الجديد برس | متابعات
عبر عقود طويلة خلت عرفت الولايات المتحدة الأميركية -أو أرادت أن تعرف- بأنها “دولة مؤسسات”، ومع كل موسم انتخابي خصوصا يكثر الحديث عن أنه لا فارق يذكر بين أن يفوز مرشح الحزب الديمقراطي أو مرشح الحزب الجمهوري، فـ”صلاحيات الرئيس محدودة في دولة المؤسسات”.
لكن ومع اعتلاء الرئيس الحالي دونالد ترامب عرش البيت الأبيض مطلع عام 2017 تغير كل شيء، ومع تسارع قرارات الرئيس الـ45 تكرر أن يغرد ترامب -حقيقة ومجازا- منفردا في وجه المؤسسات الأميركية العتيقة، كالكونغرس والبنتاغون والخارجية والقضاء، فضلا عن الإعلام بطبيعة الحال.
سحب القوات الأميركية من سوريا وأفغانستان، وبناء الجدار الحدودي مع المكسيك، وإعلان حالة الطوارئ، وحظر دخول مواطني ست دول مسلمة، ومقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، وحصار قطر، كل هذا ليس سوى عينة من قرارات ومواقف خالف فيها ترامب المؤسسات الأميركية وانفرد فيها بالقرار الذي نجح -غالبا- في فرضه على الجميع، مخلفا سؤالا كبيرا: أين دولة المؤسسات؟
إقالات واستقالات
وشهد النصف الأول من عهد ترامب أكثر من خمسين استقالة أو إقالة لمسؤولين كانوا يعملون في إدارته.
وبدأ عهده بانتقاد شديد لمكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي آي) وأقال مديره جيمس كومي بسبب التحقيقات بشأن ما قيل إنه تدخل روسي في انتخابات الرئاسة عام 2016، قبل أن يقيل وزير العدل جيف سيشن لأنه لم يضغط لوقف التحقيقات.
في 19 ديسمبر/كانون الأول 2018 وفي تغريدة على تويتر يعلن الرئيس ترامب فجأة “سحب القوات الأميركية من سوريا بعد إلحاق الهزيمة بتنظيم داعش الإرهابي”، هكذا بدون تنسيق مع وزارة الدفاع أو الكونغرس.
وبعد أقل من 48 ساعة يعلن وزير الدفاع جيمس ماتيس استقالته من منصبه، وقال في خطاب الاستقالة إنه يتنحى حتى يتمكن ترامب من تعيين وزير دفاع متوافق مع أفكاره.
وبعد يوم آخر، يعلن مبعوث الولايات المتحدة إلى التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة بريت ماكغورك استقالته احتجاجا على قرار الرئيس ترامب.
واعتبر مراقبون أن رحيل ماتيس كان متوقعا منذ أعلن ترامب أنه سيسحب قواته من سوريا رغم اعتراض حلفاء للولايات المتحدة ومسؤولين عسكريين أميركيين كبار.
صحيفة تايمز قالت “قبل أقل من ثلاثة أشهر حدد مستشار الأمن القومي جون بولتون مهمة واسعة النطاق للقوات الأميركية في سوريا وبدا حينها أنها تعكس خطة موثوقة للسياسة الخارجية، ولكن كما جرى الحال كثيرا خلال رئاسة ترامب الفوضوية، لم تكن كذلك”. وتساءلت الصحيفة في عنوان فرعي “من سيحمي أميركا الآن؟”.
ونشرت صحيفة واشنطن بوست تقريرا لمراسليها غريغ جاف وكارون ديمرجيان قالا فيه إن استقالة ماتيس لم تعكس خلافاته السياسية مع ترامب فحسب، بل إنها أظهرت أيضا الشكوك في أهلية ترامب ليكون القائد الأعلى للقوات الأميركية في لحظة خطيرة على المسرح العالمي.
في مواجهة الكونغرس
وفي قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده بإسطنبول في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018 خالف ترامب مواقف الكونغرس والخارجية والمخابرات الأميركية.
وبينما تبنت هذه المؤسسات مواقف متشددة تجاه السعودية -خصوصا ولي العهد محمد بن سلمان- ما زال ترامب يدافع عن بن سلمان ويرفض تحميله المسؤولية عن قتل خاشقجي رغم تسريبات من مصادر في وكالة الاستخبارات الأميركية بشأن استنتاجها بأن ولي العهد السعودي تورط في عملية قتل خاشقحي.
ومع أزمة حصار قطر في يونيو/حزيران 2017، أثارت تغريدات الرئيس الأميركي أزمة داخل المؤسسات الأميركية، وجاءت مفاجئة للجميع.
فقد جاء هجوم ترامب على قطر، واتهامها -في البداية- بدعم الإرهاب مناقضا لتصريحات الخارجية الأميركية التي أكدت دعم قطر وضد مصالح البنتاغون، حيث تضم قطر أكبر قاعدة عسكرية أميركية في الشرق الأوسط.
وفي مواجهة الكونغرس تعددت المخالفات، ووصلت حد أن يتفق الحزبان الديمقراطي والجمهوري -وهو حزب ترامب- على التصدي لقرارات ترامب.
وعلى مدى شهور طويلة تناغمت مواقف الحزبين للتحقيق في التدخل الروسي المزعوم بانتخابات الرئاسة عام 2016 دعما لترامب، وهو الأمر الذي قد يؤدي في حال ثبوته إلى عزله.
وقبل أسابيع، اضطر ترامب إلى استخدام حق النقض (الفيتو) ضد إجراء من الكونغرس كان سيعرقل محاولاته للحصول على تمويل لبناء جدار على الحدود مع المكسيك من خلال إعلان حالة طوارئ وطنية.
ومنتصف الشهر الماضي، وقع ترامب قانون حالة الطوارئ الوطنية للالتفاف على الكونغرس الذي رفض طلبه تخصيص نحو 5 مليارات دولار، لتمويل بناء جدار حدودي مع المكسيك.
وشهدت أميركا نهاية 2018 ومطلع 2019 أطول إغلاق حكومي في تاريخها استمر 35 يوما جراء عدم التوصل إلى اتفاق بشأن الموازنة أو تمويل جزئي للحكومة، مع إصرار ترامب على تضمين إنشاء الجدار مقابل رفض الديمقراطيين.
وفي 14 مارس/آذار الجاري صوت مجلس الشيوخ الأميركي على إنهاء الدعم للحرب التي يشنها التحالف السعودي الإماراتي في اليمن، في ما يمثل ضربة من الحزبين الجمهوري والديمقراطي لسياسة دونالد ترامب الخارجية.
وحصل مشروع القرار على أغلبية 56 صوتا مقابل 46 صوتا، مع تحدي سبعة من الجمهوريين للرئيس والوقوف مع الديمقراطيين، في حين أوصى مستشارو البيت الأبيض بأن يستخدم ترامب حق النقض ضد القرار.