الجديد برس : رأي
يسرية الشرفي
منذ اشتداد العدوان والحصار المفروض على اليمن من قبل من يسمون أنفسهم التحالف العربي الذي يضم أكثر من 17 دولة عربية وأجنبية اتحدت بكل قواها العسكرية والمالية للقضاء على ما تسميه “الخطر الحوثي” (أنصار الله)، ذلك الشبح الذي يطاردهم في كل جبهات القتال… فإنهم في واقع الأمر لا يقتلون سوى الأطفال والنساء ومن لا حول لهم ولا قوة، ومن لم يمت بطائراتهم مات جوعاً، وهذه هي أعظم انتصاراتهم الواهنة، وربما هذا كل ما يسعون لتحقيقه.
في بداية الحرب اللعينة أطلقت الأمم المتحدة وبرنامج الغذاء العالمي صافرات الإنذار من خطر الموت جوعاً الذي يحدق بنسبة كبيرة من سكان اليمن، وحذرت جل المنظمات الدولية العاملة في اليمن من تدهور الوضع الاقتصادي والذي أصبح كارثياً نتيجة للظروف الاستثنائية التي نعيشها بسبب العدوان والحصار الخانق الذي يفرضه تحالف العدوان على البلاد.
تتحدث هذه المنظمات عن أرقام مفزعة لا يمكننا أن نتجاهلها، ومنها أن نحو 18 مليون شخص في اليمن يعانون في الحصول على الغذاء، ومن بينهم 8 ملايين يمني يعيشون في فقر مدقع ويعتمدون بشكل كامل على المساعدات الغذائية الخارجية والتي لا تصل في أغلب الحالات إلى مستحقيها لأسباب تبدو غير منطقية في كثير من الأحيان…
هذه هي الحرب الحقيقة التي يريدها الأعداء، بأن يتقاتل الجميع للبحث عن لقمة عيش. ربما قد يشعر البعض الآن بأن الوضع لا يزال تحت السيطرة، على اعتبار أن المجتمع اليمني هو في طبيعته مجتمع متكاتف ولا يمكن أن يموت جوعاً. وهنا أتفق معهم تماماً، فاليمنيون كانوا ومازالوا شعب الكرم والخير، لكن إن لم ننتبه ونتحد كالبنيان أمام العدو الحقيقي للبلد لن نستطيع حينها ضمان أن الجوع لن يصل إلى كل بيت في اليمن، وقد تكون أنت وحتى أنا أحد المحرومين من أبسط الحقوق في الحياة.
أنا أيضاً كنت أشعر بأن كل شيء على ما يرام، لكنني وبينما كنت أسير في الشارع وجدت مجموعة من الناس يتجمعون حول شخص ما، دفعني الفضول أن أخترق الصفوف لأشاهد ما يحدث، والسبب الذي جعلهم يتسمرون في أماكنهم دون أن ينطقوا بحرف، اقتربت أكثر وسط الزحام، فرأيتهم يحدقون بعيون تترقرق منها الدموع في طفل لا يتجاوز الحادية عشرة من العمر، يرتجف كعصفور ويئن بصوت ليس أقل ارتجافاً من يديه الصغيرتين واللتين تمسكان بعلبة مناديل، بدا لي أنه كان يتجول بها لعله يبيع بعضاً منها. نظر إلينا ونحن نرقبه بصمت، كان يحاول أن يواري وجهه بيده المرتجفة وهو يهمهم بكلمات لم أفهم منها شيئاً سوى أنه يريد الذهاب إلى والدته. فهمنا منه لاحقاً أنه منذ أكثر من يومين لم يأكل شيئاً هو وإخوته ووالدته.
تركت المكان وغادرت مسرعة إلى المنزل، ولا أعلم لما فعلت ذلك! لم أستطع أن أفكر في غير ذلك الطفل الجائع، هل استطاع في تلك الليلة أن يأكل أم أنه أمضاها جائعاً كالليالي السابقة؟! وكم هي الحالات المشابهة التي لا نعلم عنها شيئاً.. وهو ما جعلني أتساءل: أين اختفت قيم المجتمع اليمني في التكافل والتآزر والتآخي؟! وكيف لجار أن يغفل عن جاره الجائع؟! ولماذا لم نعد نبحث عن المحتاج الحقيقي لنخفف عنه معاناته؟!
إننا نعيش في ظروف استثنائية، ونحن في أشد الحاجة أن نتناسى الخلافات ونقف كالبنيان والسد المنيع أمام إرهاب العدوان وإرهاب الجوع. وذلك الطفل البريء هو واحد من بين مئات الآلاف ممن فقدوا أهاليهم ومصادر رزقهم بسبب العدوان.