الجديد برس : رأي
طالب الحسني
ليست المرة الأولى التي تهاجم فيه “حكومة هادي” التي تقيم في الرياض، المبعوث الدولي لليمن مارتن غريفيث، ورئيس لجنة التنسيق في الحديدة الجنرال مايكل لوليسغارد، لكن هذا الهجوم الذي جاء عقب الإشراف الأممي على الانسحاب الأحادي للجيش واللجان الشعبية التابعة للعاصمة صنعاء، من الموانئ الثلاثة لمحافظة الحديدة، وتسليمها لقوات خفر السواحل وفريق أممي وفق اتفاق ستوكهولم المتعثر، هو الأكبر.
الأمم المتحدة أشادت بالخطوة التي تم تنفيذها ويجري استكمالها خلال الأيام الثلاثة المقبلة من جانب واحد، هو العاصمة صنعاء، وهي الخطوة التي أنعشت مجدداً اتفاق السويد الذي كان شبه ميت سريرياً منذ 5 أشهر، على الرغم من 15 زيارة نفذها المبعوث الدولي مارتن غريفيث إلى العاصمة صنعاء، خلال هذه الفترة، والمهم -وربما الأهم- أنها تأتي قبل أيام فقط من جلسة مرتقبة لمجلس الأمن الدولي في الـ15 من مايو الجاري، بشأن اليمن، وسيقدم خلالها غريفيث إحاطته التي قد تتضمن الإشادة بأنصار الله وحلفائهم، وتزكية الخطوة التي قاموا بها على الرغم من رفض ما تسمى “الشرعية”، وسيكون ذلك ضربة موجعة للتحالف الذي تقوده السعودية، ولحلفائه الذين قرروا عملياً إفشال أي تنفيذ لاتفاق السويد في الحديدة والإبقاء على المفاوضات مفتوحة دون أفق.
تعليق “حكومة هادي” بشأن الانسحاب الأحادي من موانئ الحديدة يتعارض تماماً مع تعليق الأمم المتحدة التي أشرفت على الانسحاب، وكان حضور طواقمها لافتاً، وجرى تأييد الانسحاب والاعتراف بشرعيته وتوافقه مع اتفاق السويد، على خلاف ما تدعي “حكومة هادي”. وما يظهر حتى الآن أن هذه الخطوة سيتم تمريرها وتشكيل ضغوط كبيرة على السعودية والإمارات للدفع بتنفيذ خطوات مقابلة، والشروع في تنفيذ بقية الخطوات لإبعاد شبح عودة العمليات العسكرية في هذه المنطقة المهمة (أقصد الحديدة)، والتي تشكل شريان الحياة بالنسبة لملايين المواطنين في المحافظات اليمنية التي تقع في نطاق حكومة صنعاء، وعدد سكانها أكثر من 20 مليوناً، أي ثلثي سكان اليمن.
المثير للجدل هذه المرة هو تعليق السفير البريطاني لليمن مايكل أرون، الذي انتقد “حكومة هادي”، واتهمها ضمنياً بالإصرار على الحل العسكري، واعتبر أن الانسحاب الأحادي للقوات التابعة للعاصمة صنعاء خطوة إيجابية، وهي تصريحات تصطدم مع التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية البريطاني جيرمي هانت، قبل نحو شهرين، وهدد خلالها بالحل العسكري في الحديدة، فما الذي تغير منذ شهرين وأدركته المملكة المتحدة؟ وما نعتقده هو التالي:
الثابت الأول أن قوات التحالف السعودي الإماراتي ليست جاهزة وغير قادرة على أي تصعيد عسكري مضمون النتائج، فالمعركة الأصعب على هذه القوات التي فتحت عمليات عسكرية منذ أكثر من عام باتجاه محافظة الحديدة لمحاولة السيطرة على الموانئ، لم تبدأ بعد.
الأمر الثاني الذي يبدو أن بريطانيا لمسته، هو الاستعداد الجيد للجيش واللجان الشعبية التابعة للعاصمة صنعاء، فعلى مدى الفترة الماضية ومنذ إعلان وقف إطلاق النار والاشتباكات المسلحة في الساحل الغربي ومحيط الحديدة يجري تعبئة الجيش واللجان الشعبية بصورة أكبر لمواجهة أي تصعيد محتمل.
النقطة الثالثة والمهمة أيضاً تتعلق بالخلافات المستمرة بين “حكومة هادي” والمرتزقة التابعين لها من جهة والإمارات والمرتزقة التابعين لها من جهة ثانية، وهي خلافات تصل في كثير من الحالات إلى الاقتتال مثلما يحصل في عدن والضالع وتعز وعدد من المحافظات في جنوب اليمن التي تتواجد فيها قوات تابعة للإمارات ومتمثلة في الانتقالي، وقوات أخرى تابعة لهادي وحلفائه.
والنقطة الأخيرة تتعلق بالتقدم المفاجئ والكبير للجيش واللجان الشعبية التابعة لصنعاء باتجاه محافظة الضالع، وباتت تطرق مجدداً أبواب عدن، بعد أن استعادت السيطرة على 80% من محافظة الضالع، وهو تقدم أظهر عجزاً وتهاوياً سريعاً للقوات التي تعمل لصالح تحالف العدوان الذي تقوده السعودية والإمارات.
الانسحاب الأحادي وإعادة الانتشار في موانئ الحديدة هو الإنجاز الوحيد الذي سيتحدث عنه مارتن غريفيث كجزء من جهوده طوال 5 أشهر، في إحاطته المقبلة أمام مجلس الأمن الدولي، وتمسكه بشرعية وأهمية هذه الخطوة ملحوظ ويشكل جوهر سوء العلاقة بينه وبين “حكومة هادي” التي تتهمه بالانحياز والعمل لصالح العاصمة صنعاء، ويبدو أن التراجع عن هذه الخطوة لم يعد ممكناً، ولكن في نفس الوقت لايزال شبح عودة المواجهات العسكرية في الساحل الغربي ومحيط الحديدة موجوداً، ويشكل تهديداً فعلياً للوضع الإنساني السيئ، وهذا الأخير يشكل ضغوطاً كبيرة على التحالف الذي تقوده السعودية. وعلى كل حال فإن نجاح الأمم المتحدة في تثبيت هذه الخطوة سيكون بمثابة نقطة أمل ضئيلة للعبور نحو السلام الشامل البعيد جداً حتى الآن.
ملتقى الكتاب اليمنيين