الجديد برس : متابعة اخبارية
مؤتمر بطيء العمل، متعدد المحاور، يشبه تقريباً المؤتمرات العربية، رغم حضور دولي للأمم المتحدة و«صندوق النقد» و«البنك الدولي» ومجموعة من رجال الأعمال العرب والأجانب والإسرائيليين. الوفد السعودي كان الأعلى تمثيلاً، إذا لم يحتسب البلد المضيف. الفلسطينيون نجحوا في اختبار المقاطعة، في وقت تواصل فيه الرفض في الأراضي الفلسطينية بالتوازي مع الاحتجاجات في الضفّة والإضراب في غزّة. لا كلام بارزاً في الإعلام إلا لجاريد كوشنر، وبعض التعليقات العربية المقتضبة، والمبهمة. وبانتظار البيان الختامي، لم يقدّم كوشنر أي مفاجأة، ولا سيما أن الترويج الذي سبق «الورشة الاقتصادية» فاقها صخباً وضجيجاً، إلى حدّ أنه يبدو، حتى الآن، أضخم من الحدث ذاته
كوشنر نجم «الورشة»: هذه «فرصة القرن»
أخيراً، خرج صهر الرئيس الأميركي ومستشاره، جاريد كوشنر، إلى الاستعراض العلني. صحيح أنه تحدث إلى وسائل إعلام سابقاً، لكنه أحبّ أن يبقى في دور المهندس لـ«صفقة القرن»، المتخفي قدر الإمكان. خرج وشرح ما لديه. في المحصّلة، كرّر كوشنر ما سبق أن قاله في تصريحاته الإعلامية الأخيرة. أعاد صياغة ما يريده في جمل إنشائية أكثر تنميقاً، فيما كانت الوجوه الخليجية «الكالحة» تنظر إليه. وهو سبق أن أكّد أنه لا يزال هناك شق سياسي من الصفقة مؤجل، لكنه لم يوضح بحكم ماذا، بانتظار تشرين الثاني/نوفمبر المقبل.
الآن، رأى صهر دونالد ترامب، الشاب، أنّ الاقتصاد «شرط مسبق ضروري لتحقيق السلام»، مخرجاً «القيح» منه بوصفه الخطة بأنها «فرصة القرن» لا «صفقة القرن». وقال في الجلسة الافتتاحية للورشة المنعقدة في المنامة: «التوافق حول مسار اقتصادي شرط مسبق ضروري لحلّ المسائل السياسية التي لم يوجَد حل لها من قبل… النمو الاقتصادي والازدهار للشعب الفلسطيني غير ممكنين دون حل سياسي دائم وعادل للنزاع يضمن أمن إسرائيل ويحترم كرامة الشعب الفلسطيني».
في خطوة إلى الوراء، أقرّ كوشنر بوجود «شكوك حيال نيّات الرئيس دونالد ترامب» الذي اعترف بالقدس «عاصمة لإسرائيل»، ولذلك قال: «رسالتي للفلسطينيين هي أنّه رغم ما يقول أولئك الذين خذلوكم في الماضي، الولايات المتحدة لم تتخلّ عنكم»، مضيفاً: «تجب الإشارة إلى هذا الجهد على أنّه فرصة القرن إذا تحلّت القيادة بالشجاعة لمواصلتها»، علماً أن الأوساط الفلسطينية ترى المبلغ المعروض، 50 مليار دولار على مدى عشر سنوات، بخساً حتى بالنسبة إلى مقياس التسليم.
«الفلسطينيون من أكثر الشعوب التي حصلت على مساعدات مالية»
وواصل المتحدث الأميركي: «ما طورناه يمثل الخطة الاقتصادية الأكثر شمولاً للفلسطينيين والشرق الأوسط الأوسع… بإمكاننا تحويل هذه المنطقة من ضحية لصراعات الماضي إلى نموذج للتجارة والتقدم في أنحاء العالم». ومضى يقول: «رغم ذلك، لن نبحث اليوم القضايا السياسية. سنفعل ذلك في الوقت المناسب»، ليعود ويشرح ما سبق أن صرح به: «الخطة ستؤدي إلى النمو، ويمكن أن تخلق مليون وظيفة وتخفض البطالة بنحو 10%… الخطة تقضي بفتح الضفة الغربية مع قطاع غزة». هكذا، بالتعاون مع شركاء الولايات المتحدة (لم يحددهم)، خلص كوشنر إلى أن واشنطن أعدت «أكبر خطة اقتصادية للفلسطينيين والشرق الأوسط»، خاصة أن «الفلسطينيين من أكثر الشعوب التي حصلت على مساعدات مالية، لكن كان ذلك دون برامج وخطط تنموية واضحة».
على صعيد الحضور، كان الوفد السعودي هو الأبرز والأعلى مستوى، ويرأسه وزير المالية محمد بن عبد الله الجدعان، ومعه وزير الدولة، عضو مجلس الوزراء، محمد آل الشيخ، ومحافظ «صندوق الاستثمارات العامة» ياسر الرميان، كما أفادت «وكالة الأنباء السعودية الرسمية» (واس). وبينما عاد المغرب وشارك رغم نفيه، بالموازاة مع مشاركة أردنية ومصرية بمستوى ثالث، جاءت مشاركة أبو ظبي «اقتصاديّة» الواجهة. وعلى هامش اللقاء، قال رجل الأعمال الإماراتي، محمد بن علي العبار، وهو عضو «المجلس التنفيذي لحكومة دبي» وأحد المساعدين الرئيسيين لمحمد بن راشد (نائب رئيس الإمارات)، إن «الحياة تبدأ بأشياء صغيرة». ورداً على سؤال عمّا سيقوله للإسرائيليين، كما نقلت عنه صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، قال العبّار إن «الناس في جميع أنحاء الشرق الأوسط يدينون للشباب بمحاولة حل المشكلات… أطفالنا يريدون أن يعيشوا حياة لها أمل، ونحن كرجال أعمال لدينا واجب».
من جهة أخرى، قال الرئيس التنفيذي لمجموعة «بلاكستون»، ستيفن شوارزمان، أمس، إن الخطة الاقتصادية التي قدمها كوشنر «قابلة للتنفيذ». لكنه نبّه خلال حضوره الورشة في المنامة، إلى أن الخطة «ليست طموحة بالقدر الكافي من الناحية المالية. لقد خصصت 27 مليار دولار للفلسطينيين، مع مساهمة رأسمالية لا تتعدى نحو 20%. ليست بذلك القدر الكبير». وأضاف شوارزمان: «أعتقد أن المستثمرين في الغرب سيتوخون الحذر الشديد من البداية… وسيأتون إذا كان هناك عائد».
على الهامش أيضاً، التقى (المضيف) الملك البحريني، حمد بن عيسى، الوفد الأميركي المشارك في الورشة، ومن ضمنه كوشنر ووزير الخزانة، ستيف منوتشين. ووفق «وكالة أنباء البحرين الرسمية» حمل رسالة من ترامب إلى الملك. ووفق الجدول المعلن، سيشارك رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، توني بلير، مع كوشنر غداً في «تقديم مؤشرات مفيدة حول كيفية تحقيق الرخاء في المنطقة». وإلى ذلك، قال الحاخام أبراهام كوبر، وهو عميد مساعد في مركز «سايمون ويزنتال» ويحضر القمة، إن «إيران تساعد في دفع الدول العربية والإسرائيليين معاً بسبب التهديد الوجودي»، مضيفاً: «كلما زاد تطبيع التفاعل، كانت الفرصة أفضل للفلسطينيين».
«ورشة البحرين» بعيون الإسرائيليين: «سَكْرة» بحرارة 40 مئوية
«مع بيرة لبنانية في البحرين. شرق أوسط جديد»، هذا ما أُرفق بصورة شاركها صحافي إسرائيلي على صفحته في «تويتر» وهو يحمل زجاجة «Almaza» بيده. أمّا المكان، فهو فندق «فور سيزنز» في المنامة، حيث تُعقد ورشة «السلام من أجل الرخاء». زميلته، موفدة «هآرتس»، التقطت لنفسها «سيلفي» بالحجاب. واستاءت من خجل البحرينيين بإسرائيل، إذ لم يكتبوا اسم «بلدها» الذي يعقدون من أجله ورشة على تأشيرة الدخول، رغم الترحاب الذي حظيت به وزملاءها الإسرائيليين من المضيفين البحرينيين!
هي المرّة الأولى منذ 25 عاماً التي تسمح فيها البحرين لصحافيين إسرائيليين بدخول أراضيها. السبب المشاركة في التغطية الصحافية ونقل وقائع «المؤتمر الاقتصادي» الذي بادرت إليه الولايات المتحدة الأميركية على قاعدة «العصا والجزرة». الواقع على الأرض لا يختلف عمّا يريد المؤتمر تحقيقه، أقله في مناطق سيطرة السلطة الفلسطينية في الضفة المحتلة. فبينما تدور الأشغال والورش بين رجال الأعمال، تجبر سلطات الاحتلال مئات آلاف الفلسطينيين على الحصول على تصاريح العمل في مستوطناتها التي هي أراضيهم، وفي سبيل ذلك تنتشر مكاتب التنسيق الأمني والإدارة المدنية من جنين شمالاً حتى الخليل جنوباً، ولا ينقص سوى ورشة على مستوى دولي لتدعيم الجسور الممتدة منذ «أوسلو» بين رجال الأعمال والمستثمرين من الفلسطينيين والإسرائيليين!
مع أن «الجنازة حامية والميّت كلب»، يبدو موفد «القناة الـ13» العبرية، باراك رابيد، الأكثر تفاؤلاً وحماسة بين كل المشاركين «المحبطين» في «ورشة المنامة». هو ليس كذلك، لأن الورشة تمثّل من وجهة نظره ولو شُعاعاً ضئيلاً في نهاية «النفق السياسي» المغلق منذ زمن بعيد، بل بسبب الرحلة «الشيّقة»، بل لأنه يُسافر لأول مرّة إلى البحرين، فساعةً يلتقط بعض المشاهد من فوق صحراء الجزيرة، وأخرى من فوق الخليج الفارسي، ومرّة من قاعة الاستقبال في مطار المنامة، وأخرى في بهو الفندق، وليس أخيراً توثيق سكرته بعد شربه البيرة اللبنانية (Almaza)، حالماً بـ«شرق أوسط جديد».
أمّا نوعا لنداو، موفدة صحيفة «هآرتس» إلى المؤتمر، فنقلت الأجواء من هناك: البحرين استعدت جيداً لاستقبال الإسرائيليين الذين يزورونها بـ«صورة طارئة» بمناسبة انعقاد الورشة الأميركية. لنداو بدت مستاءة، رغم ترحاب المضيفين البحرينيين بها وبزملائها، والسبب أن «المشاركين الذين ولدوا في القدس كُتب على تأشيرات الدخول أنهم ولدوا في فلسطين، أمّا مسقط رأس الإسرائيليين الآخرين، فحُذف حرصاً أمنياً زائداً». لكن الأميركيين الذي نظّموا المؤتمر أعدوا بطاقات تعريف بالمؤتمرين، أشارت إلى إسرائيل باللغة الإنكليزية «من دون تأتأة أو مواربة».
كان من الصعب تجاهل «مؤتمر السلام من أجل الازدهار» في مطار العاصمة. تشرح لنداو أن «عشرات اللافتات الضخمة نُصبت لتوجيه مئات المشاركين مباشرة إلى قاعة الاستقبال الخاصة التي أُعِدَّت حتى لا يُفوّت عن غير قصد أي نزيل أو ضيف، خاصة المجموعة الصغيرة من الإسرائيليين: رجال الأعمال والصحافيين الذين دخل بعضهم إلى البلاد بطريقة غير عادية للغاية وبجوازات سفر إسرائيلية»، على رغم أنْ لا علاقات علنية بين المنامة وتل أبيب. ممثلو السلطات البحرينية، أو من وصفتهم مندوبة «هآرتس» بـ«الرجال المرتدي العباءات البيضاء أو الزي التقليدي في البلاد»، رحبوا بالإسرائيليين الذين وصلوا تحت رعاية واشنطن. مع ذلك، بقي «التوتر عالياً»، وما يحدث من وجهة نظرها «يُدعى السلام البارد»، مع أن «حرارة الطقس في الخارج جاوزت الأربعين درجة مئوية». يبدو أن استياءها نابعٌ من توقعها أن كل شيء سيجري بصورة طبيعية، لكن «أحد المنظمين طلب من مُشارك إسرائيلي ألّا يتصل بهاتفه مرّة ثانية من رقمه الإسرائيلي، لأنه يحمل رقم دولة عربية (غير البحرين)».
الورشة، كما تراها لنداو، هي «تقديم رؤية طوباوية إلى الفلسطينيين تعرض عالماً أفضل، بشرط أن يقبلوا الاقتراح السياسي الذي يعتزم الأميركيون تقديمه إلى الطرفين بعد انتخابات الكنيست المقررة في سبتمبر (أيلول) المقبل». في المؤتمر الذي بدأ مساء أمس في فندق «فور سيزنز»، «لا يوجد ممثلون رسميون من الجانبين اللذين يفترض أن يتوصلا إلى اتفاق السلام»، كما أكدت «هآرتس»، مضيفة أن واشنطن فضلت بعد إعلان السلطة الفلسطينية رفضها المشاركة أنّ «من الأفضل ألا تمثّلَ إسرائيل رسمياً، خاصة بعد قرار إعادة الانتخاب الذي يجعل من الصعب على (رئيس الوزراء بنيامين) نتنياهو المدعوم من شركائه في اليمين أن يعبّر عن دعمه لتسوية سياسيّة».
إذاً، من الذي يشارك من الأطراف المعنية؟ أساساً رجال الأعمال من القطاع الخاص، بمن فيهم الرئيس التنفيذي لشركة «نوكيا ــــ إسرائيل»، إريك طال، والمدير العام لـ«مركز شيبا الطبي»، يتسحاق كريس، والمنسق السابق لأعمال الحكومة الإسرائيلية في الضفة وغزة، يوآف مردخاي، والأخير يُشارك بصفته رجل أعمال، على رغم أنّ «من غير الواضح ما هي الأعمال التي يديرها ويشتغل فيها»، وفق الصحيفة. أمّا فلسطينياً، فرصد الصحافيون الإسرائيليون ضيفاً واحداً على الأقل: أشرف الجعبري، رجل أعمال من الخليل، وهو شخص مرفوض على الأقل بين مواطنيه أنفسهم. إضافة إلى ذلك، يُشارك في الحدث ممثلون رسميون من الدول العربية، من ضمنها السعودية والأردن ومصر والمغرب والإمارات وقطر، إلى جانب كبار رجال الأعمال العرب «الذين تتميز جيوبهم بالعمق الكافي لتطوير ثلاث دول إذا رغبوا في ذلك»، وفق لنداو.
احتجاجات في فلسطين وخارجها
خرج الفلسطينيون، أمس، في كل أماكن وجودهم، مُعلنين رفضهم لاجتماع البحرين المتصل بصفقة بيع فلسطين. تركوا أعلام فصائلهم خلفهم وتوحدوا تحت العلم الفلسطيني. فائدة مؤتمر البحرين الوحيدة توحيد قوى الضفة وغزة… ولو إلى حين!
البارز امس، كانت المواقف التي اعلنها رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية خلال «المؤتمر الوطني الفلسطيني لمواجهة صفقة القرن ورفض مؤتمر البحرين» المنعقد في غزة. هنية شدّد على أن «فلسطين ليست للبيع ولا للصفقات والمؤتمرات، وشعبنا لم يفوّض أحداً كائناً من كان للتنازل والتفريط، والأرض لنا، والقدس لنا»، لافتاً إلى أن «مؤتمر البحرين» سياسي بغطاء اقتصادي، والى أن أميركا التي فشلت في كل سياساتها وفي تطويع المنطقة لن تنجح في إمرار هذه الصفقات. وأضاف: «هناك دول إسلامية تقف بكل شموخ وتتحدى أميركا وتسقط طائراتها وتحذرها من الإقدام على أي حماقات»، مؤكداً أن «صفقة القرن ومؤتمر البحرين ليسا قدراً على الشعب الفلسطيني». وشدد هنية على أن «الشعب الذي أفشل كل المخططات وكل الصفقات قادر على أن يُفشل هذه الصفقة. في اعتقادي أننا لن نكون بحاجة إلى كثير من الكلام، بل نحن بحاجة إلى التوافق على رؤية واستراتيجية وطنية فلسطينية في هذه المرحلة، وإلى كثير من آليات التنفيذ لهذه الخطة ولهذه الرؤية، ولكثير من الأعمال لمواجهة الواقع الذي تمر به القضية الفلسطينية. صفقة القرن الذي يجري الحديث عنها وتطبيقها على الأرض هي صفقة من صناعة نتنياهو بالأساس، لأن الطاقم الذي يشرف على هذه الصفقة لصيق الصلة بنتنياهو والمؤسسة الصهيونية السياسية والعسكرية. وهي مرتكزة على هذه الرؤية السياسية المطروحة، وهي: لا للقدس، لا للدولة الفلسطينية، ولا لعودة اللاجئين، ونعم لضم المستوطنات. باختصار هذا هو البرنامج السياسي للأحزاب الصهيونية».
ودعا القوى الفلسطينية الى العمل على «توحيد صفوفنا وفق رؤية تقول بمغادرة أوسلو وكل متعلقاته، واستعادة الوحدة الوطنية ضمن خطوات محددة، و إطلاق العنان للحراك الشعبي الفلسطيني، ثم التعاون وتعزيز التشاور مع الإقليم والدول العربية والإسلامية وأحرار العالم مع التاكيد على رفض التطبيع». وقال: «إننا جاهزون الآن للقاء يجمعنا بالأخ أبو مازن (الرئيس محمود عباس) وقيادة حركة فتح في غزة أو في القاهرة أو في أي مكان»، مشدداً على «ضرورة تشكيل حكومة وحدة وطنية تدير شؤوننا في غزة والقدس والضفة، وتحضّر لانتخابات رئاسية وتشريعية ومجلس وطني حسب اتفاقيات 2017 في القاهرة وبيروت».
من جهته، رأى الأمين العام لحركة «الجهاد الإسلامي» زياد النخالة أنه «ليوم مشهود أن يقف الشعب الفلسطيني وقفة واحدة ومعنا كل الشعوب العربية والإسلامية وأحرار العالم في مواجهة صفقة القرن». وقال: «قدّم العرب ومعهم الدول الإسلامية مبادرة السلام العربية التي رفضتها إسرائيل جملة وتفصيلاً ولم ننجز أي شيء منها إلا الإقرار العربي بالكيان الصهيوني»، مهاجماً الأصوات التي تطالب بالاعتراف بالعدو، قائلاً: «العالم كله يرى كيف يحيط العدو نفسه بالجدر ويتراجع. أقول للمحبطين ألم نجرب السلام مع العدو؟ ألم نوقع على سلام مع العدو؟». وأضاف: «لم نجنِ من تجارب السلام إلا ما ترونه من الاستيطان ومصادرة الأراضي وملاحقة الناس في كل شيء وقتلهم وتدمير بيوتهم».
ودعا النخالة إلى التمسك بالمقاومة التي «أثبتت يوماً بعد يوم في فلسطين وغيرها أننا إذا صمدنا وقاتلنا يمكن أن نحقق ما لم نحققه بالسلام والمفاوضات»، مطالباً بسحب «الاعتراف بالعدو الإسرائيلي وإعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية، إن كنا نريد أن تكون المنظمة ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني».
وفي تصريح منفصل قال أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات، إن «أية خطة تتضمّن عناصر إنهاء القضية الفلسطينية، وإلغاء وجود شعبها مرفوضة سلفاً من الجانب الفلسطيني وغير قابلة للنقاش أو التفاوض».
تحركات احتجاجية
ترافقت هذه المواقف مع تحركات شعبية في كل الاراضي المحتلة، وحتى مخيمات الشتات. في الضفة الغربية خرج الناس إلى الساحات، بينما شهدت مدينة نابلس مسيرة شارك فيها نحو ثلاثة آلاف شخص باتجاه ميدان الشهداء في وسط المدينة. وحمل المتظاهرون الأعلام الفلسطينية والرايات السود، ولافتات ندّدت باجتماع المنامة. وكان لافتا غياب أعلام الفصائل الفلسطينية مقابل بروز العلم الفلسطيني وحده. كذلك انطلقت مسيرة في مدينة حلحول. بينما حصلت مواجهة بين المتظاهرين وقوات الاحتلال وسط مدينة الخليل، فيما توجهت مسيرة من رام الله نحو حاجز «بيت إيل» العسكري شمال المدينة، وأطلق جنود العدو قنابل الغاز المسيل للدموع باتجاهها لتفريقها.
ترافقت المواقف مع تحركات شعبية في كل الاراضي المحتلة وحتى مخيمات الشتات
في بيت لحم تظاهر المئات باتجاه برج المراقبة العسكري الإسرائيلي شمال المدينة، وأحرق المحتجّون دمية تمثل الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مندّدين في الوقت ذاته بملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة والملك السعودي سلمان بن عبد العزيز.
في هذه الأثناء، كان الاضراب العام يشل قطاع غزة. وسارت تظاهرات أحرقت خلالها صوا لترامب ورئيس حكومة العدو. وعلى الحدود الشمالية والشرقية لقطاع غزة، أطلق شبّان بالونات حارقة ومتفجّرة فوق مستوطنات غلاف غزة. وقال المتحدث باسم وحدة مكافحة الحرائق التابعة للاحتلال، إنه «حتى الساعة الخامسة (من مساء أمس)، اندلعت 10 حرائق في أحراج غلاف غزة ومستوطناته بفعل البالونات الحارقة». بدوره، أشار المتحدث باسم وزارة الصحة الفلسطينية أشرف القدرة، إلى أن «12 فلسطينياً أصيبوا، منهم 3 بالرصاص الحي على الحدود الشمالية لقطاع غزة».
الاحتلال يشدّد الحصار
في خطوة تصعيدية ضد قطاع غزة، قررت سلطات العدو الإسرائيلي وقف تزويد القطاع بالوقود لتشغيل محطة الكهرباء الوحيدة، بذريعة الحرائق التي اندلعت في مستوطنات «غلاف غزة» بفعل البالونات الحارقة التي أطلقت من القطاع.
وصعّد الشبان، في اليومين الماضيين، من إطلاق البالونات الحارقة بسبب تلكؤ الاحتلال في تنفيذ تفاهمات رفع الحصار عن قطاع غزة، فيما قلّصت سلطات الاحتلال مساحة الصيد من ١٠ أميال بحري إلى ٦ أميال بحري، أول من أمس. بعد هذه الخطوة التصعيدية، حمّل عضو المكتب السياسي لحركة «حماس»، خليل الحية، «الاحتلال الإسرائيلي مسؤولية تدهور الأوضاع وما ستؤول إليه الأمور في قطاع غزة عقب تراجعه وتلكئه في تنفيذ تفاهمات التهدئة». وأكد الحية في تصريح صحافي، أن «تلاعب الاحتلال بمساحة الصيد ووقف توريد الوقود لمحطة التوليد يجعل التفاهمات في خطر شديد، وينذر بعواقب وخيمة». كذلك، حذّر الاحتلال من تصدير أزماته الداخلية إلى الشعب الفلسطيني.
فلسطينيو الـ48: إنه ملتقى المطبِّعين و«البيّاعين»
على جانب الطريق الممتد بين مسجد شهاب الدين، الذي لا يخلو من المصلين والزائرين، وكنيسة البشارة في الناصرة، يجلس أسامة حسن من قرية المشهد (الجليل الأسفل) شمال فلسطين المحتلة، منتظراً أذان الظهر، دون تأفف من حرارة الشمس الحارقة. يلحظني الرجل فيبادر بابتسامة، قبل أن أفاجئه بالسؤال: «ما رأيك بورشة البحرين يا عم؟». «ولك أي ورشة بحرين؟». فسّرت، وقدمت شروحاً عن الإغراءات الماليّة التي سيقدمها صهر الرئيس الأميركي بحرفة خبير اقتصاديّ. لم «تخرط» المحاضرة «مشطه»: «مش فاهم شو قصدك؟». هل سمعت بـ«صفقة القرن»؟، «أه إلا! ولكن كل الصفقات التي ستبيعنا ستموت قبل أن تولد. وعلى كل من يُشارك بها أن يحسّ بالعار».
ليس بعيداً عنه، وفي الجهة المقابلة، عند أول مدخل سوق الناصرة الصامد أمام كل محاولات التهويد، يجلس العم أحمد الفاهوم. الرجل في الستين من عمره، عايش حروباً كثيرة، ويبدو أنه ملّ من ورشات التطبيع. «أي ورشة؟ البحرين؟ صفقة القرن؟ حسناً هذا كله مصيره الفشل، أنا واثق من أن هناك مواقف مشرفة من الشعوب العربية، وحتى مواقف دوليّة وغربية داعمة لنا. وهذه الورشة ملتقى المطبِّعين والمهرولين لأحضان الصهيو ــــ أميركية. هذه أصلاً ورشة سياسية وليست اقتصادية. المشاركون لن ينالوا أيّ مبالغ».
«من كل عقلهم يأخذونا ع السعودية؟ لولا فريضة الحج ولا بندعس هناك»
بالنسبة إلى الوعود الاقتصادية الهائلة التي وصلت إلى مليارات الدولارات، والتي من المفترض أن تموّلها دول الخليج المشاركة، وبعض مستثمري القطاع الخاص، ويتطلب تنفيذها عشريّة، يقول الفاهوم إن «الشعب الفلسطيني لن تغريه أموال الدنيا من أجل التنازل عن حقه في وطنه. اتفاقات السلام التي وُقِّعَت بين إسرائيل وزعماء عرب، بدل أن تحسن شروط حياة الناس قلبتها إلى جحيم». كيف؟، «السادات مثلاً عندما وقّع اتفاقية كامب ديفيد، وعد الشعب المصري بالانفتاح الاقتصادي. انظروا إلى وضع الشعب المصري الآن. وعندما وُقِّعَت صفقة غزة وأريحا، قالوا أولاً إن الضفة ستصبح هونغ كونغ، ونحن اليوم نشاهد وضع الضفة. الوعود انتقلت من الأرض مقابل السلام إلى الأرض مقابل المال».
أحد أصحاب المحلات الشهيرة في شارع توفيق زياد يسخر من الأنباء الواردة من الرياض، وفيها أن الأخيرة وجدت «تصريف لفلسطينية الـ48»، إذ تعطيهم الإقامات الدائمة على أراضيها وتسهيلات ماليّة وتسمح لهم بتملك العقارات. «من كل عقلهم يأخذونا ع السعودية؟ لولا فريضة الحج ولا بندعس هناك».
عموماً، يرفض فلسطينيو الـ48 الورشة الاقتصادية التي انطلقت مساء أمس في المنامة، ويرون في عنوانها خدعة وتزييفاً من أجل المساومة على حقوقهم، وإضفاء شرعية دولية على واقع يجري تنفيذه على الأرض: تمدد المستوطنات في الضفة المحتلة تمهيداً لضمها إلى إسرائيل، سنّ عشرات القوانين العنصرية، وأهمها قانون أساس يهودية الدولة (قانون القومية)، الاعتراف الأميركي وبعض الدول بالقدس «عاصمة لإسرائيل» وبسيادة الأخيرة على الجولان المحتل. صحيح أن الحالة العامة في الأرض المحتلة تقلّل أهمية المؤتمر ومخرجاته، ولا سيما أن منظميه نعوه قبل أن يولد، لكن الفلسطينيين في كل الأحوال تعلموا درساً: لو لم يبقَ لنا غير شبر أرض، فإننا سندفن تحته ولا نرحل.
جريدة الأخبار اللبنانية