الشمال اليوم وبكل مكوناته , بما فيها بل وفي صدارتها تلك القبيلة (المتخلفة) , هو من يقاتل الغزاة الجدد اليوم , ويتصدى لمشاريع الهيمنة العالمية , ومراكز النفوذ الإقليمية ,و يقارع كل القوى الظلامية المتكالبة معها , بينما نحن (الأحرار) السابقون لسنا سوى أدوات لعينة لمشاريع السعودية الفاشلة في اليمن ,ومغامراتها المتهوّرة وغير المحسوبة , فنحن من فتحنا الجنوب , كل الجنوب أمام الاحتلال السعودي الإماراتي , ومنذ اليوم الأول للحرب , ليس ليستبيح الجنوب فحسب , بل والشمال أيضاً ,وكل الوطن , وارتضينا ان نكون مجرد مسامير صدئة لعينة تدور في دولاب السعودية كيفما دار , وبدون أي ثمن يذكر , أدوات رخيصة تستخدمنا المملكة بوعي او بدون وعي منا , بل و حتى حشدنا ابناءنا فلذات اكبادنا و دفعنا بهم إلى الجبهات للقتال في صفها , فأصبحنا رأس حرباء العدوان لطعن أخوتنا في الشمال , شركائنا في الوطن و الجغرافيا والتاريخ المشترك , وتطوعنا للقتال ضد أخوة الوطن في مختلف جبهات القتال الداخلية كمرتزقة أجراء , بل وحتى ذهبنا للقتال في الخارج , وتحديداً للدفاع عن حدود السعودية الجنوبية (نجران وجيزان .. الخ) , ولكون ذراعها المستأجرة الوسخة لتمكينها من غزو واحتلال شمال وطنا مثلما قد احتلت جنوبه , وصرنا وبكامل ارادتنا واقعون تحت احتلال بغيض كامل من قبل السعودية والإمارات , ولم يقدموا لنا نظير ذلك أي شيء يُذكر , نظير خدماتنا المجانية الكبيرة والمتعددة لها , بل حتى ان من واجبها تجاه البلد الذي المحتل , ان تتحمل مسئولية ادارة شئون الناس المختلفة , كما تنص القوانين الدولية المعروفة في مثل هذه الحالات , فالخدمات في الجنوب وبعد سنتين من عدوان السعودية الغاشم والمفتوح على الشعب اليمني , واحتلاله لجنوبه العزيز , في أدنى مستوياتها , وربما تتفوّق عليها كثير منها مناطق الشمال المنكوب , وغياب كامل للدولة , وتعدد مخيف للسلطات , ونشوء أشكال وانماط جديدة منها , والأوضاع المعيشية مأساوية للغاية , في حين تفتك الأمراض والأوبئة المتفشية بالسكان في كل مكان , وحتى مرتبات موظفينا وجنودنا المرتزقة ما زالت تأتي من الشمال الواقع تحت النار والحصار , و الأخطر من كل هذا نمو وتشكل مشاريع سياسية مختلفة في الساحة الجنوبية , متضادة و متناقضة فيما بينها , مما يهدد بتمزق وتشطي الوطن , وغرقه لا سمح الله في الصراعات الدامية والطويلة في المستقبل . اما من المسئول عن وصول الجنوب لهذا الوضع المتردي الشامل , فهذا موضوع طويل آخر تماماً ولا نناقشه هنا . ويظل السؤال نفسه قائماً , لماذا نريد ان ننفصل عن الشمال ؟؟ وبما نتميّز عنه ؟؟ لا شيء في الواقع سوى أوهام , و اطروحات ساذجة ليس لها أي أساس , و حتى أخلاقياً وهذا أعز ما تملك الأمم والأقوام , سقطنا سقوطاً أخلاقيا مزرياً , سوى كان ذلك بوقوفنا مع الغازي المحتل والقتال معه في جميع جبهاته العسكرية والاقتصادية والسياسية والاعلامية .. الخ , بل وحتى ينبري بعضنا للدفاع عنه كلما أقتضت الحاجة , او ارتكب جريمة حرب او مجزرة جديدة , حيث نحاول ان نبرر له افعاله الشنيعة , وتدميره المتعمد والحاقد لكل بنانا التحتية , كالمدارس والمستشفيات , والمواقع الأثرية والمعالم التاريخية والملاعب والطرق والجسور وصالات الأعراس … الخ , وكأن ذلك لا يعنينا بشيء , ولا تحرك فينا أي نخوة تلك المناظر البشعة للدماء التي تسيل كل يوم في كل أجزاء اليمن ومدنه وأريافه المختلفة , ولا القتل اليومي الحاصل بسبب العدوان وبالجملة , ولا مشاهد الدمار الرهيب في البيوت والمنشئات والشوارع , بل العكس , كثير منا يفرحون للأسف الشديد بذلك , او ذلك السقوط الأخلاقي المعنوي الآخر , كزرع وبث الشعور بالكراهية لكل ما هو منتمي للشمال , في شتى مناحي الحياة , حتى في الفنون والآداب , و أعني هنا ما يتم بصورة ممنهجة ومنظمة , وليس مجرد تصرفات فردية رعناء , حيث يتم ذلك بقصد وعن سابق تخطيط و تمويل , وتألف فيه القصائد والشعارات والأناشيد , بطريقة مخزية للغاية , ولا يقتصر الأمر على الجوانب المعنوية فقط بل ويتعداه للأفعال التعسفية ايضاً , فقد درج رعاع الجنوب على التنكيل بالعمال والباعة وأصحاب المهن الأخرى الشمالين المقيمين في الجنوب , بشكل فردي أحياناً , وجماعي في أغلب الأحيان , ويندرج ما قام به محافظ عدن المعيّن من سلطة الاحتلال من أعمال اعتقال , وتنكيل وترحيل جماعي لمئات من العمالة الشمالية في عدن , وبحجج واهية , وهي عدم امتلاكهم للبطائق الشخصية , يندرج ذلك تحت هذا العنوان البغيض , بينما يعيش مئات الألوف من الجنوبيين في صنعاء وباقي مدن الشمال , ومن مختلف الشرائح الاجتماعية , معززين مكرمين ومحترمين , ويشاركون في شتى نواحي الحياة هناك بشكل طبيعي جداً , ليس اليوم فقط ,بل ومن ما قبل الحرب بكثير , سوى كان بعد الوحدة في 1990 او ما قبل الوحدة , وخصوصاً اولئك المتضررون من الحكم الشمولي في الجنوب , او اولئك الهاربون من بطش السلطة بعد حصول كل صراع من الصراعات السياسية الدموية الرهيبة التي كانت مألوفة وشائعة في الجنوب قبل الوحدة , أو مجرد مهاجرون عاديون , او حتى أولئك الجنوبيون الموجودون هناك منذ ما قبل قبل الوحدة وعبر العصور , والعكس كان إلى قريب جداً صحيح ايضاً في الجنوب , فأي سقوط اخلاقي مخز كهذا السقوط ؟؟ . فهل نريد فعلاً ان نفصل ليحكمنا هؤلاء الرعاع المجرمون الجهلة والعملاء بل الموظفون لدى الجارة اللدودة ؟ فعن أي مشروع جنوب تتكلمون ؟ أنستبدل شراكة غير عادلة في الوطن , بتبعية وعبودية كاملة لدولة عدوة والجميع يعرف حجم وتاريخ عداوتها لكل اليمن , والتي لا تمتلك هي الأخرى أي مشروع سياسيي معين في المنطقة , سوى التمدد والالحاق , والاستخدام المذل والمهين لحلفائها ممن تخلوا عن شعوبهم وتنكروا لأحلامها وتطلعاتها , و باعوا انفسهم لها . ختاماً فمن نافلة القول ,ان عدالة القضية الجنوبية مسألة واضحة وجلية وغير قابلة للنقاش , حتى من خصومها أنفسهم , ولابد من الاعتراف ان انانية وانتهازية الشمال ومنذ اليوم الأول للوحدة وحتى اندلاع هذه الحرب الملعونة , ومركزيته الشديدة والمتعمدة , وفساده الذي تجاوز كل الحدود , و توليته مسئولين شماليين , او حتى من ابناء الجنوب أنفسهم , كمحافظين وقادة و مسئولين فاسدين على المحافظات الجنوبية عموماً , قد تسبب في تكوين موقف سلبي من الوحدة , لدى أغلبية الجنوبيين , هذا أمر محسوم , و لا يمكن بأي حال من الأحوال انكار او جحد ما تعرض له الجنوبيين من تهميش واذلال واستغلال دنئ , وفي كل المجالات بدون استثناء , من قبل المركز الظالم والفاسد في صنعاء , و رغم فهمنا ان الفساد والظلم يعم كل اليمن من اقصاه الى اقصاه , ولكن عندما يتعلق الأمر بالجنوبيين تصبح المسألة حساسة أكثر وذات دلالة , فهم يعتبرون انفسهم (وهم بالفعل كذلك) , انهم قد جاءوا للوحدة طوعاً وتخلوا عن دولة كانت منظمة ونظامية جداً مقارنة بالشمال , جاءوا كشركاء حقيقيون وانداد في الدولة الجديدة (الجمهورية اليمنية) , فتم الالتفاف عليهم , و خداعهم ثم اقصائهم شيئاً فشيئاً بحكم انهم كانوا الشريك الأضعف , هذا شيء مفهوم جداً ومقدر , ولكن الشمال في واقع الأمر ليس هو سلطة علي عبدالله صالح السابقة فقط , ولا هو مراكز القوى القبلية الجاهلة الكريهة , ولا هو عسكر فاسدون او موظفون لصوص , او مشايخ منافقون دجالون فجرة , ولا تجار جشعون اوغاد , ولا كل باقي الأنماط المجتمعية الأخرى القبيحة , الشمال هو وطن وشعب كامل ,هو جغرافيا وتاريخ طويل مشترك , هو أخوة لنا في الوطن , لا يوجد أي مبرر سياسي او ديني او أخلاقي او وطني او حتى انساني يبرر ما يتعرضون له من ظلم وعدوان وحصار وتجويع , وتدمير كامل , وبشاعة لا توصف , وتمزيق وطن لازلنا نحن شركاء فيه , على الأقل حتى الآن , في حين تظل قضية الجنوب العادلة قائمة , واستحقاقاته مهما ارتفع سقفها , اوكيفما كان شكل ونوع خياراته الأخرى , كل هذا شيء مكفول وحق محترم , ولكن الاختلاف السياسي شيء , والخيانة الكاملة الاشراط الموجودة الآن على أرض الجنوب شيئاً آخر !! آخر سطر , حتى لو سلمنا جدلاً واخترنا الانفصال الكامل عن الشمال , فببراغماتية شديدة أقول ان هذا سيكون كارثياً جداً وبكل معنى الكلمة على الجنوب , للأسباب أعلاه , ولأسباب كثيرة استراتيجية أخرى أعمق وأشمل من التناول البسيط في هذه العجالة , خصوصاً في الأوضاع الراهنة على الساحة الجنوبية , فالوضع اليوم غير ما كان عليه في 1967 عند استقلال اماراته ومشيخاته المختلفة عن بريطانيا , كان حينها بسيطاً ومرتباً أكثر , اما اليوم فالزمان غير الزمان , والظروف غير الظروف , فوضى عارمة تجتاح الجنوب حالياً , والفراغ هو المسيطر على المشهد , وحتى هذا الفراغ المسيطر ذاته يتصارع ويتنازع مع الخواء الشامل في محيطه , ولا توجد أبسط المقومات الاساسية لقيام كيانه السياسي من جديد ,و تنعدم بالتالي حظوظ وجوده , وذلك الجنوب الذي كان قائم قبل الوحدة في مايو 1990 , جميلاً كان ام سيئاً , قد مات وانتهى وانقضت ايامه , ولن يعود مجدداً بنفس هيئته ,لأنه ببساطة ما عاد له وجود في الواقع , و لا احد حتى يدعي او يزعم من زعاماته انه يستطيع ان يضمن عودته مثلما كان . (انتهى)
عدنان باوزير