الجديد برس : رأي
صلاح الدكاك
على محورين توزعت كلمة سيد الثورة، السيد القائد عبد الملك الحوثي، أمس، في اختتام فعاليات المراكز الصيفية: المحور الأول بناء الأمة ونهوضها بوصفه جوهر المشروع القرآني المحمدي الرسالي العابر للمجريات اليومية، والذي تستميت قوى الاستكبار والهيمنة الكونية في الإجهاز عليه كهدف جوهري لها، فالعدو لا يشن عدوانه متعدد الأشكال علينا لوجه العدوان فحسب، وإنما يستهدف اليوم ما يوقن أنه خطر وتهديد وجودي لمشاريعه لن يكون في مقدوره مواجهته غداً.
المحور الآخر في كلمة سيد الثورة هو مستجدات الصراع الدائر والموقف منها، وهو الصراع الذي نخوضه دفاعاً عن حقنا المشروع في الحرية والاستقلال وانتهاج مسار كينونة تليق بنا وبأمتنا وتنتصف لقضاياها وقيمها ومشروعها الرسالي الإنساني، بعيداً عن حظائر الوصاية والانبطاح… هما إذن محوران متعاضدان متضافران يفضي أحدهما للآخر إفضاء الوسيلة إلى الغاية، فلا مناص لتحقيق الكينونة الناهضة الحرة المستقلة من مواجهة مباشرة مع قوى التعبيد والوصاية، وكذلك فإن هذه المواجهة لا مناص لها من أن تستوفي أسباب القوة الروحية والمادية لتحرز النصر، الأمر الذي تغدو معه اليد المدافعة يداً بانية، واليد البانية يداً مدافعة في الوقت ذاته.
يطرح سيد الثورة في المحور الأول المكرس لتحدي البناء سؤالاً معرفياً تضع إجابتُه مبضع التشخيص على مكمن جرح العملية التعليمية في بلادنا طيلة عقود… فلكي يكون للتعلم غايته السامية والنبيلة والبناءة في واقع البلد والأمة ينبغي بدءاً الإجابة على السؤال: “لماذا نتعلم؟!”. في العقود الخوالي شهد البلد طفرة تعليمية أسفرت عن وفرة مخرجات كانت في جلها مراكمة كمية أسفرت عن تخمة وظيفية غير منتجة، لأن سقف الغاية الأعلى من التعلم ومن العلم كان محصوراً في الالتحاق بوظيفة، وهو سقف بائس التطلعات ومقزِّم لقيمة العلم والعملية التعليمية التي يتعين أن ينتظم مخرجاتها مشروع يثمنها ويعلي منها وبها شأن الأمة ووزنها ودورها بين الأمم ويرقى بواقع أبنائها قيمياً ومادياً وحضارياً ورسالياً كفريضة جهادية في صلب الرسالة القرآنية… “إن الأمريكي يستهدف بالتعلم والعلم مغزى وغاية عليا مشروعة وغير مشروعة، من بينها تحقيق التفوق والغلبة والاقتدار والهيمنة وبسط السيطرة على غيره من أمم وشعوب” يقول سيد الثورة ويستهجن -متابعاً- الصورة المزرية للمتلقي السلبي المفرغ والأجوف والآيل للامتلاء بأي معرفة باطلة وخاطئة، والانبهار بالأفكار بمنأى عن تمحيص قيمتها وصوابيتها صدوراً عن غياب مفارز الوعي لديه، وهي مفارز لا غنى عنها في اكتساب العلم النافع والهادف وتفنيد الأباطيل والمقولات والأفكار المتلطية خلف لبوس علمية، والانعتاق من أكبال المفاهيم الخاطئة والتبعية الفكرية على طريق تحصيل علوم نافعة وهادفة مقرونة بالقيم الإنسانية والسماوية، في شتى حقول التعلم الدينية والطبيعية، فالعلم غير المقرون بقيم هو مطية للظلامية والجهل، وكذلك فإن القيم دون علم هي تجريد وتحليق في السديم خارج الواقع وحقائق الصراع ونواميسه… في هذا المحور يحث سيد الثورة على الانتقال إلى طور تعليمي متقدم يوائم بين العملية التعليمية بكل مراحلها وأنشطة المراكز الصيفية في مسار ممنهج يمكن المراكمة عليه ضمن محددات الرؤية الوطنية لبناء الدولة… وعلى مستوى المحور الآخر المتعلق بمستجدات الصمود في مواجهة العدوان خلال هذا الطور المقتدر من الملحمة اليمانية يشير سيد الثورة إلى مبلغ الألم والتخبط الذي باتت عليه قوى ودول العدوان ومن ورائها المدير التنفيذي الأمريكي، كثمرة من ثمار صمود وتماسك شعبنا الشريف العزيز الصامد والمجاهد والصابر في مقام العمل والتحرك والمسؤولية… ويحيل سيد الثورة أذهان وأبصار اليمنيين إلى ما سبق وحذر منه في أكثر من خطاب بالأمس وبات منظوراً اليوم لعيانهم في صورة قبح مشروع العدوان ودناءة مفارزه المناطقية والطائفية التي شرعت في حملات تهجير مستضعفي الشمال العاملين في الجنوب المحتل، حاثاً على مواجهة هذا القبح بالتزام قيم الإخاء المفتوحة على مشتركات إنسانية رحبة وغير مقصورة على عرق وجنس ولون ومنطقة أو سلالة… “تريد قوى العدوان أن يقتتل اليمني مع اليمني، قبيلة وقبيلة، منطقة ومنطقة، مذهب ومذهب، وشخص وآخر، لأن هذا هو بالأساس مشروع عدوانها على اليمن” يقول السيد القائد. ويوجه في هذا السياق إلى العدو الأمريكي الأصيل وأدواته الإقليمية الوكيلة، رسالة صارمة غير مهادنة ولا هجينة الدلالة: “ننصح الإمارات بأن تَصْدُق بشأن انسحابها، فذلك هو لمصلحتها على المستوى الاقتصادي وكل المستويات، فاستمرارها في العدوان سيمثل خطورة عليها”. وبنكاية يصف السيد حال السعودية بالمزري ويعدها بالمزيد من عمليات “التاسع من رمضان” إن لم توقف عدوانها بحق شعبنا وتقر بلا جدوى تماديها فيه، لاسيما بعد خمسة أعوام من الخيبات والفشل الذريع، وتمثل رسالة الحج التحذيرية أنكى رسالة وجهها سيد الثورة للمملكة السعودية في سياق كلمته أمس، حيث وصف سلطة بني سعود بـ”غير الجديرة بإدارة شؤون الحج” وأن تأثيرات الاستمرار في استغلال هذه الفريضة الدينية سياسياً وحرمان بلدان وشعوب عديدة من أدائها ووضع العراقيل في طريق الحجيج ستكون له تأثيرات كبيرة في قادم الأيام… “نأمل أن يراجع النظام السعودي حساباته في التعامل مع مسألة الحج” قال سيد الثورة واضعاً بني سعود في مهب مداولة أفق وعيد أحلى احتمالاته مر، وأهونها عظيم.
هكذا تكلم سيد الثورة.