الجديد برس : متابعات
يُعد سجن بئر أحمد في مدينة عدن جنوب اليمن، واحداً من السجون الأكثر جدلاً التي تشرف عليها القوات الإماراتية في اليمن بسبب طبيعة الانتهاكات غير الأخلاقية التي تمارس في هذا السجن الذي بات يصفه بعض اليمنيين بـ”أبو غريب”.
وسجن “أبو غريب” الذي يقع غرب العاصمة العراقية بغداد اشتهر في عهد الاحتلال الأمريكي للعراق، بإساءة معاملة السجناء داخله حيث عرضت صور تبين طرق تعذيب الجنود الأمريكيين للمساجين العراقيين وإذلالهم وتصويرهم وتكديسهم عراة من قبل الجنود الأمريكيين.
وسميت هذه الحادثة “بفضيحة أبو غريب” وتم محاكمة 11 جندي أمريكي متورطين بالفضيحة وانتهى الأمر بإغلاق السجن، وهو نفس الأمر الذي يعيشه نزلاء سجن بئر أحمد في اليمن، من قبل السجان الإماراتي ومعاونيه.
معتقلات سرية
منتصف 2017 كشفت وكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية عن شبكة من المعتقلات السرية لا تقل عن 18 سجناً تديرها الإمارات والقوات المحلية الموالية لها في جنوب اليمن، بينهم سجن بئر أحمد، حيث نشرت رسومات تكشف طرق التعذيب التي يتعرض لها المعتقلون فيه، إضافة إلى 4 سجون سرية أخرى.
ووفقاً لـ”أسوشيتد برس”، فإنه يتم رص المعتقلين في صف وأمرهم بخلع ملابسهم والاستلقاء قبل أن يقوم الضباط بتفتيش التجويف الشرجي لكل سجين.
وأشارت تقارير حقوقية إلى وجود أكثر من 150 معتقل داخل السجن، منهم 62 معتقلاً بدون ملفات، ولم يتم التحقيق معهم منذ عامين، و4 معتقلين أصبحوا مختلين عقلياً بسبب التعذيب.
ردود فعل متنوعة
تباينت ردود الفعل حول هذه الفضيحة فالمعتقلون بدأوا الإضراب عن الطعام بالتزامن مع استمرار الوقفات والأنشطة الاحتجاجية لأهاليهم وخصوصاً في عدن والمكلا، حيث يوجد سجن سري في مطار الريان الدولي الذي تتخذه الإمارات قاعدة عسكرية الذي كشف فيه موقع “ديلي بيست” الأمريكي انتهاكات بحق المعتقلين هناك تتمثل في تكديس المعتقلين داخل حاويات الشحن وتركهم في درجات حرارةٍ تتجاوز الـ50 درجةً مئوية.
فيما قالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” إن الإضراب عن الطعام الذي بدأه عشرات المعتقلين في مدينة عدن، يسلط الضوء على سوء معاملة السجناء في السجون السرية التي تديرها الإمارات في اليمن.
بدورها، اتهمت منظمة العفو الدولية، الإمارات وقوات يمنية متحالفة معها بتعذيب محتجزين في شبكة من السجون السرية بجنوب اليمن، داعية إلى ضرورة فتح تحقيق في هذه الانتهاكات باعتبارها جرائم حرب.
بينما دعت منظمة “سام” للحقوق والحريات الإمارات إلى إيقاف الاعتقالات بحق المدنيين في اليمن والابتعاد عن إدارة المعتقلات والسجون خارج إشراف وسلطة القضاء، فهي تعد جريمة يجب محاسبة مرتكبيها ولا تسقط بالتقادم، وطالبت بفتح تحقيق مشترك لكشف ملابسات إنشاء هذه السجون وتعويض ضحاياها.
موقف حكومة هادي
في المقابل، اكتفت حكومة هادي بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق فيما سجل وزير الداخلية في الحكومة الشرعية موقفاً مزدوجاً بدأه بالهجوم على الإمارات ودعوتها إلى إغلاق السجون السرية وإخضاعها للنيابة ثم نقضه لذلك بعد فترة بتأكيده أن السجون خاضعة للإشراف اليمني بعد عودته من زيارة غامضة إلى أبوظبي.
في حين نفت الإمارات ذلك معتبرة أنها اتهامات لمحاولة تشويه سمعة التحالف العربي الذي “يسعى إلى إنقاذ الشعب اليمني”، وفق تعبير الخارجية الإماراتية.
وحاولت أبوظبي تحسين صورتها بعد هذه الفضيحة، حيث سمحت للجنة الدولية للصليب الأحمر مطلع 2018 بزيارة بئر أحمد كأول زيارة لمنظمة دولية إلى مرفق احتجاز تحت إشراف الإمارات في الجنوب اليمني.
وأطلقت سراح عدد من المعتقلين لكنها عادت وعلقت الإفراج عن عدد تم الأمر بالإفراج عنهم وسط استمرار للأنشطة الاحتجاجية من قبل السجناء بالإضراب عن الطعام وأهاليهم عبر التظاهرات شبه اليومية في عدن.
سمعة سيئة
رئيس منظمة سام للحقوق والحريات بجنيف توفيق الحميدي، وصف معتقل بئر أحمد في جنوب اليمن بـ”سيء الصيت والسمعة وأحد السجون والعناوين المظلمة التي اتخذته الإمارات على وجه الخصوص والتحالف عموماً لإذلال اليمنيين وامتهان كرامتهم وممارسة شتى أنواع العذاب التي لم يتخيلها يوم من الأيام الإنسان اليمني أو العقلية الأمنية اليمنية”.
وفي حديثه لـ”الخليج أونلاين”، أوضح الحميدي أن المنظمة أصدرت تقريراً خاصاً عن السجن في أبريل عام 2018 وثقت فيه انتهاكات لم تخطر على بال، بما فيها التحرش الجسمي والتعذيب الكهرباء والإيهام بالموت وانقطاع الزيارات”.
وأشار الحميدي إلى شهادة القائد في المقاومة الجنوبية عادل الحسني الذي كشف جزءاً فضيعاً من هذه الوسائل والممارسات والانتهاكات في هذا السجن في مقابلة مع قناة “الجزيرة”.
وكان الحسني كشف في برنامج “بلا حدود” عبر قناة “الجزيرة” في ديسمبر عام 2018 أن مرتزقة من شركة بلاك ووتر الأمريكية، سيئة السمعة، يديرون أحد سجون الإمارات في اليمن، مشيراً إلى أنه رأى شعارات للشركة على ملابس بعض السجانين داخل سجن للإمارات في عدن.
كلاب بوليسية ومرتزقة
وقال الحميدي “منذ فترة أصبح هذا السجن تحت أنظار المنظمات الدولية ووسائل الإعلام والتي سلطت الضوء وكشف جزء من معاناة المعتقلين داخل هذا السجن والأغرب من ذلك فإن كثيراً من الذين اعتقلوا في هذا السجن لا يعرفون لماذا تم اعتقالهم وتعذيبهم”.
وأكد رئيس منظمة “سام” أن “هذا السجن بحسب شهادات متطابقة تديره قوات إماراتية من مُحققين ومُعذبين وهناك كلاب بوليسية للتعذيب وهناك مرتزقة من جنسيات مختلفة”.
واستهجن الحميدي تناقض موقف الحكومة الشرعية عبر وزير الداخلية وقال: “رغم كل ما ثبت من وقائع موثقة بالأدلة كانت الحكومة الشرعية أعطتنا بصيص أمل عندما أعلن وزير الداخلية أحمد الميسري أن هذه السجون لا تشرف عليها الحكومة الشرعية، وبالتالي أصبحت هذه السجون عنواناً من عناوين الجريمة والمساءلة وعرت الانتهاكات الإماراتية للسيادة اليمنية”.
وتابع: “لكن للأسف الشديد بعد زيارة وزير الداخلية إلى الإمارات عاد الوزير وصرح بتصريح مناقض تماماً لتصريحه السابق وأن هذه السجون تحت إشراف الحكومة الشرعية لتتحول الداخلية لمغسلة لجرائم قوات التحالف العربي”.
عدالة وجزاء عادل
وأضاف “بعد تقرير لجنة الخبراء البارزين التابعين لمجلس حقوق الإنسان أصبح هذا السجن مزاراً ومحط اهتمام وسيقود المجرمين إلى المساءلة القضائية الدولية والمحلية قريباً”.
وكان تقرير فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة سلط الضوء على السجون في جنوب اليمن وانتهاكات الاحتجاز والإخفاء القسري والتعسفي وسوء المعاملة والحرمان من المراجعات الطبية للمحتجزين ووجه اتهامات لمسؤولين موالين للإمارات وعلى رأسهم شلال شايع مدير الأمن في عدن.
ولفت الحميدي إلى أن هذا السجن سيقود جميع من ارتكبوا الانتهاكات فيه إلى خلف القضبان لنيل الجزاء العادل.
واعتبر الناشط الحقوقي اليمني أن “هذا السجن أصبح اليوم رمزاً لمرحلة أو حقبة لن ينساها اليمنيون، وهي حقبة موثقة في أذهان المعتقلين والتقارير الدولية ووسائل الإعلام”.
نقلا عن الخليج اونلاين