الحذر من «خطوات» كيسنجر!

استراتيجية “الخطوة خطوة”، من أبرز الاستراتيجيات التفاوضية لدى وزير الخارجية الأسبق ومستشار الأمن القومي، هنري كيسنجر، وضعها كسياسة للإدارة الأمريكية للتعامل مع الصراع العربي الإسرائيلي من العام 1973 حتى 1975. تجددها الإدارة الأمريكية في التعامل مع ملفات الصراع في الشرق الأوسط لحلها بما يُلبي مصالحها الاستعمارية. واتفاقية “ستوكهولم” وملفاتها الخاصة بالحديدة وتعز بمنأى عن القضية الكُلية، وخاصة مع تنكر المرتزقة للإطار العام للحل، تحمل سمات استراتيجية الخطوة خطوة.

تمثلت أهداف الاستراتيجية في ضمان تقوية إسرائيل عسكرياً وإضعاف العرب عسكرياً وسياسياً عن طريق تجزئة الحل، والعمل على أن تتفاوض مصر وسوريا والأردن بصورة مستقلة ومنفصلة، وبالتالي أسهمت في خلق انشقاق بين الدولتين اللتين خططتا للحرب معاً. وحل القضية بعيداً عن مؤتمر جنيف وقرار مجلس الأمن رقم 242 الذي كان به قدر من الإنصاف للحقوق العربية.. وكذا عملت على إبعاد الاتحاد السوفياتي وتخريب العلاقة المصرية السوفياتية، مما أضعف الموقف العربي، بالإضافة إلى الدور الذي لعبه في دفع السادات والملك فيصل إلى الإلغاء المبكر لسلاح حظر تصدير النفط، وإقناع السادات بقبول خطة غولدا مائير.

كما أن كيسنجر هو الذي أعطى الضوء الأخضر لإسرائيل بعدم الالتزام بوقف إطلاق النار بتاريخ 22 أكتوبر 1973، والمنصوص عليه في قرار مجلس الأمن رقم 338 (الذي تمت صياغته سرياً بين موسكو وواشنطن)؛ وبالتالي فقد مكن كيسنجر القوات الإسرائيلية من التقدم ما بين 22 و25 أكتوبر في الضفة الغربية من قناة السويس وباتجاه مدينة السويس، وفرض حصارها على الجيش المصري الثالث الموجود في الضفة الشرقية من القناة، وبذلك أعطى إسرائيل ورقة ضغط على السادات لفرض الشروط عليه.

وفي الواقع اليمني نجد أن سياسة التفاوض لدى تحالف العدوان تقترب من هذه الاستراتيجية، حيث يعمدون إلى تناول قضايا هامشية وجزئية، ويفصلون العسكري عن السياسي، ويبتعدون عن الحلول الشاملة، ويرفضون وجود إطار عام للحل، ويفترضون بأن الحلول الجزئية مقدمة للتسوية الشاملة، كما كان كيسنجر يُقنع القيادات العربية أن الاتفاقيات الجزئية المنفردة لفك الاشتباك إنما هي خطوات في سبيل إنجاز حل شامل لقضية الصراع العربي الإسرائيلي، وهو ما لم يتم. كما أن دافع العدوان على اليمن يتطابق مع المبدأ الأساسي في فكر كيسنجر، وهو أنه “من حق الدول الشرعية التي تقبل النظام الدولي أن تضرب الدول والحركات الثورية”، وأن “علاقات القوة هي ما تحدد في نهاية المطاف صيغة التسوية السياسية”.

ونجد أن التصعيد العسكري لتحالف العدوان قبيل كل مفاوضات ومشاورات سياسية، يشبه الضوء الأخضر الذي أعطاه كيسنجر للصهاينة للتقدم لمدينة السويس وكسب أوراق ضغط.

ويظهر بأن كيسنجر يتخذ استراتيجياته على معرفة دقيقة بالأحوال الداخلية للطرف الآخر، بما فيها الخلافات والأوضاع السياسية والعسكرية والمؤثرات النفسية والأهواء الشخصية للقيادات التي يقابلها.