الجديد برس : رأي
عبدالمجيد التركي
قال لي:
إن ما في يديك أكبر مما في طموحاتهم. لقد نسجوا في مخيِّلاتهم ثوباً سندسياً يحاولون ارتداءه، فكلما اتَّسعوا ضاق، وكلما اتَّسع ضاقوا.
أما أنتَ، فلست محتاجاً إليه -لملازمته إياك- حتى وإن كنت عارياً.
قال لي:
تنصَّل من النظر واتحد مع الرؤية، فلأَنْ يذيبك اليقين خير من أن تريبك الظنون. وقل لمن يخلع وجهه كلَّ مساء: إن شوكة الميزان لم تعد تحتمل تطفيف السراب.
قال لي:
دع الآخرين يبحثون فيك عن ذواتهم المفقودة. ولا يفعلون إلا لأنهم رأوك فردوساً يحقق لهم خرافات منشودة.
فبما أنك تقرأ أعماقهم, أو بالأصح تراها، فإنهم بحاجةٍ إلى القليل من مائك ليكتحلوا به، علَّهم يرونك.
قال لي:
إذا كنت ممن يؤمنون بتناسخ الأرواح فقل إن الـ(أنا) المتضخِّمة كانت بالوناً في يوم من الأيام. ولأنها كذلك فقد يصل بها الهواء إلى ما وراء الحُجُب.
لكن دبوساً يستطيع، بإدراكه، إعادتها إلى أقل مما كانت عليه.
قال لي:
كن حذاءً خير لك من أن تكون شوكةً لا تصيب إلاَّ الحفاة، فإن في إماطتها عن الطريق صدقة. أما إذا كنت زجاجاً دون امتلاك نقائه فحاول ألاَّ تنكسر.
قال لي:
إن بين الخفافيش – التي (يبسطها الظلام القابض لكلِّ شيء، ويقبضها الضياءُ الباسطُ لكلِّ حي)- وبين ورود الليل قاسماً مشتركاً. قد يكون هذا القاسم هو الخوف من الحقيقة المُطلقة.
فكم يتمنى الخفاش أن يكون عصفوراً يبشِّر بالشروق! وكم تتمنى تلك الوردة أن تنتمي إلى عبَّاد الشمس! لكنها تظلُّ أمنيات فقط.
قال لي:
قد تكون وردةً دون رحيق كما يتصور بعض فاقدي الحواس. وقد يعود ذلك إلى تعاقب الفصول التي لا تصمد أمام متغيراتها سوى الأحجار.
فإذا كان ذلك التصور صائباً فحسبك أنك لم تكن وردة انحَدَرَتْ من سُلالة البلاستيك.
قال لي:
إن المجنون الذي يعيش في قفص اتهام العقلاء لا يستطيع تبرئة نفسه إلاَّ إذا دخل معه أولئك لبرهة من الوقت في ذلك القفص الانفرادي، رغم اتساعه للجميع. فإذا كنت في ذلك القفص فكن أنت فقط.
ولا تحاول أن تتقمَّص بعض المُسَمَّيات التي ظاهرها الحكمة وباطنها الغباء.
واعلم أن الجدار الذي يريد أن ينقضَّ وهو ينتظر من يعمل على إقامته لا فضل له في ذاتيته التي يبنيها بتهدُّمه إلا كالمتسوِّل الذي يريقُ ماءَ وجهه ليقيم أوَدَه بدرهمٍ ساقط.
فإذا شئتَ أن يكون حالك كهذا الجدار فاجعل من نفسك مرآة يجد الرائي فيها مبتغاه.
وكن على يقين من أنك لن تكون.