المقالات

نواب التحالف في سيئون

نواب التحالف في سيئون

الجديد برس : رأي

أحمد الحسني

ربما لم يقصد السفير الأمريكي أن يبدو مضحكاً، وإن بدا كذلك، عندما وصف اجتماع نواب التحالف في سيئون بأنه فرصة للمصالحة الوطنية وخطوة على طريق السلام في اليمن. ومن غير المعقول أن سفير الامبراطورية العظمى غبي لدرجة أن يكون جاداً ويقصد حقاً ما قاله. المؤكد أنه كان على الرجل أن يقول شيئاً إيجابياً عن هذه المهزلة التي يمثل بلده في رعايتها، فألصق بها تهمة المصالحة والسلام دون سبب موضوعي، ولا علاقة منطقية ليكون هناك فقط ما يمكنه الحديث عنه بإيجابية مفضلاً ذلك على تصريح المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية بأن اجتماع سيئون تعزيز لشرعية هادي. فهذا التصريح لا يضع فقط علامات استفهام كثيرة على شرعية هادي، وإنما يكشف أن الهدف من العدوان ليس الدفاع عن الرئيس الشرعي في اليمن، وإنما للإبقاء على الوالي عبد ربه منصور هادي رئيساً “شرعياً” لليمن، وأيا كانت الامبراطورية التي يتبعها ويرعى مصالحها ويجبي لها خراج اليمن. وسواء كان الوالي هو هادي أو على محسن أو سلطان البركاني، فإن هذا هو السياق الموضوعي لفهم حقيقة أن المعركة ليست صراعا داخليا بين اليمنيين، وإنما هي بين اليمن وعدو خارجي، واصطفاف بعض اليمنيين مع العدو لا يغير من طبيعتها تلك ويجعل منها حرباً أهلية، وإنما يجعل منهم أعداء لليمن، وهذا هو السياق الموضوعي لقراءة مسارات الأحداث وفهمها بدءاً بالمبادرة الخارجية بما تضمنته من تعطيل الدستور والمؤسسات الدستورية والقضاء على العملية الديمقراطية وتدمير المؤسسة العسكرية والتفريط بالسيادة والقبول بالوصاية الخارجية على تنفيذها تحت البند السابع، إلى مخرجات مؤتمر تمزيق اليمن، فموجة اغتيالات الرموز والوجاهات إعدادا للحرب، وفتح الأجواء على مصراعيها أمام الدرونز، وإرسال المبعوث البريطاني الخاص لهادي، وإفشال اتفاق السلم والشراكة ومفاوضات الموفمبيك، ثم شن العدوان وفرض الحصار على اليمن من قبل التحالف السعودي الإماراتي، ثم اشتراطات المرجعيات في كل مفاوضات السلام، وامتناع المملكة والامارات عن الجلوس إلى الطاولة كطرف وتحمل تبعات الحرب والاستمرار في احتلال الجزر والموانئ والمدن الساحلية وتوقيع اتفاقيات وعقود احتكار مجحفة بخصوصها مع حكومة المرتزقة و… و… و… وحتى شحن 76 نائباً من عواصم المهاجر الاختيارية إلى سيئون ليجتمعوا مع نواب آخرين للتحالف في حكومة هادي ومجموعة من سفراء دول العدوان ورعاته الدوليين، تحت غطاء طائرات التحالف وبخفارة لواء كامل من الجيش السعودي وعدد من بطاريات صواريخ الباتريوت، لتنصيب سلطان البركاني ولياً لعلي محسن صالح ولي عهد الوالي عبد ربه منصور هادي، وإعلان مجلس تشريعي صوري يتولى المصادقة على القرارات السيادية التي سيُطلب من الوالي اتخاذها والاتفاقيات التي سيُطلب من الوالي وحكومته التوقيع عليها لتسديد فواتير الدفاع عن شرعيته. لكن البضعة والسبعين نائبا الذين شحنتهم المملكة إلى سيئون أرسلهم الناخبون في دوائرهم إلى صنعاء قبل 16 عاماً ليكونوا جزءا من المؤسسة التشريعية للجمهورية اليمنية، ولم يبتعثهم إلى فنادق الرياض والقاهرة وأبوظبي، وأقسموا اليمين حينها أن يحافظوا على النظام الجمهوري وليس العمل مرتزقة للمملكة السعودية، وأن يحترموا الدستور والقانون وليس المبادرة الخليجية والقرار (2216)، وأن يرعوا مصالح الشعب وليس مصالح البحرية الأمريكية في سقطرى ومصالح أرامكو في حضرموت والمهرة أو موانئ دبي في البريقة، وأقسموا أن يحافظوا على وحدة اليمن واستقلاله وسلامة أراضيه وليس على تمزيقه إلى أقاليم وتوزيع أراضيه على بن سلمان وبن زايد… واجتماعهم لا يعزز شرعية أحد، ولن يضفي مشروعية على شيء. إنهم فقط حانثون بالقسم في مهمة لم يفوضهم بها الناخبون، ولا شرعية لهم في القيام بها. إنهم نواب عن التحالف وخونة للناخبين. والقوة القاهرة التي يشرعن بها سلطان البركاني لاجتماعهم في سيئون تسوغ اجتماع المجلس خارج العاصمة بشروط للقيام بعمل مشروع. أما الخيانة والحنث بالقسم فلا شرعية لها، لا في صنعاء ولا في سيئون، سواء كان المجتمعون بضعة وسبعين أو 301، واستناده لذلك أشبه بمن يزني في الفندق قائلاً إن المعاشرة في غرف الفنادق جائزة! نعم، ولكن ليس معاشرة البغايا يا سلطان البركاني، ولا تتحدث بحماس عن السيادة وفوق رأسك بيادات لواء كامل من الجيش السعودي.
قد يكون الغرض من اجتماع سيئون تنصيب ولي لولي عهد الوالي العجوز المريض هادي؛ لكن تلك المهزلة لا يمكن أن تكون خطوة على طريق السلام، فالسلام لا يمكن أن يقوم على تسديد فواتير العدوان، ومرجعيات الوصاية الخارجية ونواب التحالف وسفراؤه لا يعززون شرعية ولا يضفون شرعية، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، وكل ما أعلنه الستة والسبعون نائبا هو فقط أنهم لم يعودوا نوابا وإنما صاروا مرتزقة.