الجديد برس : رأي
عادة ما تدافع الولايات المتحدة عن حلفائها إن كان ذلك يخدم مصالحها الاستراتيجية العريضة، وهي في ذلك تخضع سياساتها لحسابات الربح والخسارة، والحق أنه ليس في العمل وفقا لهذا المنطق ما يعيب الولايات المتحدة لأنها -كما هو الحال مع بقية الدول- ينبغي أن تفكر في مصالحها.
لكن وفي أحيان نادرة يمكن أن تنفذ واشنطن سياسة خارجية ليست مبنية على حسابات الربح والخسارة.
وفي هذا السياق كتب جون ميرشايمر وستيفن والت أبرز رموز مدرسة الواقعية الجديدة في العلاقات الدولية كتابا عن “اللوبي الإسرائيلي” يبين كيف تمكن هذا اللوبي من جر الولايات المتحدة لاحتلال العراق خدمة لإسرائيل.
ويجادل الباحثان بأن الحرب على العراق لم تكن في صالح الولايات المتحدة على الاطلاق.
في الحالة العربية الأمر مختلف تماما، فأمريكا تساعد حلفاءها بالشكل الذي يخدم مصالحها، وعليه لا يمكن لها أن تسمح لأي من حلفائها العرب بجرها لحرب لا تريدها أو لا تخدم مصالحها.
هذا ما لم يفهمه بعض العرب الذين يصر بعضهم على أن إقامة تحالف واسع ضد إيران سيكون كافيا لجر أمريكا وإسرائيل لمواجهة إيران نيابة عنهم، ولا ضير في سبيل ذلك من تقديم أكباش فداء ابتداء من المال وليس انتهاء بتصفية القضية الفلسطينية.
للأسف، ومع كل الصفعات التي توجهها الولايات المتحدة لبعض حلفائها العرب، ما زال بعضهم ينظر إلى أمريكا كجزء أساسي من شرعياتهم في الحكم في بلادهم، ويزداد الطين بلة عندما يعرف الأمريكان أن الجانب العربي يحتاجهم أكثر من أي شيء آخر.
كان لجولة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لآسيا أن تغير قواعد اللعبة لو أنها كانت في سياق تنويع الخيارات في السياسة الخارجية.
وكان بالإمكان ارسال رسالة واضحة لواشنطن بأن لدى السعودية خيارات أخرى في سياستها الخارجية وأنها ليست مستعدة لاسترضاء واشنطن وتل أبيب وبخاصة أنها دولة قوية من الناحية المالية.
غير أن الأمر ليس كذلك، فالأجندات السعودية في هذه الزيارة لا تأتي ضمن تفكير استراتيجي قائم على خدمة مصالح السعودية كبلد وإنما جاءت في سياق صراع محمد بن سلمان للحصول على شرعية الحكم، فهو يريد أن يبعث برسالة أنه زعيم يتم استقباله في الشرق بعد أن خسر مكانته في الغرب.
لا أقول بأن الشرق من دون قيم، لكن بدا واضحا أن القادة الآسيويين مهتمون فقط بالجانب المالي وهذا أمر مريح بالنسبة لولي العهد السعودي، لذلك تم توقيع استثمارات ضخمة وتحولت السعودية وكأنها البقرة الحلوب لكل من هو مستعد للتغاضي عن سلوك محمد بن سلمان الإقليمي والداخلي.
المصالح السعودية بهذا المعنى مغيبة لصالح سعي محموم لإعادة تأهيل ولي العهد على المستوى الدولي بعد العزلة الشديدة التي شعر بها خلال تهميشه الواضح في قمة العشرين الأخيرة.
وعودة على بدء، أقول إن السعودية قد تنفق الكثير من الأموال وقد تستمر باسترضاء الولايات المتحدة وإسرائيل لكن عندما تحين لحظة الحقيقة فإن أيا من الدولتين لن تحارب نيابة عن السعودية.
وهكذا سيستفيد خصوم أمريكا في الإقليم كما هو ماثل للعيان الآن في مختلف الملفات الإقليمية ابتداء من لبنان ومرورا بسوريا والعراق واليمن.
وكأن درس الأكراد لا يكفي ليفهم قادة الدول العربية المندلقة في التحالف مع إسرائيل وأمريكا، فبعد أن قاتل الأكراد حربا نيابة عن الولايات المتحدة في شمال شرق الفرات تتخلى عنهم الآن الولايات المتحدة.
فهي باختصار لن تخوض حربا نيابة عنهم في قادم الأيام حتى يستمروا في مشروعهم الانفصالي.
-د. حسن البراري، أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الأردنية.